تفاؤل الكتابة العربية

نشر في 14-08-2019
آخر تحديث 14-08-2019 | 00:01
 طالب الرفاعي أذكر أنني كنت والزميل العزيز الروائي إبراهيم نصرالله، في محاضرة ضمن أنشطة معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الماضية 2018، وقبل نهاية المحاضرة تقدمت سيدة بسؤالها قائلة:

"هذا سؤال لكلا المحاضرين: لماذا الكاتب العربي متشائم فيما يكتب؟ ولماذا ليست هناك كتابات روائية أو قصصية عربية متفائلة؟"

نظرت للصديق إبراهيم، كي ينبري للإجابة، لكنه ضحك قائلاً: "لك أن تردّ أولاً".

وبدوري قلت للسيدة: "سأرد على الشق الأول من السؤال، وأترك إجابة الشق الثاني لصديقي إبراهيم".

في ذلك المساء، اتفقنا -إبراهيم وأنا- في إجابتنا عن سؤال السيدة، بأن الواقع العربي يفرض نفسه على الكاتب بقضاياه وهمومه ومتغيراته المتلاحقة.

وفي الأسبوع الماضي، تكررت الملاحظة نفسها من قِبل سيدة فاضلة كاتبة ورائدة في محتوى ريادة الأعمال في الكويت والمنطقة العربية؛ قالت بنبرة تجمع بين الجد وشيء من المزاح: "لغتك جميلة، لكن تغلب على كتاباتك الإشارة لمواضيع شائكة ومؤلمة".

بدت الملاحظة لي وكأنها تشير إلى كتاباتي بقدر ما تمسُّ شيئاً من قناعاتي الحياتية، في كل ما أنشر من كتابات إبداعية في القصة القصيرة والرواية وكذلك المقال الصحافي. ولزميلتنا وعدد من القراء الكرام أقول:

أولاً: الكاتب العربي شجرة مزروعة في أرض بلده، وهو إلى جانب ذلك جزء من غابة خضراء ومعرشة عنوانها العريض "الوطن العربي"، وربما أنا وأبناء جيلي، عشنا حلماً جميلاً بوطن عربي واحد، وأمة عربية واحدة، وإنني أنتمي إلى وطني الكويت بالقدر الذي أنتمي فيه لوطني الأكبر وأمتي العربية. ولذا فإن كتاباتي تنطق بما أعيشه في بيتي ووطني الكويت، وهي في القلب مما يعيش أبناء وطني العربي الكبير. ولأن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والفكري والثقافي العربي، أقل ما يمكن أن يُقال عنه أنه واقع مؤلم ومعقّد، بمشاكله واختلافاته التي تصل لحد الحرب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد، فإنه والحال هذه، يبدو مستبعداً أن أحلق خارج سرب أوطاني، وأن أكتب غير ما أعيش، فكل إناء بما فيه ينضح.

ثانياً: أكتب ومثلي الكثير من زملائي الكتّاب العرب، مؤمنين بأهمية الكتابة كفعل إنساني، وكمحفّز للوعي البشري، وبالتالي نتخذ من الكتابة جسر وصلٍ مع القارئ العربي أينما كان، ونتخذ منها بوابة نقاش واسع وتبادل للأفكار. ومؤكد أن بوابة كهذه لا تنكشف إلا على أوضاع الإنسان العربي القائمة، وعلاقاته بما يحيط به

محلياً وعربياً وعالمياً، إضافة إلى آماله العراض في القادم من الأيام.

ثالثاً: أعتقد أنني ومثلي كثير من الكتّاب العرب، صرنا نكتب لأن الكتابة وحدها تمنحنا القدرة على مواجهة الواقع، وتمنحنا القدرة من جهة ثانية لعيش اللحظة الراهنة، وهي لحظة عالمية بامتياز، لحظة صار من المستحيل فصل المحلي عن العالمي، وصار من المستحيل أن تكتب دون أن تتأثر بما يُسرع متغيراً في كل لحظة.

رابعاً: الكتابة اختيار؛ اختيار في الفعل، واختيار في اللغة، واختيار في الموضوع، واختيار في التناول. وهذه الاختيارات تظهر في بداية مشوار أي كاتب بوصفها لحظية متغيرة، لكنها ما تلبث أن تصبغ وعيه وتفكيره وقناعاته وقلمه وخطوه، وما تلبث أن تكون ثوبه الذي يُعرف به، وبصمته المميزة.

خامساً: إن وقوفاً متمهلاً أمام مختلف الأجناس الأدبية؛ قصة وشعر ومسرح ورواية، وعلى امتداد أقطار الوطن العربي، يظهر بجلاء ندرة وجود كاتب عربي ساخر. وأقصد هنا السخرية بمعناها الإنساني النبيل والرفيع. السخرية التي تُضحكنا بقدر ما تُبكينا. السخرية البعيدة عن الإسفاف والتهريج. وهذا لا لشيء إلا لصعوبة هذا النوع من الكتابة.

أيتها السائلة الطيبة، أكرر قولي إنني وزملائي نعيش أوطاننا ونكتبها بخفق قلوبنا.

back to top