أزمة هجرة الطواويش وبداية المجتمع السياسي 2

نشر في 13-05-2019
آخر تحديث 13-05-2019 | 00:20
 أ.د. غانم النجار شهدت حقبة حكم الشيخ مبارك الصباح (1896-1915) تحولات مغايرة لما جرت عليه الأمور، منذ تأسيس الكويت، وما اعتادت عليه من تشاور. وكان نمط حكم مبارك خروجاً عما وصفته سابقاً بصيغة "الحكم المشترك"، وقد أفاض في ذلك مؤرخو الكويت القدماء، وفي مقدمتهم عبدالعزيز الرشيد المعاصر لتلك الحقبة. ومع أنه يحسب لمبارك الصباح أنه بدأ بذرة تأسيس دولة الكويت الحديثة، وله في ذلك قصب السبق، إلا أن اندفاعاته، ومحاولاته العسكرية، وبالذات الهزيمتان المؤلمتان، في "الصريف" وتابعتها "هدية"، دفعتاه لتحميل الناس والتجار ما لا طاقة لهم به، بالتزامات مالية وبشرية، لاستعادة مكانته، والتحضير لحروب قادمة، حتى إنه قام بتأجيل موسم الغوص للتحضير للحرب، وهي كإيقاف تصدير النفط في حالنا اليوم.

وعندما اشتدت وطأة ضغوط مبارك، حتى وصلت إلى التهديد، قرر عدد من كبار الطواويش (الطواش تاجر اللؤلؤ وجمعها باللهجة المحلية طواويش) الهجرة من البلاد.

"ترتب على إرهاق الشيخ مبارك الصباح للكويتيين مالياً أن تعاظم حجم عدم الرضى والمعارضة له، وتجلى أبرزها في هجرة ٣ من كبار تجار اللؤلؤ، وهم شملان بن علي، وهلال المطيري، وإبراهيم بن مضف، احتجاجاً على تصرفات مبارك، الذي تيقن بعد فوات الأوان عظم وفداحة الخطأ الذي ارتكبه بسماحه لأولئك التجار، وبالتبعية أموالهم ومعارفهم بالهجرة، فكان أن بعث لهم بابنه سالم محملاً إياه اعتذاراً شخصياً منه. تمكن سالم من إقناع اثنين منهم، أما هلال المطيري فقد رفض العودة إلا إذا تعهد مبارك بأنه لن يتعرض له بالأذى ولا لأهله إذا عاد للكويت. كان هلال يريد تعهداً من مبارك الصباح أمام حاكم البحرين بأن "اللي يرش هلال بماي، نرشه بدم". ومع أن هذا الطلب كان قاسياً على مبارك وجارحاً لهيبته ومكانته ومقللاً لشأنه، إلا أنه غلب عقله السياسي على عاطفته الشخصية، فرضخ لذلك الطلب، وسافر للبحرين وأعطى هلال المطيري جميع العهود والتعهدات والمواثيق التي يريدها بشهادة حاكم البحرين.

ولا تكمن أهمية تلك الأزمة لذاتها أو لشخوصها، ولكنها صنعت أداة معارضة وأسلوب احتجاج، لم يكن معهوداً، وربما لم يكن مقصوداً، أطلقت عليه في كتابي مصطلح "المعارضة الانسحابية"، والتي أدت إلى تراجع واعتذار حاكم صعب، شديد المراس، كمبارك، بل وإلغاء مشروع متكامل كان قد بدأ تنفيذه لعسكرة المجتمع. تلك الأزمة كانت مدخلاً للعديد من المتغيرات في علاقة الحاكم بالمحكوم، كما أنها كانت مدخلاً لأزمة 1921وإنشاء مجلس الشورى، والتي سبقها تصاعد اعتراضات مشابهة على الشيخ سالم المبارك، في أتون حرب الجهراء 1920. فما إن توفي الشيخ سالم حتى تحركت مجاميع شعبية وتقدمت بعريضتين مطالبين بإنشاء مجلس للشورى كما سنرى.

وحيث إن الشيء بالشيء يذكر فقد صدر قبل أيام كتاب "هجرة طواويش الكويت 1910 وهلال المطيري"، للباحث بدر ناصر الحتيتة المطيري، عن دار جسور ببيروت 2019، وهو كتاب قيم بل فريد في موضوعه، ويحقق إضافة نوعية، فللباحث منا جزيل الشكر على جهده القيم المبذول.

back to top