الخليج والكتابة التاريخية

نشر في 27-08-2019
آخر تحديث 27-08-2019 | 00:05
 حمود الشايجي (1)

يعتقد البعض أن لجوء الكاتب الخليجي إلى الكتابة عن مرحلة ما قبل النفط ومرحلة ما قبل الدولة الحديثة، مجرد حنين للماضي، وأنا أعتقد أن هذه النظرة قاصرة، بل قاصرة جداً، لأن الكتابة عن تلك المرحلة لها أسباب عدة أكبر من مجرد الحنين، ومن أهم هذه الأسباب ما يتعلق بكشف تاريخ هذه المنطقة لمن يجهله، فنحن كدول يعتقد البعض أننا دول طارئة على التاريخ، دول خدمتنا الثروة النفطية أكثر من تاريخنا، لكن لو تأملوا جيداً لعرفوا أن أجدادنا بنوا دولنا بتعب وجهد يصعب تخيله.

ومن الأسباب المهمة أيضاً للكتابة التاريخية بشكل أدبي أو بشكل توثيقي، هي مراجعة تاريخ المنطقة مراجعة موضوعية، فالكتابة عن تاريخنا عليها أن تكون موضوعية وشفافة، فلا نغفل فيها حلو التاريخ ولا حتى مُره، فالمراجعة يجب أن تكون للإنجازات والإخفاقات، وهذا ما سيسهم ببناء دولنا الحديثة بناءً قوياً ومتيناً، وهو ما سيتماشى مع الرؤى المستقبلية التي وضعتها دول مجلس التعاون مثل «2030 و2035»، وهذه الرؤى لا تكتمل إلا بمراجعة الماضي مراجعة موضوعية، للانطلاق إلى المستقبل بأسس وثقة بالنفس أكبر.

(2)

​يعتقد البعض أيضاً أن الكتابة في تاريخ منطقة الخليج كتابة سهلة، لكنهم يجهلون أن هذا النوع من الكتابة؛ إن كانت أدبية أو تاريخية صرفة، تقوم على المصاعب، مصاعب في الجهد البحثي، وهذا أمر هين لو تمت مقارنته مع المجهود في خلق «التوازنات الكتابية للتاريخ»، ربما يكون هذا المصطلح غير مفهوم، لذلك سوف أقوم بتبسيطه: نحن مع الأسف نعتقد أننا ملائكة ولسنا بشراً، فغالباً نريد أن تكون لأجدادنا صور مشرقة وبهية، نستطيع أن نتفاخر بها أمام الآخر، وربما يكن لأجدادنا هذا الشرف وهذه القيمة التاريخية وربما أكثر، لكن الأجداد ليسوا ملائكة، لهم أخطاؤهم ولهم ميزاتهم، فضلا عن أن بعض القيم والمفاهيم متغيرة، فما كانت تتماشى مع ذلك العصر لا تتماشى مع قيم ومفاهيم عصرنا الحالي، مثل: العبودية، الغزو، التهريب... وغيرها.

ستلاحظ أن تلك المفاهيم كان ينظر لها بعز، وأنها رمز من رموز القوة، أما الآن فينظر لها بمنظور مختلف يُخجل منه. لكن هل علينا ككتاب نشتغل في الكتابة الأدبية التاريخية أن نقوم بمحو أي قيمة تبدلت في التاريخ إلى قيمة توافق الرؤية الحالية؟ (مع الأسف هذا هو المطلوب)، لذلك من أصعب ما يواجه الكاتب في التاريخ، إن كان يكتب في الأدب أو في البحث التاريخي، ما يطلب منه من تنازلات رقابية واجتماعية، لكي يقوم بما يسمى بالتوازنات الكتابية للتاريخ.

(3)

​لا أعتقد أن تنقية التاريخ من الشوائب التي نعتقد أنها شوائب هي تزوير للتاريخ، بل خيانة لأجدادنا بالدرجة الأولى، ولأنفسنا بالدرجة الثانية، لأن من واجبنا أن نحترم أجدادنا والمرحلة التاريخية التي عاشوا بها بمفاهيمهم المختلفة، حتى لو كانت هذه المفاهيم مختلفة عمَّا نؤمن به، وعلينا أن ننظر إلى التاريخ على أنه خط في الزمن انتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى، وهذا الانتقال تم على أحسن وجه، فالتاريخ المنتهي هو أجمل صورة للتاريخ الذي تم، وأفضل نقطة انطلاق للتاريخ القادم.

back to top