مخلص البرازيل المنتظر!

نشر في 30-07-2019
آخر تحديث 30-07-2019 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم ما من عقيدة من العقائد إلا وتنتظر ذلك المخلص، الذي سينقذها من الظلم والجور والطغيان، ولا أحد يعلم متى يظهر هذا المخلص على وجه التحديد. وحكايتنا اليوم تعطي مثلاً واحداً وقعت أحداثه في البرازيل عام 1839 حينما ظهرت شابة برازيلية وهي تصرخ في الناس البسطاء ممن يطحنهم الفقر والجهل والتخلف:

- أيها الناس، المخلص يقول لكم: "الدم هو سبيل الخلاص. اغسلوا صخرتي بالدم الآدمي الساخن كي أتمكَّن من تحطيم قيودي".

***

• وكانت تلك الصيحة الدموية للخادمة الشابة سنيا أشعلت منطقة كانودوس في الشمال الشرقي من البرازيل، ممتدة حتى عام 1995 في سلسلة مروعة من الثورات التي تحمل شعار "بالدم البشري... اغسلوا صخرة المخلص، كي يخرج إلينا من جوفها المخلص دون سباستيان إلى العالم ويعم الأمن والسلام والرخاء".

***

• ومع اشتداد الفقر المدقع والجهل المعشوشب في أذهان البسطاء تشتعل الصيحات المجنونة، لتلهب حماس قلوب الأهالي الذين اعتادوا على الاستسلام لمثل هذه الخرافات التي يروِّجها القساوسة والرهبان في الكنائس، فأريقت على الصخرة دماء الآلاف من الضحايا الأبرياء، وأكثرهم من الأطفال.

ويتصيَّد أهالي منطقة السيرتو - موطن الشابة سنيا – الصغار، ويكمنون في الغابات؛ ليلاً ونهاراً، لاقتناص الضحايا الأبرياء، ويحملونهم إلى الصخرة، ويقدمونهم قرابين إلى دون سباستيان. ولم يقتصر هذا النشاط المرعب على منطقتي سيرتو وكانودوس، بل امتد إلى المناطق المجاورة لهما.

***

• ولما حاولت الحكومة المركزية في البرازيل التدخل، لإيقاف هذه الأعمال الإجرامية، شكَّلت الشابة سنيا ميليشيات فدائية أسمتها "ميليشيات دون سباستيان"، وأعلنت من نفسها مستشارة للمخلص الذي سوف يظهر عما قريب، ليحل السلام والعدل في العالم.

• ويستمر الاضطراب والتوتر في منطقة كانودوس حتى عام 1898، حيث كثرت الانقلابات في البرازيل، مما أدى إلى مذابح في أوساط الحكومات المتعاقبة. لكن قضية الدم الذي يجب أن يُراق على الصخرة، من أجل ظهور دون سباستيان، أخذ أكثر من سنيا يتوارث القيام بها، حتى وصل عددهم إلى إحدى عشرة سنيا.

***

• ثم توقف ظهور المطالبات بضحايا الدم من الفتيات، فظهر هذه المرة أنطونيو كونسليرو، الذي أخذ ينادي:

- اتبعوني أيها الناس، لنخلص دون سباستيان من سجنه في صخرة بدرابونيتا... اتبعوني، أنا تلميذ المخلص والناطق باسمه... اتبعوني... اتبعوني.

• إن الذين أرَّخوا لحياة أنطونيو كونسليرو، يقولون:

"هو مجرَّد عامل في مصنع الملح، لكنه كان يقرأ الكثير عن اللاهوت ويعتكف طول الليل، ليدرس ما دوَّنه القساوسة والكاثوليك عن أسطورة دون سباستيان واختفائه بمراكش في إحدى المعارك مع المسلمين". ثم تستمر هذه الأسطورة، لتصل إلى البرازيل بطريقة إعجازية صدقها البسطاء والفقراء والجُهال، ولايزال بعضهم يؤمن بهذه الخرافة.

back to top