رولا عبدالحميد: «أنصاف الموهوبين» استباحوا الشعر

«ما ينشر عبر مواقع التواصل لا يمكن أن نسميه أدباً»

نشر في 10-10-2019
آخر تحديث 10-10-2019 | 00:02
تجيد العزف على أوتار الكلمات، سواء كانت القصيدة كلاسيكية أو نثرية، فجمالها يخرج بتلقائية من روح مبدعتها الشاعرة رولا عبدالحميد، التي ترى أن المبدع يجب أن يكتب لهدف نبيل، وأن يكرِّس ما يكتب للرقي الإنساني.
وقالت عبدالحميد، في حوار مع «الجريدة»، إن الحداثة في الشعر لا تتعلق بالوزن والقافية، بل هناك مقومات لقصيدة النثر كالتكثيف والإيجاز والابتكار والرمز واستعمال التقنيات المختلفة من قص وسرد وتصوير، وهاجمت «أنصاف الموهوبين» الذين استباحوا الشعر، على مواقع التواصل، دون خبرة أو دراية بفن الشعر... وفيما يلي التفاصيل:
• تكتبين الشعر الكلاسيكي وتبدعين في قصيدة النثر، أيهما جاء أولا؟

- أنا أكتب قصيدة النثر منذ بداية تجربتي الشعرية، وكتبت بعض القصائد الكلاسيكية، لكن لم أتحول من القصيدة الكلاسيكية إلى النثر، بل منذ البداية وجدت نفسي في قصيدة النثر.

وهذا ليس تقليلا من شأن القصيدة الكلاسيكية أو رفضا أو معاداة لها، بل مجرد ميل لنوع آخر أعشقه وأبدع به، وهو قصيدة النثر، وأحب أن أنوِّه هنا إلى أن قصيدة النثر اقتضتها روح العصر، وهي نوع شعري جديد، وليس هذا النوع ثورة على التراث والشعر الكلاسيكي، بل يقوم على خلق فضاء شعري جديد، له خصوصيته وتجربته، ولا يمكن تذوقه أو الحكم عليه من مفاهيم شعر التفعيلة أو شعر البحور الشعرية، وإن قصيدة النثر لا تلغي قصيدة البحر، فكلتاهما موجودتان، وكلتاهما نوعان، ولا يلغي نوع من الشعر نوعاً آخر.

وقد يظن بعض القراء أن قصيدة النثر سهلة لخلوها من الوزن، لكنهم لا يعلمون أن لقصيدة النثر مقومات تجعل منها قصيدة، كالتكثيف والإيجاز والابتكار والرمز واستعمال التقنيات المختلفة من قص وسرد وتصوير.

الحداثة ثورة

• يخطئ بعض من يكتبون الشعر في تقييم مفهوم الحداثة، ماذا تقولين في هذا الإطار؟

- يظن بعض الناس أن الحداثة ثورة ومعاداة للتراث والماضي، لكن الحداثة هي تطور تستدعيه طبيعة العصر وطبيعة الإنسان الساعية إلى التجديد، فكيف إن كان المجال أدباً؟ والأدب نفسه يقوم على الابتكار والإبداع لا التقليد والمحاكاة.

والحداثة في الشعر لا تتعلق بالوزن والقافية، فقد يكون الشاعر حداثيا، وهو يكتب قصيدة كلاسيكية، وقد يكون شاعرٌ آخر تقليدياً، وهو يكتب قصيدة نثر، فالحداثة تتعلق بالوسائل والتقنيات والأدوات، لا الوزن والقافية، ومن أساليب الحداثة: القص والحوار والدراما والصراع والرمز وتوظيف الأشكال الثقافية من أسطورة ودين وتاريخ.

الموهبة والثقافة

• حدثينا عن منطلقاتك العامة في الكتابة

- منطلقاتي العامة هي: الموهبة والثقافة والأخلاق، فلا يمكن أن يكون المبدع مبدعا إذا لم يمتلك الموهبة، والموهبة ملكة ربانية، يهبها الله لبعض عباده، تتضمن ذكاء وقدرة على الخلق والابتكار والإدهاش.

