إيران والقنبلة... محادثات سرية (الجزء الثاني) الحلقة (3)

The Back Channel (القناة الخلفية)

نشر في 14-05-2019
آخر تحديث 14-05-2019 | 00:05
No Image Caption
أدى .وليام ج. بيرنز، على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الدبلوماسية الأميركية، دوراً محورياً في المراحل الدبلوماسية الأكثر تأثيراً في زمنه: من نهاية الحرب الباردة السلمية إلى انهيار العلاقات بعد الحرب الباردة مع روسيا بقيادة بوتين، ومن اضطرابات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر في الشرق الأوسط إلى المحادثات النووية السرية مع إيران.

يسرد بيرنز في كتابه The Back Channel (القناة الخلفية) بتفاصيل دقيقة، وتحليل عميق بعض اللحظات المفصلية في مسيرته المهنية، فيستند إلى مجموعة من البرقيات والمذكرات التي رُفعت عنها السرية أخيراً ليقدّم للقارئ صورة داخلية نادرة عن الدبلوماسية الأميركية.

ولا شك أن رسائله من الشيشان، التي مزقتها الحرب أو معسكر القذافي الغريب في الصحراء الليبية، وتحذيراته من "العاصفة المثالية"، التي ستطلقها حرب العراق، ستعيد صياغة فهمنا التاريخ، وتنير المناظرات السياسية في المستقبل، كذلك يرسم بيرنز أطر القيادة الأميركية الفاعلة في عالم لا يشبه منافسة الحرب الباردة التي لم يكن فيها رابح أو خاسر خلال سنواته الأولى كدبلوماسي، ولا "لحظة القطب الواحد" مع السيادة الأميركية التي تلت.

اقرأ أيضا

باختصار، يشكّل كتاب The Back Channel، الذي ستعرض "الجريدة" ملخصا عنه في 6 حلقات قصة بليغة غنية بالمعلومات جاءت في وقتها، قصة عن حياة كُرّست لخدمة المصالح الأميركية في الخارج، كذلك يمثّل مذكِّراً قوياً بحقبة من الاضطرابات العنيفة بأن الدبلوماسية مازالت بالغة الأهمية. وفيما يلي تفاصيل الحلقة الثالثة:

مع انقضاء صيف عام 2009، واصلنا الاستثمار تلقائياً في شركائنا في مجموعة 5+1. يعود هذا في جزء منه إلى فكرة جديدة مثيرة للاهتمام طرحها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، وقرب نهاية ولايته، كان البرادعي لايزال يعاني من جراء صداماته المتكررة مع إدارة بوش. رغم ذلك، أراد مساعدة الإدارة الأميركية الجديدة في الانطلاق على أسس أكثر إيجابية، كان الإيرانيون قد بعثوا بطلب رسمي إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مطلع الصيف يخطرونها بأن مفاعل طهران للأبحاث، الذي يُنتج نظائر طبية، استنفد تقريباً إمداد صفيحات وقود اليورانيوم المخصب إلى نسبة 20 في المئة الذي زودته به الأرجنتين في تسعينيات القرن الماضي، وبدت النتيجة واضحة: إما أن يقدّم البرادعي مزوّداً بديلاً أو تنتج إيران المواد بنفسها، وتقترب أكثر من التخصيب الضروري لتطوير أسلحة.

التعاون مع روسيا

نشأت أولوية أخرى في فصلَي الربيع والشتاء، وهي تعزيز التعاون مع روسيا بشأن مشكلة إيران النووية، وشكّلت محادثة أوباما مع ديمتري ميدفيديف في لندن في أبريل 2009 بداية ممتازة.

عُقدت بعيد ذلك قمة مجموعة الدول العشرين في بطرسبرغ، وكانت الاستخبارات الأميركية، والبريطانية، والفرنسية اكتشفت أدلة دامغة على موقع تخصيب إيراني سري مدفون عميقاً داخل جبل قرب قم، وما جعل هذا الموقع السري مقلقاً حقاً نطاقه المتواضع نسبياً، فمع قدرة لا تتعدى الثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي، بدا أصغر بكثير من أن يُنتج يورانيوم مخصباً لمحطة طاقة نووية مدنية، إنما هو كبير كفاية ليُنتج مواد لقنبلة أو اثنتين في السنة.

