الأديب الأردني قاسم توفيق لـ الجريدة•: الرواية والقصة والقصيدة تسقط إذا كانت نتاج مناسبة

حصد جائزة «كتارا» عن روايته «نزف الطائر الصغير» لعام 2018

نشر في 17-06-2019
آخر تحديث 17-06-2019 | 00:15
يشعر القارئ لروايات الأديب الأردني المعروف قاسم توفيق، بقدرته الفائقة على التغلغل في أغوار النفس الإنسانية، إذ يبدو، حسبما يقول في هذا الحوار الذي أجرته معه «الجريدة»، أن قضية الوجود هي الهاجس الرئيس لمشروعه الروائي، لذا يؤكد الأديب الذي حصد جائزة «كتارا» لعام 2018، أنه يكتب لأجل أن يكشف عن معنى وجوده وإنسانيته، مشدداً على أن الرواية والقصة والقصيدة تسقط إذا كانت نتاج مناسبة ما .. وإلى نص الحوار:

• منذ فوزك بجائزة كتارا عن روايتك «نزف الطائر الصغير» ثم إصدارك رواية «ميرا»، ماذا في جعبتك؟

- للإجابة عن سؤالك يجب أن أوضح الآلية التي أكتب بها. اعتدت منذ البدايات أن أكتب الرواية بعد أن تكون قد تشكلت فيّ، ومن لحظة أن أضع عنوانها الذي لم يسبق لي أن غيّرته فهو أول ما أفتتح فيه الكتابة، ويظل ثابثاً إلى أن تصدر الرواية.

للأمانة بدلت اسم رواية واحدة، وهي «نزف الطائر الصغير» لأسباب خارجة عن إرادتي. بعد أن أنتهي من كتابة الرواية أهجرها لفترة من الزمن تزيد أحيانا على السنة، لنقل حتى لا أتذكر منها سوى الفكرة. عندها أعود إلى قراءتها وكتابتها كقارئ لا كمؤلف. الآن أستطيع أن أجيبك عن سؤالك بأن مشروعي الجاهز للنشر رواية بعنوان «ليلة واحدة تكفي»، التي انتهيت منها منذ وقت قريب، وهي تحكي عن مصادفة تجمع بين رجل وامرأة ليلة الخامس من يونيو عام 1967، من القرن الماضي، وتدور أحداثها في تلك الليلة فقط.

• إلى أي مدى قصدت أن تحمل «نزف الطائر الصغير» بُعداً فلسفياً في رحلة بحث بطلها الشاب عن وجوده؟

- إلى أقصى مدى يمكن أن تصله رؤية القارئ. إن مشروعي الروائي هاجسه الرئيس هو قضية الوجود. لقد عبرت بمخاض عسير خلال عقدين أو ثلاثة من عمري، حتى أستطعت أن أنجو من ذاتي الضيقة الهزيلة؛ الهوية والدين والثقافة، لأسبر غور إنسانيتي.

أحاول فيما أكتب أن أكشف عن معنى وجودي وإنسانيتي، ووجودي الجمعي وليس الذاتي.

قد تكون «نزف الطائر الصغير» الأكثر وضوحاً وانكشافاً، فقد فرض عليّ بطلها الشاب الصغير (زياد السعيد) أن أراقب الحياة بعينيه وبوعيه، وليس بوعيي أنا، من هنا جاء هذا الوضوح السهل، وإن كنتُ لا أُعقد من مفاهيمي تجاه الوجود في كل ما أكتبه.

• هل تتعمد معايشة أبطالك للواقع الذي نحياه في وطننا العربي؟

- لا يكون الفن دون أن يكون الواقع. إن مجموع الفنون الإنسانية نتاج الواقع، وكذلك تصنيفها وفصلها عن بعضها. أرى أن الخيال الذي صنع الفنون الأولى، والذي أنتج المدارس والمذاهب الأدبية، والذي حاكى الخرافة في الماضي، ويحاكي المستقبل بما يسمى الخيال العلمي، كل ذلك نتاج للواقع، وفهم الوجود فهما ماديا علميا يؤكد هذه الفكرة. من هنا لا يمكن أن أُوصِّل ما أريده من دون أن ألتقط شخوصي وأحداثي من واقعي، مع ضرورة أن أؤكد أنني أحاول قدر استطاعتي أن أبقي الجانب الإنساني الكوني حاضراً، فعندما أكتب عن «الداعشي» لا يكون غائباً عن تفكيري شخصية اليانكي الأميركي مع الهنود الحمر، ولا الكوكلوكس كلان وذبح الزنوج في أميركا، ولا سفربرلك، أو مذابح الأرمن، ولا دير ياسين وكفر قاسم وغزة، لأنني أرى فيها كلها ذات المعادلة.

• على مستوى الفكرة وتقنية الكتابة، كيف تُشيِّد بُنيان عملك الروائي بهذه الأناقة والرشاقة والروعة؟

- أنا أؤمن بأن ما تحبه كإنسان لا يمكن إلا أن يكون جميلاً. أنا لا أحب الكتابة وحسب، بل أحس بها كفعل بيولوجي في جسدي، مثل التنفس والأكل والعشق. قد يكون هذا هو السبب.

• ما أكثر ما يؤرقك حين تكون عاكفاً على كتابة عمل إبداعي جديد؟

- أرقي يأتي في بحثي عن الفكرة قبل أن أبدأ في الكتابة، وعندما أكتب يختفي الأرق، يصدف أني أقضي ساعات أو يوماً أو أكثر وأنا منكب على الكتابة دون انقطاع.

• متى تلهمك سيرتك الذاتية لتغزل منها مشهداً في قصة أو رواية؟

- عندما تكون الشخصية أو الحدث أكبر مما عشت. فما عشته غرائبي وسحري وقد لا يُصدق.

• ومتى ألح عليك هذا الذاتي فأطلقت له العنان في النص؟

- في روايتي المختلفة «فرودمال» التي تتحدث عن الفساد في مجتمعات رأس المال والبنوك التي عملت فيها أكثر من 30 سنة، وكانت هي العمل الوحيد لي الذي كتبت فيه عن ذاتي بوضوح.

• كونك قاصا أيضاً.. أيهما تراه أكثر بريقاً وقدرة على مجاراة الحال العربية الراهنة: القصة أم الرواية؟

- القصيدة، القصة والرواية تسقط إذا كانت مناسباتية.

لا أحب الكتابة وحسب، بل أحس بها كفعل بيولوجي في جسدي
back to top