تداعيات الأزمة الأفغانية وتوقعات المستقبل القريب

نشر في 16-08-2019
آخر تحديث 16-08-2019 | 00:00
القوات الأميركية في أفغانستان
القوات الأميركية في أفغانستان
مما لا شك فيه أن الحرب المستعرة والمتواصلة في أفغانستان هي أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها مع ما يشتمل عليه ذلك من تداعيات ونتائج مجهولة، ولكن التطورات الواقعية تشير الى أن الوقت قد حان من أجل مواجهة حقائق هذه الحرب الطويلة المضنية.

وعلى أي حال لا بد من التذكير بأن أفضل القادة العسكريين الأميركيين في يومنا هذا قد حاولوا طوال فترة امتدت حوالي 18 سنة تصحيح الوضع في أفغانستان والتوصل الى حل ينهي مأساة ذلك البلد بصورة نهائية ودائمة. وفي هذا السياق يقال ان اللافت هو أن قوات الولايات المتحدة عملت مع الحلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بصورة سليمة ونزيهة ومن دون أي مأخذ يسجل عليها، وفي غضون ذلك سمعنا مراراً وتكراراً خلال تلك الفترة الزمنية السالفة الذكر أن الأشهر الستة المقبلة من هذه الحرب سوف تنطوي على أهمية كبيرة في مسار وضع حد لها.

لقد اتخذت الحرب في أفغانستان منذ زمن طويل صورة ما يوصف بأنه نزاع يقسم على فترات من ستة أشهر للفترة الواحدة وتأكد ذلك طوال 18 سنة من عمر تلك الحرب عبر زيادات وتراجعات متعددة في عدد القوات التكتيكية التي كانت – كما يقال – صغيرة جداً وبما يكفي لكسب الحرب في ذلك البلد ولكنها كانت كبيرة بحيث تخرج أفغانستان من المعادلة.

موقف ترامب

وعندما ترشح دونالد ترامب للرئاسة الأميركية انتقد وجهة النظر القائلة بوجوب قيام الولايات المتحدة بربط نشر المزيد من قواتها مع جداول زمنية كيفية، وعلى أي حال وبدلاً من ذلك أوضح وجهة نظره التي ركزت على أن طول فترة نشرالقوات الأميركية يجب أن يرتبط بما وصفه بمعالم الانجازات التكتيكية والعملياتية واالاستراتيجية كلها.

والمؤسف أنه بعد مرور أكثر من عامين لم يتغير الكثير في هذا الصدد وقد أصبح عدم التغيير أكثر وضوحاً عندما يسافر المرء جواً من اسلام آباد الى كابل أو باغرام، كما أن ضخامة المنطقة القبلية بين أفغانستان وباكستان تصبح واضحة للعيان.

وتظل حركة طالبان قوة ثورية محتملة قادرة على عرض القوة في تلك المنطقة وانهاك الجيش الأفغاني الذي يزداد ضعفاً بمرور الزمن. وقد تفوقت أفغانستان على سورية في تصنيف الدولة الأكثر عنفاً في العالم، وهو ما يبرز فشل أسلوبنا الراهن في السياسة الخارجية.

وإضافة الى ذلك فإن المجتمع الأفغاني في الوقت الراهن مقسم بصورة عميقة كما أن الحكومة الأفغانية تتسم بالضعف والفساد والتمزق بحيث تعجز عن فرض سيطرتها على كامل البلاد. وقوات الأمن الأفغانية لا تملك القدرة المستقلة والعدد والموارد اللازمة لدحر تمرد داخلي. ومادامت حركة طالبان تتمتع بملاذ آمن في خط ديوراند في باكستان المجاورة فلن تتمكن حكومة كابل من السيطرة على العنف في البلاد، وسواء أحببنا ذلك أو لا، فإن حركة طالبان جزء متمم للمجتمع الأفغاني لا تستطيع الولايات المتحدة تجاهله.

رفض «طالبان» للمفاوضات

ويبدو من الواضح أن السفير الأميركي في كابل زالماي خليل زاد يفهم هذا الواقع بصورة تامة، ولكن لسوء الحظ وعلى الرغم من المفاوضات المكثفة والطويلة التي جرت في الأشهر الثمانية الماضية فإنه من غير المؤكد الى حد كبير أن تكون حركة طالبان في حاجة الى تسوية من خلال التفاوض أو أنها تريد تلك الحصيلة في الأساس، واضافة الى ذلك فإن هذه الحركة تسيطر على مساحة من الأرض كما كانت دائماً وهي مستمرة في الاستفادة من تجارة الأفيون التي لم تتمكن حكومة كابل من معالجتها وليس في الأفق ما يبشر بذلك في وقت قريب.

