خلق قادة رأي

نشر في 23-07-2019
آخر تحديث 23-07-2019 | 00:01
 حمود الشايجي اليوم بعدما باتت السُّلطات، بأشكالها، أكثر فهماً لتحديات وسائل التواصل الاجتماعي ولسيكولوجية حركة الجماهير السريعة فيه، بدأت تُشرك الشباب في السُّلطة أكثر، لتقاوم الحراك الجماهيري الذي تغلِبُ عليه الجماهير الشابة.

فسرعة نقل المعلومات أو ابتكارها أخلَّ بتوازن السُّلطات التقليدية، وما تنازلها وإشراكها للشباب إلا لإنقاذها، لعدم قدرتها على التعامل السريع وغير التقليدي مع المعلومات والأخبار، أو حتى ابتكارها، لذلك قامت بجلب أو تعيين وزراء ومسؤولين في السُّلطة من فئة الشباب، ليس لكفاءتهم أو خبرتهم، بل لاستطاعة هذه الفئة من الشباب التعامل مع الموجات وردات الفعل السريعة، التي غالباً لا يقدر عليها المسؤول التقليدي.

وقد أصبحت الدول تتباهى بما يُسمى "الأصغر"، فنجد مَن يتباهى بأصغر وزير، أو أصغر نائب في البرلمان، أو حتى أصغر رئيس برلمان، أو أصغر رئيس حكومة، وأصغر رئيس شركة، وأصغر إمام مسجد، وكأن هذا الصغر صفة حميدة بحد ذاتها، فتم الترويج للدول بدعمها لشبابها وإشراكهم في السُّلطة، لكن الأمر ليس بهذا الشكل كما يُرَوج له فحسب، فهؤلاء الشباب لم يفتح لهم الباب للمشاركة في السُّلطة بأشكالها إلا لقدرتهم على صد التيار الجارف الذي يهدد السُّلطات والحكومات.

وللتأكيد على ذلك نستطيع أن نبحث عن أي مسؤول أردنا، وسنجد لديه منصته في "تويتر" أو "فيسبوك" ليتواصل بها مع الجماهير بشكل مباشر، وبشكل غير تقليدي يغلب عليه الخلط بين الحميمية والتصريحات الرسمية.

ولم تكتفِ السُّلطات بذلك، بل بدأت بتأسيس قادة رأي غير تقليديين ليس لهم أي موهبة غير قدرتهم على التواصل مع الجماهير، واستطاعتهم استثارة هذه الجماهير بشتى الطرق، ويغلب على هذه الفئة:

(1) السطحية في الطرح، وتداول الفكر السائد الذي تحبه الجماهير وتتداوله، من إشاعات وأخبار لا دليل لها.

(2) تكرار الأخبار والمعلومات، لكي ترقى إلى مستوى الحقيقة من دون أي دليل؛ لترسخ هذه الأخبار والمعلومات في اللاوعي، ومن ثم تتحول مع مرور الوقت إلى إيمان خالص يصعب زعزعته.

(3) خلق حالة من العدوى في نقل الأفكار والمعتقدات والعواطف والانفعالات، وهذا يتم عن طريق قوة الجماهير وكمها، فعندما يرى أن عدداً كبيراً من الناس يؤمنون بشيء ما، فإنه يصعب لأي فرد اختراق هذا المعتقد أو هذه العواطف أو الأفكار، حتى لو كانت غير صحيحة.

(4) القدرة على التنفيس عن الجماهير وإلهائها.

وفي هذا التحرك الاستراتيجي الذي قامت به السُّلطات بأشكالها، وباستيعابها للحراك الجماهيري وسيكولوجيته، استطاعت ترسيخ مفهوم الجماهيرية في وسائل التواصل الاجتماعي على مفهوم الفرد، فصار الفرد، رغم امتلاكه الأدوات نفسها التي يمتلكها الفرد الآخر، فإنهما لا يتساويان في التأثير، لأن الكم هنا الذي يحكم لا الكيف.

السؤال هنا: هل تعتبر هذه قاعدة؟

(يتبع الأسبوع المقبل).

back to top