فخ الإقالة

نشر في 09-10-2019
آخر تحديث 09-10-2019 | 00:00
إن عيوب شخصية ترامب ومساوئ سلوكه معروفة جدا لدرجة أن إجراءات الإقالة ستؤدي على الأرجح إلى نتيجة عكسية، وستضر بالسياسيين الديمقراطيين أكثر من الجمهوريين.
 بروجيكت سنديكيت لقد ارتكب الحزب الديمقراطي الأميركي خطأ فادحا من خلال إطلاق إجراءات إقالة الرئيس دونالد ترامب، فهم يعيدون عملية إقالة الجمهوريين لبيل كلينتون سنة 1998، وهي عملية فاشلة أضرت بالجمهوريين وعززت من سلطة كلينتون وتسببت بضرر مؤسساتي كذلك.

إن العامل المشترك لعمليتي الإقالة هو أنه كان من الواضح أن مجلس الشيوخ الأميركي لن يدين على الإطلاق، لأن الإدانة تتطلب أغلبية الثلثين، وقد كان أعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين وعددهم 45 غير سعداء بأن كلينتون قد حنث بقسمه أمام لجنة محلفين موسعة وعاق سير العدالة وانخرط في علاقة جنسية خارج نطاق الزوجية مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، لكنهم لم يعتقدوا أن هذا السلوك يبرر إقالته من المنصب، ولم يكن هذا التصرف فاضحا لدرجة التخلي عن ولائهم السياسي لرئيس كان يحظى بالشعبية لدى الناخبين.

لقد كان الجمهوريون الذين قادوا عملية الإقالة يعرفون أن عدداً قليلاً جدا من أعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين- إن وجدوا- سيصوتون للإدانة (والذي حصل أنه لم يصوت أحد لها) ولكن كان الجمهوريون يأملون إحراج الديمقراطيين والإضرار بكلينتون معتقدين أنهم سيكسبون بعض المقاعد في انتخابات نوفمبر 1998، وذلك من خلال إطلاق إجراءات الإقالة قبل ذلك، فكانوا على خطأ حيث ارتفعت شعبية كلينتون بعد انتهاء إجراءات الإقالة، واعتقد معظم الأميركيين أن الإقالة كانت خطأ.

وكان الكثيرون يشعرون بالقلق من أن إقالة كلينتون ستضر بالرئاسة، لكن تأثيرها الرئيسي على السلطة الرئاسية كان عكس ذلك تماما، وقد اتفق الجمهوريون في نهاية المطاف مع الديمقراطيين بأن مسؤولية هذا الإخفاق التام تقع على عاتق كينيث ستار، وهو المستشار القانوني المستقل الذي قادت تحقيقاته قبل ذلك بسنوات فيما يتعلق بتعاملات كلينتون العقارية إلى ليونسكي. لقد سمح الحزبان لتشريع المستشار القانوني المستقل أن ينقضي مما حرر الرئاسة من شكل قوي من أشكال الرقابة الذي يفيد ترامب كثيرا بعد ذلك بجيل.

أما اليوم، فربما أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين يشعرون سرا بالقلق من سلوك ترامب لكن لا يوجد أي مؤشر أن نجد حتى عضواً واحداً سيصوت لإقالته، وفي حين لا يتمتع ترامب بالشعبية التي كان يحظى بها كلينتون، فإنه لا يزال يتمتع بولاء قاعدته الانتخابية والذين يسيطرون على الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، وبخلاف كلينتون يتمتع ترامب بدعم غالبية أعضاء مجلس الشيوخ، وفي واقع الأمر فإن الحماسة الاستثنائية لأنصار ترامب- عدم اكتراثهم لفضائحه الأخرى الكثيرة- تضمن تقريبا أن أي معلومات إضافية قد تظهر خلال جلسات الإقالة لن تؤثر في أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري.

بعض أنصار الإقالة يجادلون أن خطورة التهم ضد ترامب- أي الاستعانة بدولة أجنبية لمضايقة خصم سياسي- ستضمن إدانته، ولكن لقد مررنا بذلك في السابق، فالديمقراطيون الذين يكرهون بشدة التحرش الجنسي والحنث بالقسم دعموا كلينتون لأنهم اعتقدوا أن البديل كان أسوأ، والجمهوريون سيقومون بالحسابات نفسها، وربما القصة ستكون مختلفة لو أقنع ترامب الأوكرانيين باعتقال جو بايدن أثناء جولته السياحية في كييف، وإن تصرف الرئيس وإن كان بغيضا مختلف تماما عن تورط ريتشارد نيكسون في التجسس على الحزب الديمقراطي؛ المثال التاريخي الوحيد على إجراءات إقالة أدت إلى انتهاء فترة حكم الرئيس (في حالة نيكسون انتهت فترة الرئاسة باستقالته).