ولابد من أن الإيرانيين خشوا أن تكون الحكومات الغربية على وشك أن تفتضح أمرهم، لذلك بعثوا بملاحظة موجزة بدت بريئة في الظاهر إلى البرادعي يبلغون فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمنشأة وُصفت بشكل غامض قرب «قم» في موقع دُعي فوردو.

حجة قوية

وصل البرادعي إلى اجتماع محدد مسبقاً في فندق والدورف أستوريا في نيويورك معي ومع غاري سمور، وبوب آينهورن أحد الخبراء الاستراتيجيين وراء إبرام الاتفاق مع إيران، في العشرين من سبتمبر، وبدا واضحاً أنه يعاني تأثيرات اختلاف التوقيت من جراء السفر، وأنه ما كان يعلم ما نعرفه عن فوردو، فأدخل البرادعي يده في جيبه وأعطانا الملاحظة الإيرانية، في حين رحنا أنا وغاري نتناوب تأملها، باذلين قصارى جهدنا لنبدو على طبيعتنا، أدركنا في الحال أنها تشير إلى منشأة تخصيب سرية في قم، فصرنا الآن في موضع أكثر تفوقاً بقليل مقارنةً بالإيرانيين، فضلاً عن أننا أصبحنا نملك حجة قوية نقنع بها الروس.

استشاط ميدفيديف غضباً نتيجة هذه المعلومة، لأن الروس أُخذوا مرة أخرى على حين غرة، ويعود ذلك في جزء منه على ما يبدو إلى أن الإيرانيين خدعوهم، وعندما أعلن أوباما الخرق الذي اكتشفناه بعد بضعة أيام في بطرسبرغ، عزز تصميم مجموعة 5+1 على الضغط بقوة على الإيرانيين خلال الاجتماع الذي كان مقرراً عقده في جنيف في الأول من أكتوبر، كذلك دفع بطهران إلى تبديل موقفها بالكامل.

المحادثة الأعلى مستوى بين الولايات المتحدة وإيران

التقينا أنا وزملائي في مجموعة 5+1، مرةً أخرى بقيادة خافيير سولانا، وسعيد جليلي والوفد الإيراني في قصر خارج جنيف في يوم مشمس في مطلع شهر أكتوبر، وأمضينا ثلاث ساعات في الصباح بدون أي هدف غير تبادل المواقف المألوفة عبر الطاولة، ولكن صبري عيل وخشيت أن نضيّع هذه الفرصة، لذلك استغللت استراحة الغداء لأقترب من جليلي، وأصافحه، وأقول له: «أعتقد أن من المفيد أن نجلس ونتحادث»، فوافق بعدما حصل على إذن مسبق من طهران، وهكذا بدأت المحادثة الأعلى مستوى بين الولايات المتحدة وإيران منذ عام 1979.

توجهنا إلى غرفة جانبية صغيرة وجلسنا إلى طاولة مستديرة لامعة تحيط بها أربعة مقاعد، وانضم إلي بوب آينهورن، في حين رافق جليلي نائبه علي باقري، ووصل بونيت تالوار بعض بضع دقائق وجلس وراء بوب، تحدث جليلي بلطف أكبر مما لاحظناه خلال لقائنا السابق، إذ لم يكن هنالك أي خطوات متفق عليها مسبقاً هذه المرة، فمثّلت هذه أول محادثات ثنائية نجريها مع الإيرانيين بشأن المسألة النووية، ولم أشأ أن أُضيّع الوقت بالمقدمات الطويلة، كذلك أدركت أن جليلي، مع كلام منمق أو بدونه، سيظل يشعر بريبة كبيرة حيال هذا التفاعل برمته، فجليلي من المؤمنين حقاً بالثورة الإسلامية، وقد توصّل إلى قناعاته بالتجربة المرة.

تعرض جليلي لإصابة أثناء قتاله العراقيين في ثمانينيات القرن الماضي، وخسر جزءاً من ساقه اليمنى، لذلك كان يمشي بعرج واضح، وعلى غرار كثيرين في مثل جيله، تعلّم بالطريقة الصعبة في الخنادق أن إيران لا تستطيع الوثوق بأحد، وأنها لا يمكنها الاعتماد إلا على نفسها.

