مشكلة المعارضة الإيرانية في الخارج والدعم الأميركي لها

نشر في 31-05-2019
آخر تحديث 31-05-2019 | 00:00
إحدى تظاهرات مجاهدي خلق
إحدى تظاهرات مجاهدي خلق
على الرغم من أن هناك ما يبرّر رغبة الولايات المتحدة في حماية عناصرها وحلفائها ومصالحها من التهديدات الإيرانية المتصوَّرة والمتوقعة، فإن الأمر الذي سيكون أكثر إنتاجيةً واستراتيجيةً وأكثر شعبيةً في الولايات المتحدة وخارجها هو إيجاد السبل الكفيلة بتمكين المجتمع المدني في إيران وتشجيعه على إحداث تغيير سياسيّ حقيقيّ في البلاد.
تثير التوترات الأخيرة المتفاقمة بين الولايات المتحدة وإيران واحتمالات الحرب بينهما ارتياباً شديداً لدى الكونغرس الأميركي وحلفاء الولايات المتحدة، وحتى من قبل الرئيس ترامب نفسه، فعلى الرغم من أن هناك قطعاً ما يبرّر رغبة الولايات المتحدة في حماية عناصرها وحلفائها ومصالحها من التهديدات الإيرانية المتصوَّرة والمتوقعة، فإن الأمر الذي سيكون قطعاً أكثر إنتاجيةً واستراتيجيةً على المدى البعيد وأكثر شعبيةً في الولايات المتحدة وخارجها هو إيجاد السبل الكفيلة بتمكين المجتمع المدني في إيران وتشجيعه على إحداث تغيير سياسيّ حقيقيّ في البلاد.

ولطالما اعتبر كبار المسؤولين في إدارة ترامب وغيرهم من المعارضين للنظام الإيراني بأنّ بعض التنظيمات الإيرانية المعارضة المنتشرة خارج إيران هي منقذة للشعب الإيراني المضطهد، وللأسف، لا توفّر هذه التنظيمات سوى القليل من الأمل للمستقبل، فهي تفتقر إلى الزخم الفكري اللازم، وتعاني انقسامات سياسية حادة، وتفتقد للكفاءة التنظيمية على أرض الواقع مما لا يجعل منها تنظيماتٍ فعالة للغاية أو يعطي أملاً بإحداث أي تغيير جوهري عبرها.

بيد أن التنظيمات مثل «مجاهدي خلق» وأفراد العائلات الملكية الإيرانية الموجودين في المنفى يغذون أحلام إدارة ترامب الأكثر جموحاً في حملة «الضغط الأقصى» التي يمارسونها. ويُعتبر هؤلاء أطرافاً فاعلة رئيسة في سيناريو متفائل يقوم على التنحّي الكامل للنظام الحاكم، وإنهاء مساعي طهران للهيمنة الكاملة على المنطقة، وتحوّل إيران إلى نظام ديمقراطي علماني ليبرالي وحليفٍ للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

ويتوق المسؤولون الأميركيون بشدة إلى تأييد تصورّهم هذا، فمستشار الأمن القومي جون بولتون والمحامي الشخصي للرئيس الأميركي رودولف وجولياني هما من أشدّ الداعمين لحركة «مجاهدي خلق»، وقد سبق لهما أن ألقيا الخطابات في تجمّعاتهم، ففي إحدى فعاليات التنظيم في باريس في عام 2017 قال بولتون معلقاً: «ثمة معارضة ممكنة ضد حكم آيات الله، وترتكز هذه المعارضة حالياً في هذه الغرفة، ولن يتغير سلوك النظام ولا أهدافه، وبالتالي فإن الحل الوحيد هو تغيير النظام نفسه لأنه الطريق الأسلم للوصول الى الهدف المنشود والمطلوب».

ويعود الحنين أيضاً إلى «النظام القديم» للشاه محمد رضا بهلوي، ليس في صفوف الجالية الفارسية في العالم فحسب، بل داخل إيران أيضاً، وأحد الأمثلة اللافتة على ذلك هو الرسالة التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي الفارسية مطالبةً بعودة الشاه («عُد يا شاه!»)، مع الإشارة إلى أن إيقاع هذا الشعار مشابه لأشهَر شعارات الثورة الإسلامية: «الموت للشاه!».

