بركان

نشر في 23-08-2019
آخر تحديث 23-08-2019 | 00:09
 دانة الراشد نزيل القبح، أو ما نراه قبيحاً، من حياتنا قسراً، فتغدو حياتنا بلاستيكية زائفة، نقمع الغضب والحزن في جوفنا كالبركان، فنحترق ونتآكل من الداخل، نُسكت أفواهنا من باب التواضع الزائف، فتُبتر أجنحتنا وتتسرب «الأنا» في أقبح صورة، نتجاهل مشاعرنا فنكومها تحت سجادٍ قديم، أو نغرقها بالعمل أو الشره في الطعام، أو الاستسلام لشاشة الهاتف ساعات طويلة، كم نحن جبناء! لا نتقن شيئاً سوى الهرب من ذواتنا وتجاهل الألم.

هذا المجتمع الإنساني الحديث يحبس كل الدوافع البشرية التي يراها غير مناسبة في قبو الإنكار المظلم، قد تمر السنوات وتلك الدوافع حبيسة القمع والإنكار، لكن تلك المشاعر البشرية لا تلبث أن تنبثق مجدداً إلى السطح، وما أعنف فيضانها عندما تبرز بعد كل ذلك الكتمان! في تلك الأوقات يصبح التحكم في النفس صعباً جداً وتكون تلك المشاعر الجامحة قادرة على تدمير الشيء الكثير من حياتنا وعلاقاتنا.

هنالك أوقات تفشل فيها الدبلوماسية في إيقاف سيل الدموع، طوفان المشاعر ذاك الذي احتبس دهراً، ففاض أمام قسوة «التمدن» والعلاقات التعاقدية التي حلت محل العلاقات التراحمية. علاقات استهلاكية مؤقتة لا يتعدى تاريخ صلاحيتها بضعة أشهر، أصبحت هي النمط المعتاد في زمننا الحديث، وشملت الصداقات وعلاقات العمل والأحباب تحت ظلها القاتم بعد أن كان الأصل في العلاقات الوفاء والإحسان، ظلت الدموع بلا مجيب في زمن «الفردانية» المفرطة التي تخال العدالة مزيداً من الحقوق والامتيازات دون تحمل أي نوع من المسؤولية تجاه من حولها.

اصنع قنوات لمياهك، وليتحول قبحك جمالاً، عالج نفسك بنفسك، ولا تنتظر ممن جرحك أن يطبب قلبك، اكتب عن همومك فلا يوجد أحن من حضن الورق، سر قدماً في حياتك عن طريق خوض تجارب جديدة والقيام بالأنشطة المحببة إلى قلبك. لا سبيل إلى التشافي أفضل من النشاط الإبداعي، ذاك الذي اختزلناه فأسميناه مجرد «هواية» فحسب لقتل وقت الفراغ. هو أكبر من ذلك بكثير، فالمبدعون هم العظماء الذين صنعوا ومازالوا يصنعون التاريخ، عبِّر عن استيائك برُقي، وكن ليناً في مواجهاتك، احرص على بناء شبكة داعمة من الأصدقاء والعائلة والأحباب، فهم من سيساعدك على النهوض من جديد في وقت الشدة، حتى وإن لم تناقش ما يؤذيك معهم بشكل مباشر.

لابد من التعامل الناضج مع المشاعر وتطوير ذكائنا العاطفي كي نفهم أنفسنا ونتواصل بعمق مع من حولنا، بدلاً من تكديس الأسى على مدى سنوات عديدة، فلنكن سبباً في إرجاع قيم التراحم والمودة إلى العلاقات بدلاً من الاستسلام لواقعها الحالي.

• «لا يؤذي الإنسان أكثر من كبت المشاعر السلبية طويلاً»... سيغموند فرويد

back to top