يجادل آخرون أنه حتى لو لم تتم إقالة ترامب فإن الإقالة في مجلس النواب- وهي إقالة مضمونة تقريبا بسبب الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب– ستبعث برسالة قوية بأن سلوك الرئيس ينتهك القيم الأميركيه، ولكن الإقالة لديها منطق خاص بها، وهو أنه عندما يبدأ الديمقراطيون بإجراءات الإقالة فإنهم إما سيربحون أو يخسرون، وإذا خسروا فسينظر إليهم كخاسرين ضيّعوا الموارد العامة على هدف فاشل.

لكن هناك آخرون ما زالوا يعتقدون أن جلسات الإقالة ستكشف أن ترامب ارتكب جرائم أو خان البلاد بطرق لم يتم الكشف عنها بعد، أو أن الجلسات ستمكن الديمقراطيين من الكشف عن خطورة جميع أفعال الرئيس بطريقة ستحفز العامة، ولكن إدارة ترامب التي عادة ما تعاني تسرباً في المعلومات قد احتفظت بأسرار قليلة حتى الآن، والكثير من سلوكه قد تم تطبيعه على أقل تقدير لمناصريه من الجمهوريين، وإن إجراءات الإقالة بخلاف الإجراءات القضائية هي آلية بطيئة لتطوير الأدلة، فلم يكن هناك شيء جديد يتعلق بكلنتون بعد إصدار تقرير ستار، ولا يوجد شيء جديد سنعلم به فيما يتعلق بترامب.

في واقع الأمر فإن عيوب شخصية ترامب وسوء سلوكه معروفة جدا لدرجة أن إجراءات الإقالة ستؤدي على الأرجح إلى نتيجة عكسية، وستضر بالسياسيين الديمقراطيين أكثر من الجمهوريين، ومرة أخرى فإن إجراءات إقالة كلينتون تقدم لنا بعض الدروس المستفادة، فالجميع كان يعرف أو كان يشك أن كلينتون كان يلاحق النساء، وكان يكذب دائما ولم يكن الناس مدركين بالطريقة نفسها أن رئيس مجلس النواب من الحزب الجمهوري نيوت غينغريتش كان لديه علاقة خارج نطاق الزوجية، والحالة نفسها تنطبق على خليفته بوب ليفينغستون، وكلاهما استقال واحتفظ كلينتون بمنصبه.

إن أهم مهارة يتمتع بها ترامب هي تحويل من يقومون بمقاضاته إلى متهمين، حيث يجب أن نتوقع حصول ذلك مجددا بحيث يستخدم ترامب حسابه على "تويتر" لتسليط الضوء على أي عضو في الحزب الديمقراطي لديه أكبر نقاط الضعف السياسية.

إن ما ذكرته أعلاه لا يعتبر معقداً، إذاً لماذا قررت شخصية سياسية حذرة مثل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أن تستسلم لضغوط أعضاء المجلس الآخرين من أجل المضي قدما في موضوع الإقالة، على الرغم من مماطلتها الواضحة- على سبيل المثال من خلال رفضها إجراء تصويت في مجلس النواب على تفويض إجراءات الإقالة؟ الجواب ينبع من المنطق الأساسي للكونغرس في حقبة الاستقطاب.

فالكونغرس كيان جماعي وأعضاؤه يدينون بالفضل للناخبين في مناطق أو ولايات محددة عوضا عن البلد بشكل عام، فديمقراطيو مجلس النواب من مناطق أكثر ليبرالية، يخشون من تعرضهم للهزيمة في الانتخابات التمهيدية من قبل متحدين أكثر عداء لترامب، والطريقة الوحيدة لمواجهة مثل تلك التحديات هي دعم الإقالة، وفي حين ينضم المزيد من الديمقراطيين لذلك التوجه فإن الديمقراطيين الأكثر اعتدالا ينضمون كذلك لتجنب أن يظهروا كمدافعين عن سوء سلوك ترامب.

ومن المفترض أن مارك توين قد قال مازحا إن "التاريخ قد لا يعيد نفسه لكنه يتشابه كثيراً"، ولكن في هذه الحالة فإن التكرار يبدو أنه الكلمة الصحيحة، فالمنطق السياسي الذي كان الجمهوريون عالقين فيه سنة 1998 سيؤثر بالطريقة نفسها في الديمقراطيين سنة 2019.

* إيريك بوسنر

* أستاذ القانون في كلية الحقوق في جامعة شيكاغو.

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top