مفاعل طهران للأبحاث

عرضتُ بدقة مفهوم تبادل مفاعل طهران للأبحاث الذي كان البرادعي قد أطلعه عليه الإيرانيون سابقاً، وأضاف بوب بعض التفاصيل كي يتأكد أن جليلي وباقري يفهمان جيداً ما نقترحه عليهما، فطرح جليلي بضعة أسئلة، إلا أنه قبِل على ما يبدو بالمفهوم الرئيس وأدرك كم ستستفيد إيران من هذا التدبير المتبادل، كذلك أوضحتُ بلهجة صريحة مباشرة أن عواقب رفض الاقتراح، خصوصاً على ضوء ما اكتشفناه عن «قم»، ستشمل بالتأكيد عقوبات أكثر تشدداً. بدا جليلي واثقاً من أن طهران ستقبل، فقال: «وجهة نظرنا إيجابية»، وبعد انتهاء اللقاء، طلبتُ من بوب أن يراجع مرة أخرى اقتراح مفاعل طهران للأبحاث مع نائب جليلي، ثم أعدَّا مقطعاً يلخّص تفاهمنا واتفقنا على أن يعلنه سولانا، وقدّم لنا شركاؤنا في مجموعة 5+1 الدعم وشعروا بالراحة، لأننا بدونا أخيراً مستعدين لتحقيق بعض التقدّم.

الآثار المهمة لقرار مجلس الأمن 1929 على إيران

قدّم القرار 1929 منصة للعقوبات الأميركية الإضافية ضد إيران، فضلاً عن تدابير مهمة جديدة اتخذها الاتحاد الأوروبي، حيث هدفت الخطوات الأميركية، التي تبناها الكونغرس بأكثرية ساحقة بعد أسبوعين، في جزء منها إلى الحد من عمليات الشراء الدولية لنفط إيران الذي يمثّل شريان حياة اقتصادها المتداعي، وحذا الاتحاد الأوروبي حذو الولايات المتحدة في شهر يوليو مع رزمة متشددة خاصة به، وبما أن هذه فاقت أي تركيبة سابقة من العقوبات، فقد جاءت وطأتها شديدة على الاقتصاد الإيراني، وبحلول نهاية ولاية أوباما الأولى، كانت كل من قيمة عملة إيران وصادراتها النفطية قد تراجعت بنسبة 50 في المئة.

لكن إنجازات إيران النووية واصلت التقدّم بوتيرة خطيرة، وبحلول نهاية عام 2012، كانت قد كدّست مواد مخصبة إلى نسبة 5 في المئة كافيةً لتطوير ست قنابل تقريباً، فضلاً عن نصف الكمية اللازمة من المواد المخصبة إلى نسبة 20 في المئة لإنتاج قنبلة، كذلك راحت إيران تزيد عدد أجهزة الطرد المركزي التي تشغّلها في موقعها المعلن عنه في ناتنز، فركّبت أجهزة طرد مركزي تعاقبية في فوردو، وأجرت تجارب على أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً، وواصلت العمل في موقع الماء الثقيل لإنتاج البلوتونيوم في آراك. علاوة على ذلك، كانت أنظمتها الصاروخية تزداد مدى وتطوراً.

مع أنني كنت أرجو الأفضل، أخبرتُ وزيرة الخارجية كلينتون عبر الهاتف بعد ظهر ذلك اليوم أن احتمال قبول طهران بهذه الصفقة يبلغ 50 في المئة، ومن المؤسف أن تشاؤمي كان في محله، فقد انهار لقاء متابعة في فيينا كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد نظّمته في أواخر شهر أكتوبر عندما حاول الإيرانيون التراجع عن بنود أساسية، خصوصاً شحن ألف ومئتي كيلوغرام من المواد إلى روسيا، فشكّلت هذه خطوة أساسية لبناء الثقة، والمفارقة أن الرئيس أحمدي نجاد كان من أبرز مؤيدي اتفاق مفاعل طهران للأبحاث في إيران، لأنه رغب بشدة في تحسين موقفه بعد الانتخابات غير النزيهة الكارثية والتأكيد للأميركيين أنه يستطيع القيام بما يلتزم به.

