صالح الحريبي صاحب الإمكانات الصوتية الكبيرة والمثقف الواعي موسيقياً

ترك إرثاً متنوعاً من الغناء العاطفي والوطني والموشحات

نشر في 27-05-2019
آخر تحديث 27-05-2019 | 00:00
حظي المطرب صالح الحريبي بكثير من الإشادة والمدح تقديراً لإمكاناته الصوتية وقدرته الكبيرة على أداء الألوان الغنائية المختلفة، وحصد الكثير من الثناء لجنوحه إلى تجديد الأغنية الكويتية وتطويرها بمعية مجموعة من رفاق الدرب.

في الحلقة السابقة، رأينا كيف كانت نشأته ثم دراسته وبروز موهبته منذ الصغر، كما رصدنا ظروف تسجيل أول أغنية خاصة به في الإذاعة خلال عام 1963، ثم توالت الأغنيات والمشاركات في الحفلات، وعقب أعوام غنى أغنيته الأثيرة «تحريت سنين طويلة»، التي تعد من أشهر أغنياته التي شدا بها. كما تطرقنا إلى الأغنيات التي أداها باللهجة المصرية وأثبت جدارته في ذلك، لاسيما أنه أدى أصعب الأغنيات. ومن أشهرها أغنية على «بلد المحبوب وديني»، التي أداها في مسلسل «درب الزلق»، فحقق الكثير من المكاسب، لاسيما أن هذه المشاركة الأهم، لأن المسلسل يعد الأشهر خليجيا والأكثر مشاهدة حتى الآن، بالرغم من إنتاجه في منتصف السبعينيات، إذ أدى هذه الأغنية ضمن مشهد العرس الذي أقامه قحطة على نبوية شبشب في مصر.

لم يكن الحريبي يملك صوتاً جميلاً فقط، بل كان فناناً مثقفاً وواعياً يحسب خطواته بدقة متناهية، كما أن حديثه ممتع لمحبي الموسيقى والنغم.

وفيما يلي نسلط الضوء على أبرز المحطات في مشواره:

في السبعينيات، عرضت عليه أداء أغنية بعنوان "يا صلاة الزين"، وهي أغنية مصرية قديمة، ولأنه كان معجبا بها، فقد غناها في الإذاعة والتلفزيون، لكن بأسلوبه الخاص، وقدمها في أكثر من حفلة ومناسبة على خشبة المسرح، وقد حققت له نجاحا كبيرا، ليس في نطاق الكويت فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى دول خليجية وعربية مجاورة.

ولأنه عاشق للغناء الشرقي، فقد سجل الحريبي مجموعة من الأغنيات التي قدمها عبدالوهاب سابقا، على إثر اتفاق جرى بينهما في القاهرة، وسبق للحريبي أن غنى بعض أغنيات عبدالوهاب وحققت نجاحا فنيا كبيرا.

المقامات الموسيقية

اشتهر الحريبي باهتمامه بالتواشيح والغناء الديني، ويرجع ذلك إلى عمق ثقافته وإحساسه المفرط بالمقامات الموسيقية، ومعروف أن التواشيح الدينية تمتاز بثروة من المقامات وحبكة الصنعة الفنية، كالتنقل من مقام إلى آخر، والتفاعلات المدروسة في الجمل الموسيقية.

وبرز اهتمامه بالغناء الديني في بداياته الفنية، لكنه ازداد تعلقاً بالابتهالات والتواشيح في الثمانينيات.

شارك الحريبي عام 1987 مع عبدالكريم عبدالقادر وعبدالله الرويشد ونبيل شعيل ومصطفى أحمد في عمل غنائي ديني كبير، كتبه الشاعر يعقوب السبيعي ولحّنه الفنان القدير يوسف المهنا.

حبيب الشعب

في مجال الغناء الوطني، قدّم الحريبي أعمالا عدة، منها أغنية "حبيب الشعب"، التي كتبها الشاعر الشيخ خليفة العبدالله، ولحنها سعيد البنا. يقول مطلعها:

والله بحبك حب

ماكو أبد مثله

حبك عظيم في القلب

يسوى العمر كله

وأغنية "خطاك السوء"، من كلمات ماجد المهنا ولحن عثمان السيد.