وفي ظل هذه الأجواء، برز ابن الشاه رضا بهلوي البالغ من العمر 58 عاماً كالشخصية اللافتة للنظر في المعارضة الإيرانية في المنفى، فلم يكن بهلوي يتعدَّى الثامنة عشرة من عمره عندما أطاحت الثورة الإسلامية بنظام أسرته الملكي مما أدّى به إلى الفرار من البلاد، وهذا الشخص الذي يطلق على نفسه لقب «ولي عهد إيران» هو النقيض الطبيعي للنظام الراهن، ورمزٌ لما خسره الإيرانيون في ثورة عام 1979، وما يطمحون إليه في حكومة مثالية.

ولكن على الرغم من الجهود التي بذلها للاعتراف به على أنه «شخصيةً وطنية»، لم يُظهر بعدْ وريث العرش تحلّيه بأي من المهارات اللازمة لتنظيم معارضة، ناهيك عن قيادة دولة. فلم يفصح عن أيديولوجية مقنعة من شأنها أن توجّه أمة بعد سقوط الجمهورية الإسلامية، وقد فشل حتى الآن في ضم التنظيمات المعارِضة الأخرى تحت مظلته، بما فيها النخب السياسية العلمانية والمفكرين والمثقفين. أضف إلى ذلك أن ماضيه يخلو من أي مبادرات تنظيمية ناجحة، كما أنه لم يثبت قدرته على حشد الشعب على أرض الواقع.

ومع ذلك، يخدم كل من تنظيم «مجاهدي خلق» وبهلوي غرضاً في السياسة الأميركية الراهنة، فكلا التنظيمين يمنح حملة الإدارة الأميركية نوعاً من التأييد الإيراني، والنقطة الأساسية هي محاولة إقناع الإيرانيين بأنّ الضغط الأقصى لا يهدف إلا إلى التأثير على النظام لا على الشعب.

وللنظام الإيراني نصيبه العادل من نقاط الضعف، فهو يمرّ بأزمة كبيرة حول شرعيته، ويعاني نقصا حادا في قاعدة ناخبيه ومن محنة اقتصادية متفاقمة ومتزايدة. ورغم الصعوبات كلها في هذا المجال سيصمد هذا التنظيم، ولو لمجرّد أنّ المعارضة ضده أضعف منه، سواء في المجتمع المدني الإيراني أم في المنفى.

ولا تستطيع الولايات المتحدة، ولا أي حكومة أجنبية أخرى في هذا المجال، أن تساعد المعارضة، ولكن يجدر بها مساعدتها مباشرةً لتصبح حكومةً فعالة تَتَحَيَّن فرصة الوصول إلى الحكم، فمثل هذا الدعم من شأنه طبعاً أن يعزّز الأفكار التي يروّج لها النظام الإيراني بأنّ هذه الجماعات ليست إلا «عميلة أجنبية»، ومن الممكن أيضاً أن تقضي على أي شكل من أشكال المعارضة الشعبية للجمهورية الإسلامية.

وعوضاً عن ذلك، يجب على المجتمع الدولي اتخاذ الخطوات اللازمة والضرورية لتقوية وتعزيز دور المجتمع المدني داخل إيران ولا سيما حمايته من الاضطهاد والقمع الممنهجين اللذين تمارسهما السلطة بشكلٍ صارخ وعلى مرأى من العالم أجمع.

وبما أن للجمهورية الإسلامية سجلّا سيئا للغاية في ما يتعلق بكل ما يمت إلى المجتمع المدني وانتهاكات حقوق الإنسان، فيجدر بالحكومات الأوروبية والأميركية تسليط الضوء على معاملة الجماعات المهمّشة في إيران والفساد المستشري داخل «المؤسسات» النافذة، و»الحرس الثوري الإسلامي» الذي استنزف ما تبقّى من ثروات إيران، وحصرها في أيدي أقلية مختارة. فمن بين المبادرات المتعلقة بإيران، ستكون هذه البادرة محط توافق بين جميع الأميركيين وحلفائهم الأوروبيين.

ويمكن لمجتمع مدني قوي وحَسَن التنظيم داخل إيران أن يمهد الطريق نحو قيام إصلاح بطيء وتدريجي بعيداً عن الاستبدادية الدينية ليصل إلى الديمقراطية الليبرالية ويُدخل إيران أخيراً في مجتمع الأمم.

● مهدي خلجي- واشنطن بوست

back to top