وينبغي على المبدع أن يكلل موهبته بالثقافة والمعرفة والبحث، فيصقل موهبته بما يحصله من معارف، وما يمتلكه من ثروة لغوية، ومن المنطلقات المهمة الأخلاق، فالمبدع يكتب لهدف نبيل، ويسعى لترسيخ القيم والمبادئ، ويكرِّس ما يكتب للرقي بالإنسان والسمو به لا لعداء الإنسان.

ومقومات الشعر موهبة ربانية مكللة حتما بإحساس مرهف، يجعل الشاعر يبحر في يم منفرد، خاص به فقط، يم أمواجه بصيرة نافذة، وأسهم تجيد الولوج في أعماق القلب، فتفتح مناجم المشاعر، ولا تقتلها، وثقافة واسعة تكون بمنزلة غيمة تمطر الأفكار دون تكلُّف أو تصنُّع، ولغة قوية تتجلى بفصاحة اللفظ، وبلاغة التركيب، وقوة البيان، وثروة لغوية واسعة تصاغ بقواعد سليمة تنداح عذبة في القصيدة كماء عذب زلال.

وأهم مقوم للشعر وأول المقومات كما وضحت سابقا هو تمتع الشاعر بالأخلاق واحترامه لكلمته، فلا يقول كلمته لاهيا عابثا لاعبا، بل واعيا مقدسا مدركا لعمقها وفحواها.

موهبة كاملة

• إلى أي مدى يمكن القول إن الشعر أضحى مستباحا من «أنصاف الموهوبين» خاصة في زمن السوشيال ميديا وسهولة النشر عبر هذه الوسائط الإلكترونية؟

- الشعر وغير الشعر أصبح مستباحاً لأنصاف الموهوبين، وأنا لا أعتقد أن هناك شخصاً يمتلك نصف موهبة، فإما أن يمتلك الإنسان موهبة كاملة أو لا، وما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي لا يمكن أن نسميه أدباً، وإنما هو تعبير عن حرية شخصية، وأما ما يكتبه بعضهم من تمجيد لما ينشر على صفحات التواصل فهذا شيء محزن للأسف وخطير، لأنه يدل على فساد الذائقة الشعرية، والأكثر خطورة أن يعتلي هؤلاء منابر الثقافة بوصفهم شعراء لهم وجود في الوسط الثقافي وأن نسميهم شعراء، ويصدقوا هم أنفسهم أنهم شعراء.

• ماذا يعني لك الحب، الحرف، الشعر؟

- الحب حياة واستمرار ووجود، الحرف أنا، والشعر غايتي، ويمكن أن أجمع هذا الثالوث في قصيدة لي:

هي القصيدة تنزل كل مساء

لتجول في حقولي

ومعولك يا زارع الألوان

يسير في جوار روحي

البحر في بيت القصيدة

يموج وتتهادى القوارب الليلكية

وفيها طحين وماء

فيها لأوراقي الحبر واليراع

الطريق طويل وربما قصير

واسمي يسير على التخوم

في صرته وردة بيضاء

وقربة ماء

في صرته للفارس السديمي

بضع أسئلة ونداء

هي القصيدة غيمة خضراء

وكلماتي معتقة في خوابي العقيق

وبين أيديها حبات قمح

وأنت المطر

أنت تسير في طريق

وأنا أسير في طريق

والجبال أمامنا صخورها عالية

هي القصيدة تنزل كل مساء

وأنت القصيدة

ثروة لغوية

• أنت حاصلة على الإجازة في اللغة العربية وآدابها، وعلى دبلوم دراسات عليا قسم اللغات السامية، ما أهمية اللغة للأديب في ظل ما نراه من سقطات لغوية فادحة في نصوص أدباء كبار؟

- اللغة نسيج الأدب ومادته الأولى، فالإنسان في البدء خُلِقَ من صلصال من فخار، والأدب جاء من كلمات، فكيف للأديب أن يبدع وهو لا يمتلك ناصية لغته؟ ولا يمتلك ثروة لغوية تسعفه في إبحاره في عالم الشعر اللامتناهي.

• ماذا في جعبة إبداعك؟ وربما يخرج للنور قريباً؟

- مجموعة شعرية بعنوان «لصوته يتعطَّر قلبي».

المبدع يكتب لهدف نبيل ويكرِّس ما يكتب للرقي بالإنسان
back to top