معجزة السودان

نشر في 25-09-2019
آخر تحديث 25-09-2019 | 00:09
فاجأت ثورة السودان الأخيرة العرب والعالم، وأذهلتهما بنهجها وصبرها وإصرارها على تحقيق أهدافها كاملة بأقل الخسائر، وهناك دور أساسي يتحمله السودانيون وكذلك العرب، وهو أن الأخطار الداخلية والخارجية لن تهدأ للنيل من الثورة، ولكن وعي قيادة هذه المسيرة كفيل بأن تبقى هذه المعجزة نقية.
 د. عبدالمالك خلف التميمي السودان هذا البلد العربي الإفريقي يمكن أن يكون سلة غذاء الوطن العربي، ويحقق الأمن الغذائي للعرب، لقد مّر هذا البلد بطغيان العسكر، وأخيراً أدرك العسكر أهمية دور القوى الشعبية وقدرتها على التغيير، فكان خير عون للتغيير، وأثبت لأول مرة أنه مع أماني الشعب ومطالبه، وكانت ثورة السودان الأخيرة سلمية حققت أهدافها، ونسأل الله أن يحميها من أعدائها.

وهناك دور لقوى التغيير داخل السودان، ودور عربي للاستثمار فيه وإنقاذ اقتصاده، لكن هل الذي حدث في السودان معجزة؟ نعم فقد كانت آخر الثورات العربية التي فشلت في معظمها، ولكن ثورة السودان نجحت مستفيدة من تجارب الثورات العربية، ومن تجارب الانقلابات في السودان لأكثر من نصف قرن.

كنا نتابع ثورة السودان أولاً بأول، واتضح لنا الكثير عن هذا الشعب الطيب والمثقف، لقد صبر السودانيون طويلاً، ولكن ثورتهم العقلانية بدأت مسيرتها في الطريق الصحيح، المهم أنها ثورة مدنية ديمقراطية ستواجه صعاباً، لكنها بدأت على أسس سليمة وشفافية ووضوح، وفيها من الدروس التي يمكن الاستفادة منها، ويمكن أن تكون تجربة رائدة، فالسودان بلد مهم يقع في وادي النيل وعلى البحر الأحمر، ويمتد إلى العمق الإفريقي، وهو بلد إثني التكوين، وذو موارد طبيعية مهمة، وموقعه استراتيجي.

لقد فاجأت ثورة السودان الأخيرة العرب والعالم، وأذهلته بنهجها وصبرها وإصرارها على تحقيق أهدافها كاملة بأقل الخسائر، وهناك دور أساسي يتحمله السودانيون وكذلك العرب، ووهو أن الأخطار الداخلية والخارجية لن تهدأ للنيل من الثورة، ولكن وعي قيادة هذه المسيرة كفيل بأن تبقى هذه المعجزة نقية، وتكون نموذجاً لنهضة حقيقية، ولكن عليها الحذر من مؤامرات جماعات الإسلام السياسي في الداخل، ومن إسرائيل في الخارج، فهاتان القوتان سبب نكسات وتراجع العرب، وفشل تجاربهم، والسودان بقياداته الجديدة يدرك ذلك، وهناك دور للسودانيين في الخارج لنصرة ثورتهم، فالمستقبل واعدٌ إذا سارت الثورة على نهجها المدني الديمقراطي.

لقد كان للمرأة دور في الثورة السودانية الأخيرة، وخرجت مع جموع الشعب لتواجه الطغيان في الوقت الذي قمعها وهمّش دورها حكم الطغاة المتحالف مع جماعات الإسلام السياسي، وتصل المرأة السودانية إلى مراكز قيادية في قوى الثورة، وفي إدارة الدولة بوضعها الجديد.

قد يعتقد البعض أن الثورة السودانية الأخيرة ضمن مسلسل "ثورات الربيع العربي"، لكن هذا غير صحيح، فهي خلاصة تجارب داخلية وعربية، وضعت الحد لحكم العسكر، لا بل كسبته نصراً لمسيرتها من جهة، وبدأت مسيرة ديمقراطية، والديمقراطية ممارسة تبني نفسها بنفسها طوال الحياة، والسودان بمقوماته- الموقع والسكان والموارد واليوم توافرت الإرادة- قادر على صناعة المعجزة، وأن يكون نموذجاً سودانيا وعربياً، وكذلك للعالم الثالث.

لا يزال كثيرون لم يدركوا عمق ما حدث في السودان وأهميته، المهم أن تكون البداية سليمة وصحيحة للبناء عليها، فيا أيها السودانيون ليس لدينا غير التهنئة بالمتغيرات والتحولات في السودان الشقيق، وعليكم بناء الوقائع لنهضة السودان، ونحن متفائلون وفخورون بمعجزتكم لتضاف إلى التجربة الديمقراطية التونسية.

back to top