ويزداد التبرير من أجل احتفاظ الولايات المتحدة بقوات عسكرية كبيرة ومؤثرة في أفغانستان في الوقت الراهن من منطلق الفكرة القائلة بأن على الادارة الأميركية تفادي اظهار الافتقار الى الارادة والتصميم خلال فترة المفاوضات. وهذه وجهة نظر منطقية ومعقولة الى حد كبير ولكنها مرتبطة في الوقت ذاته أيضاً بالاعتقاد بأن التسوية السياسية سوف تحترم وتطبق من جانب المتفاوضين.

حرب بلا نهاية

ويضاف الى ذلك أن البعض يستمر في الظن بأن الولايات المتحدة في حاجة الى الاحتفاظ بعدد كبير من القوات العسكرية في أفغانستان وذلك من أجل ضمان أن أعمال أولئك الذين فقدناهم في تلك الحرب لم تذهب هدراً أو من دون جدوى. وهذه أيضاً وجهة نظر يمكن فهمها تماماً وهي تبرز وطنية واحترام جنودنا الذين ضحوا بأرواحهم. وعلى أي حال، فإن ذلك اعتقاد سوف يفضي الى حرب لا نهاية لها والى جيل آخر من عائلات «غولد ستار». ثم إن الشريحة التي عاشت تلك التجربة من المواطنين الأميركيين لا ترغب في حدوثها من جديد.

والحاجة الى حماية وصيانة مصالحنا في ذلك الجزء من العالم لا جدال حولها على الاطلاق، كما أن القيادة المركزية في القوات المسلحة الأميركية تملك من دون شك كمية كبيرة جداً من الدراسات التي تلخص العمليات الخاصة والأنشطة الاستخباراتية وعمليات الرصد والمتابعة والأصول اللازمة للتدريب وانجاز تلك الأعمال بالشكل الصحيح تماماً.

وسوف يستمر هذا الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان سنوات عديدة ولكن يتعين في الوقت الراهن خفض عدد الجنود التقليديين البالغ 14 ألفأ بمن فيهم الكثير من المدربين والمستشارين – ويتعين أن ينخفض هذا العدد الى مستوى يتناسب مع هدف الولايات المتحدة الأساسي في ذلك البلد والمحدد بمكافحة الارهاب وضمان عجز المجموعات الارهابية عن استخدام أفغانستان من أجل الهجوم على المواطنين الأميركيين في المقام الأول. ومن شأن هذا أن يسمح لذلك البلد بتحقيق توازن حتى مع تركيزنا على أكثر مصالحنا القومية أهمية والتي تتمثل في حماية أرض الوطن.

في غضون ذلك من المسلم به أن هذا الأسلوب سوف يسفر على الأرجح عن فقدان أجزاء من الأرض وذلك الى أن تتمكن قوات الأمن الأفغانية من ملء الفراغ الناجم عن رحيل الأميركيين. وليكن ذلك فهو الشكل الطبيعي للتوازن كما أن الاجراء الصحيح والسليم هنا للتقدير ليس موجوداً في منطقة محتلة أو في أوساط سكان يخضعون للرقابة بل في قدرة القوات الأميركية للعمليات الخاصة والوكالات الحكومية الاخرى مثل وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي ايه) على العمل بحرية كافية في شتى أنحاء أفغانستان من أجل ضمان تحديد ومنع أي هجمات يمكن أن تستهدف الرعايا الأميركيين. وفي غضون ذلك يمكن القول إن الأهداف الأخرى نبيلة المقصد، ولكن الوقت حان لتركها للجيش والشعب في أفغانستان لتحقيقها.

وعندما تعرض الأميركيون للهجوم في 11 – 9 دافعنا عن أنفسنا كما كنا نفعل دائماً بشرف وخدمة وتضحية بأفضل وألمع رجالنا، ويتعين علينا الآن أن نسمح لأفغانستان بتحقيق تسوية شريطة ألا يسمح ذلك بحدوث تهديد من أفغانستان قد يتطلب تضحية مماثلة.

back to top