اعتقدتُ أن رد فعل جليلي الإيجابي في جنيف عكس حماسة أحمدي نجاد، وربما مخاوف النظام الأشمل بعد اكتشاف «قم»، التي دفعت الإيرانيين إلى البحث عن سبيل إلى تخفيف التوتر، ولم يرد خصوم الرئيس السياسيين، الذين شارك بعضهم في المفاوضات النووية من قبل وربما كانوا سيتخذون مواقف أكثر إيجابية، بأن ينال أحمدي نجاد الفضل في أي إنجاز مهما كان متواضعاً. تشبه السياسات الإيرانية رياضة احتكاك عنيفة، وكانت صفقة مفاعل طهران للأبحاث إحدى ضحاياها.

دور هيلاري كلينتون

كما حذّرنا جليلي فإن رفضه الصفقة قاد إلى استدارة نحو ضغط أكبر على إيران، وقد أدت وزيرة الخارجية كلينتون دوراً فاعلاً جداً في مساعدة سوزان رايس، سفيرتنا إلى الأمم المتحدة، في إقناع أعضاء مجلس الأمن بتبني قرار يفرض عقوبات أكثر تشدداً، وقد مُرر هذا القرار ليصبح قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1929 في مطلع شهر يونيو عام 2010 نافذا، كذلك أدى الإيرانيون دورهم البارز المعتاد في مساعدتنا في إقناع أعضاء أساسيين في المجلس، معلنين في شهر فبراير عام 2010، مثلاً، أنهم بدأوا يخصبون اليورانيوم إلى نسبة 20 في المئة وزاعمين أن هذه مواد لمفاعل طهران للأبحاث. اعتُبر الموقف الروسي بالغ الأهمية، فمن بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الذين يملكون حق النقض (الفيتو)، كان باستطاعتنا الاعتماد على دعم بريطانيا وفرنسا القوي للعقوبات الأكثر تشدداً.

موقف الصين

أما الصين، فتميل في المسألة الإيرانية على الأقل إلى ترك القرار بين يدي روسيا، فشعر الروس باستياء كبير من الإيرانيين بعد افتضاح مسألة قم وإخفاق تجربة مفاعل طهران للأبحاث، كذلك بدوا أكثر ثقة باحتمال التوصل إلى تعاون انتقائي مع الولايات المتحدة مع تقدّم عملية «إعادة الضبط»، لذلك قرر ميدفيديف أخيراً دعم القرار 1929.

جاءت الجهود المرتجلة، التي بذلتها في شهر مايو البرازيل وتركيا، بغية إنقاذ اقتراح مفاعل طهران للأبحاث، وتفادي جولة جديدة من العقبات ناقصة ومتأخرة، وفي منتصف شهر مايو، قصد الرئيسان لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ورجب طيب إردوغان طهران وأعلنا بضجة كبيرة أنهما أديا دور الوسيط في إنجاز كبير، لكن مشاكل إعلانهما المبهم بدت كثيرة: بما أن الإيرانيين كدسوا الآن ما يكفي من اليورانيوم المنخفض التخصيب لتطوير قنبلتين، تتبقى لهم إذا صدّروا نصف ما يملكونه كمية كافية لقنبلة إن قرروا مواصلة التخصيب إلى نسب يمكن استعمالها في الأسلحة.

كذلك ظلت تدابير شحن المواد، التي ستُستبدل بصفيحات وقود لمفاعل طهران للأبحاث، من إيران مبهمة، بالإضافة إلى ذلك، شكّل بدء إيران تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20 في المئة مشكلة جديدة، لكن الأهم من ذلك كله أننا كنا قد بذلنا مجهوداً جباراً لنقنع روسيا والصين بالقبول بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1929، وأن من الغباء أن نتراجع ما لم يقدِم الإيرانيون على خطوة مذهلة بالغة الأهمية، وما قدموه لم يكن كذلك.