غناء القصيدة

يعد الحريبي من أشهر المطربين الكويتيين الذين اتجهوا إلى غناء القصيدة، فقدّم كثيرا من أغنيات الفصحى في السبعينيات والثمانينيات.

ومن الشعراء الذين تعاون معهم: يعقوب عبدالعزيز الرشيد، الذي قدم له أغنية "سواقي"، من تلحين حسين أمين. يقول مطلعها:

تثاءب الحب أم جفت سواقيه

أم أننا لم نعد نحيا أغانيه

كأننا في عبابٍ زاخرٍ أبداً

لم نعرفِ اليمّ حتى في شواطيه

قد تاهَ منّا على الأنواء زورقُنا

وضاعَ مجدافنا يا فتنتي فيه

هذا الفراقُ الذي عانيتُ لوعتَه

لم يخمد الشوق بل أمسى يروّيه

فلا تظني بأني قد صددت وما

صدي عن المنهل الريانِ يشقيه

وفي عام 1983، غنى من كلمات الرشيد قصيدة بعنوان «هد خاطري» يقول فيها

لا تلومي فإنني

ضقت ذرعاً بمن عذل

أو تظني بأنني

أبعدتني يد الوجل

فالندى هد خاطري

وعشت به العلل

في السنوات الأخيرة من مشواره الفني الطويل، غنى الحريبي لعدد من الشعراء، من بينهم: عدنان الشايجي في أغنية "زمان الحب"، وعبدالله العبودي في أغنية "كوني مثل ما تبين".

وقد تعاون الحريبي في حياته الفنية مع ملحنين كثر، أبرزهم عثمان السيد، الذي لحّن له "دارت الأيام"، من كلمات عبدالخضر عباس، و"وعدتك" و"قولوا لحبيبي" من كلمات محمد محروس، و"لو بيديني" من كلمات أحمد اليتيم، و"تمنيت لو النجمة" من كلمات سليمان المرداس، الذي كتب له أيضا أغنيتي "شموع الحب" و"هو حبي".

لم يود الحريبي أن يكون بعيداً عن التجديد، إذ قرر التعاون في الثمانينيات مع مجموعة من العناصر الشبابية، وخصوصاً في مجال الكلمة، حيث قدم أغنية "يا قلبي من أنت"، ألحان عبدالله أبوغيث، وأغنية "من كثر شوقي"، تأليف ناشي الحربي وألحان ناجي البعيجان.

وغنى من كلمات الشاعر ماجد المهنا أكثر من أغنية، من تلك الأعمال شيلات وطنية من ألحان د. بندر عبيد مع هدى حسين وسارة المعتوق.

وكان الحريبي قد بدأ منذ عام 2009 يعاني أمراض القلب والرئة، فكانت تشتد عليه نوبات المرض على فترات متباعدة، الأمر الذي جعله يخضع لعلاج طويل خارج الكويت على نفقة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد. وفي أكتوبر 2009 عاد إلى الكويت فأقامت له جمعية الصحافيين الكويتية حفلا بمناسبة رجوعه، حضره لفيف من زملائه ومحبي فنه. وقبل وفاته بـ10 أيام دخل الحريبي مستشفى الفروانية إثر وعكة صحية ناجمة عن تراكم المياه على رئتيه ومتاعب في الأعصاب، وخضع لفحوص طبية مكثفة لم تفلح في إنقاذه، فسلّم روحه إلى بارئها في يوم الجمعة 18 مارس 2016، ودفن في مقبرة الصليبيخات.

خسارة كبيرة

وعقب وفاته، قال وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب الأسبق، الشيخ سلمان الحمود: تلقينا ببالغ الأسى والحزن والألم نبأ رحيل أحد أعمدة الحركة الفنية والغنائية بدولة الكويت والخليج العربي الفنان صالح الحريبي، الذي وافته المنية عن عمر يناهز 70 عاما.

وقال الحمود إن رحيل الفقيد الحريبي يمثّل خسارة كبيرة للأسرة الفنية الكويتية والخليجية والعربية على حد سواء، لما كان يتمتع به من دماثة خلق وإبداعات فنية كبيرة.

وأضاف أن الراحل أحد رواد الفن في ستينيات القرن الماضي، بما ملكه من صوت جميل قدّم خلال رحلته الفنية ألوانا متنوعة من الفن كالتراث الشعبي والمقامات العربية والشرقية لكبار الفنانين العرب، ومن أشهر أعماله أغنية "برق تلالا"، وظهوره في مسلسل "درب الزلق" الشهير بأغنية "على بلد المحبوب وديني"، كما قدم الراحل برنامج "محمل الفنون" على تلفزيون دولة الكويت.