الاجتماع في عُمان

وقد اعتدنا على الرحلات الطويلة، لاسيما إلى سلطنة عمان في طائرات لا تحمل أي علامات وتبقى قائمة ركابها فارغة، لكنني كنت شديد الاضطراب خلال رحلتي الأولى نحو نهاية شهر فبراير عام 2013، حتى انني عجزت عن النوم ورحت أفكّر فيما ينتظرنا.

رحّب سالم الإسماعيلي، كبير موظفي البلاط الملكي ورئيس جهاز الاستخبارات العماني، بكلا الوفدين لدى دخولنا صالة الاجتماعات، صافحتُ خاجي وزملاءه، بمن فيهم رضا زبيب، المدير العام لشؤون أميركا الشمالية في وزارة الخارجية الإيرانية، وداود محمدنيا من وزارة الأمن الداخلي، وممثلون من وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، ومترجم إيراني ماهر، فضلاً عما افترضت دوماً أنه عدد من أجهزة الإصغاء بغية تسجيل حواراتنا. جلسنا إلى جانبي طاولة طويلة وقد أثقلتنا التطورات الكثيرة التي دارت بين بلدينا مما منعنا من أن نستمتع بالمشهد أو اللحظة.

كررت صراحةً أن إخفاقنا في استغلال الفرصة غير الأكيدة المتاحة أمامنا سيؤدي بالتأكيد إلى تكبيد إيران كلفة إضافية، وتعزيز خطر الصراع العسكري.

لا شك أن تحقيق أي تقدّم دبلوماسي كان سيتطلب استعداد إيران لاتخاذ تدابير مهمة ملموسة تولّد لدينا الثقة بأن برنامجاً سلمياً لن يحوَّل إلى برنامج أسلحة.

عندما انتهيت من كلامي، جاء دور خاجي، كانت لهجته مدروسة، حتى عندما عدد لائحة طويلة ومتوقعة من الشكاوى بشأن السياسة الأميركية، تحدث بحدة عن إجحاف قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واغتيالات العلماء النوويين الإيرانيين، والتشديد الأميركي العلني على أن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة». كذلك اعترض على إشارات الولايات المتحدة المتكررة على مر السنين إلى استخدام «الجزرة والعصا» (وسائل الترغيب والترهيب) ضد إيران، ثم رفع صوته مؤكداً: «الإيرانيون ليسوا حميراً».

لم يكن خاجي يملك الكثير ليقدّمه، إلا أنه شدد على أنه «يريد النظر إلى المستقبل»، وبدا واضحاً أن الوفد الإيراني تنبه لتعليقي الشديد اللهجة بشأن عملية التخصيب المحلية، إلا أنه كان يريد المزيد، فأكّد خاجي أن إيران ستدافع عن «حقها» بامتلاك دورة وقود نووي كاملة، بما فيها التخصيب، «مهما كان الثمن»، وشدد الإيرانيون أيضاً بلهجة تنم عن كبرياء مجروحة على أن المشكلة النووية تشكّل برمتها سوء تفاهم كبيراً، وأنهم لم يرتكبوا أي خطأ، وأنهم لم يفكّروا مطلقاً في الخطوات نحو تطوير قنبلة، وأنهم كانوا يعملون ضمن إطار حقوقهم الدولية، لذلك اعتبروا العقوبات ظالمة وطالبوا برفعها، لكننا رددنا بحزم، مصرين على أن الإيرانيين لن يحققوا أي تقدّم في المفاوضات النووية إذا لم يدركوا أنهم يعانون نقصاً كبيراً في المصداقية.

عُمان أدت دوراً فاعلاً في الاتفاق النووي مع طهران

تبدو قصة نشوء القناة الخلفية العمانية إلى إيران، على غرار مسائل كثيرة في الدبلوماسية، أكثر وضوحاً عند النظر إليها اليوم مما كانت عليه آنذاك، فقد نجح السلطان قابوس، وهو حاكم مميز ينتمي إلى المدرسة العربية القديمة، في التعاطي مع التيارات المعقدة في وطنه وفي المنطقة طوال أكثر من أربعة عقود، وقد حافظ على علاقة جيدة مع القائد الأعلى في طهران. بعثت هذه السلطنة المتحمسة إلى تأدية دور الوسيط والقلقة من خطر نشوب صراع قريب من الوطن، إلى الولايات المتحدة بسلسلة من الإشارات الضمنية إلى استعدادها لإقامة قناة مع إيران.

كان رسول السلطنة الرئيس سالم الإسماعيلي، وهو مستشار ذكي، متحضر، مثابر، وواسع الحيلة تمكن، رغم الطريقة الغامضة التي تعمل بها غالباً نخب الشرق الأوسط، من التنقل بسهولة بين عالمَي المؤسسات الرسمية والأعمال الخاصة ولطالما اعتُمد عليه كمفاوض ومصلح يعوَّل عليه.

تعززت ثقتي بسالم وبعلاقاته في طهران نتيجة الدور الذي أداه في تحرير ثلاثة أميركيين شبان كانوا يمارسون رياضة المشي في الجبال، وضلوا طريقهم على طول حدود إقليم كردستان العراق فدخلوا إيران في صيف عام 2009، فاعتُقلوا وألقوا في زنزانات سجن إيفن البائسة وسط مدينة طهران، حيث كان رهائن السفارة الأميركية محتجزين قبل سنوات عدة. حاولنا عبر قنوات كثيرة ضمان تحريرهم من دون جدوى إلى أن تدخل سالم، ومن خلال معارفه في طهران وسمعة السلطان وموارده، نجح بعد سنتين من التفاوض في إطلاق سراح الأميركيين الثلاثة.

في شهر أكتوبر عام 2011، بعيد عودة الأميركيين الثلاثة إلى الوطن، التقت وزيرة الخارجية كلينتون السلطان قابوس في مسقط واستخلصت أن القناة العمانية تمثّل الرهان الأفضل، وتكلم الرئيس أوباما مرات عدة مع السلطان عبر الهاتف وتأثر مثلي بشخصه، خصوصاً بمدى ثقة قابوس بأنه يستطيع تأمين اتصالنا بإيرانيين يتمتعون بتفويض كامل من القائد الأعلى.

في تلك الفترة ذاتها، قدّم لنا سالم عرضاً جديداً كان هو والسلطان واثقين من أنه يحظى بموافقة القائد الأعلى، فاقترح تنظيم لقاء مباشر بين الأميركيين والإيرانيين في مسقط يسهّله العمانيون بهدوء، وأكّد لنا أن الإيرانيين سيكونون مستعدين لمناقشة أي مسألة، إلا أنهم أرادوا التركيز خصوصاً على المشكلة النووية. لم يكن واثقاً من هوية مَن سيرأس الفريق الإيراني، إلا أنه اعتقد أنه سيكون علي ولايتي، وبعد نقاش وجيز في واشنطن، قررنا اقتراح عقد لقاء أولي تحضيري منخفض المستوى، فقد خابت آمالنا مرات كثيرة خلال العقود القليلة الماضية، لذلك كان لابد من الحذر.

في صيف 2009 أخطرت إيران البرادعي أن اليورانيوم المخصب إلى ٪20 في مفاعل طهران للأبحاث استُنفد فإما أن يقدّم البرادعي مزوّداً بديلاً أو تنتج إيران المواد بنفسها

اكتشاف الاستخبارات الأميركية والبريطانية والفرنسية أدلة دامغة على موقع تخصيب إيراني سري مدفون عميقاً داخل جبل قرب «قم» أعطانا حجة قوية لإقناع الروس بالضغط على طهران

أحمدي نجاد كان من أبرز مؤيدي اتفاق مفاعل طهران للأبحاث في إيران لرغبته في تحسين موقفه والتأكيد للأميركيين أنه يستطيع القيام بما يلتزم به

هيلاري كلينتون أدت دوراً فاعلاً جداً في مساعدة سوزان رايس سفيرتنا إلى الأمم المتحدة في إقناع أعضاء مجلس الأمن بتبني قرار يفرض عقوبات أكثر تشدداً على طهران

اتصال أوباما مع ديمتري ميدفيديف في لندن في أبريل 2009 شكّل بداية ممتازة لتعزيز التعاون مع روسيا
back to top