أحمد وعبدالرحمن سارا على درب والدهما

يتمتع ابنا الفنان صالح الحريبي، أحمد وعبدالرحمن، بإمكانات صوتية جميلة، وإن كانا لا يتشابهان بالنبرة، لكنهما يشتركان في جمال الصوت.

وسار أحمد وعبدالرحمن على درب والدهما في الغناء، وحققا شهرة كبيرة من خلال أدائهما، لكنهما منذ بداية دخولهما المجال الفني، حرصا على أن يكون لكل منهما شخصية فنية مختلفة عن الآخر، كما حرصا على ألا يكونا نسخة من والدهما.

ونظر لتميزهما في الغناء، استمرا برغم الظروف الصعبة التي واجهت الفنانين بسبب إقفال شركات الكاسيت عقب حدوث الثورة الإلكترونية الهائلة، وإن كان هذا الاستمرار شهد مراحل توقف ثم عودة، ومن الأمور التي اقتدى أحمد بوالده المضي في تقديم البرنامج التلفزيوني "محمل الفنون"، الذي كان يقدمه والده، وكان الراحل يقدم الكثير من المعلومات الثرية عن فنون الكويت والخليج.

مجموعة مواهب في شخص واحد

اتسم الراحل بالخلق الدمث وحسن المعشر، فكانت له صداقات كثيرة في الوسط الفني، وقد ذكر العديد من الفنانين والإعلاميين والشعراء الكثير من الشهادات عن هذا النجم الكبير، فقالت الإعلامية منى طالب التي عاصرت الحريبي مدة طويلة منذ ستينيات القرن الماضي، أكدت موهبته الفذة منذ صغره، حيث برزت إمكاناته الصوتية وحتى المسرحية، فهو مجموعة مواهب في شخص واحد، ترعرع في أمكنة وأزمنة مختلفة بين الزبير ونجد والكويت، كأنه يمثّل رحلة ابن لعبون.

أما الإعلامي يوسف الجاسم فقد وصفه بأنه فنان ملتزم وقيمة كبيرة كفنان وإنسان، أتى إلى الفن بموهبة ذاتية صقلها بالاطلاع.

‎وقال عنه فهد المعجل إنه فنان قدير لم أشهد مثله قط في مسألة الحفظ على مستوى الشعر النبطي والعربي الفصيح.

واعتبر الشاعر الغنائي عبداللطيف البناي رحيل الحريبي بمنزلة خسارة فادحة للفن الكويتي، وذكر بتعاونهما خلال فترة الغزو العراقي الذي أثمر عن أوبريت "طفلتي" الذي عرض في دار الأوبرا المصرية بمشاركة الفنان السعودي الراحل طلال مداح والفنان البحريني أحمد الجميري.

‎وقال المايسترو سعيد البنا: "الحريبي فنان ملتزم، لحنت له الكثير من الأغنيات منذ الستينيات، وكان يسجل أعماله على مستوى عالٍ جداً".

‎بدورها، قالت الناقدة ليلى أحمد: "هو صاحب أغنية "برق تلالا" التي كانت نقطة تحوّل كبيرة في حياته الفنية، وأصبح واحداً من أشهر الأصوات الغنائية التي برزت في ستينيات القرن الماضي، أطربنا بالغناء لكبار القامات العربية مثل الموسيقار محمد عبدالوهاب وأجمل أغنيات الطرب العراقي واللبناني بكل ما تحمله من طاقات شجن وطرب لها خصوصية عالية".

أما د. بدر الدويش فقال إن الفنان الراحل استمر في عطائه المخلص على مدى أكثر من نصف قرن، وملأ الأفئدة والوجدان بأغانيه الدينية والوطنية التي تجلت بشكل خاص في أثناء الاحتلال العراقي للكويت، وكان له دور بارز في مقاومة الاحتلال من خلال إذاعة الكويت التي كانت تبث من القاهرة".

في مجال الغناء الوطني قدم أعمالاً عدة

من أشهر المطربين الكويتيين الذين اتجهوا إلى الغناء بالفصحى
back to top