الصين هي روسيا الجديدة بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي

نشر في 10-04-2019
آخر تحديث 10-04-2019 | 00:00
 بوليتيكو أمضى حلف شمال الأطلسي (الناتو) الجزء الأكبر من السنوات السبعين الماضية في التركيز على كيفية الدفاع عن القارة ضد روسيا، ولكن لكي يستمر في العقود المقبلة، بدأ يفكّر في خطر يقع بعيداً في الشرق.

تحظى الصين بالأولوية فيما يجتمع مسؤولو الناتو في العاصمة الأميركية هذا الأسبوع لإحياء الذكرى السبعين لتوقيع معاهدة واشنطن، التي وضعت أسس هذا التحالف في 4 أبريل عام 1949.

أدت الأسئلة عما إذا كان على أعضاء هذا التحالف السماح لمزود الشبكة الصيني "هواوي" بالعمل داخل بلدانهم وإلى أي مدى، فضلاً عن خطوة إيطاليا للانضمام إلى مبادرة بكين "الحزام والطريق" الطموحة، إلى تسليط كل الأضواء على السؤال: كيف يجب أن يتفاعل الناتو مع هذه القوة الآسيوية؟

ذكر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في خطابه: "يبدو أن الصين ستصبح محور القرن الحادي والعشرين على جانبَي الأطلسي كليهما. تمثّل الصين تحدياً في كل المجالات تقريباً، لذلك من الضروري أن نكتسب فهماً أفضل لما يعنيه هذا بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي".

تشكل هذه مسألة بالغة التعقيد بالنسبة إلى الجزء الأكبر من أوروبا، التي تملك، على غرار الولايات المتحدة، روابط تجارية عميقة مع الصين.

صحيح أن إدارة ترامب تركّز على الصين منذ يومها الأول، إلا أن القادة الأوروبيين بدأوا لتوهم مواجهة الإشارات المتنامية إلى أن ثروة الصين قد تمثل خطراً استراتيجياً طويل الأمد يهدد المنطقة.

يبقى مصدر قلق أوروبا الأكبر أن تتعرض للتهميش في عالم يشهد منافسة محتدمة على السلطة بين الولايات المتحدة والصين، وقد تفاقمت هذه المخاوف اليوم بسبب قرار ترامب الأخير الانسحاب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، وهي اتفاق يعود إلى حقبة الحرب الباردة ويهدف إلى إبقاء الصواريخ النووية المتوسطة المدى بعيدة عن أوروبا. أقدمت إدارة ترامب على هذا القرار من دون أن تستشير حلفاء واشنطن الأوروبيين، مع أن أوروبا ستكون الأكثر عرضة للصواريخ النووية الروسية.

يؤكد المسؤولون الأميركيون أن هذا القرار يعود إلى تراكم الأدلة على مدى سنوات على أن روسيا ما عادت تلتزم بهذه المعاهدة وإلى الخوف من أن الصين، التي لا تشكّل طرفاً في معاهدة القوى النووية متوسطة المدى والتي طوّرت أسلحة نووية مشابهة في آسيا، تحقق تقدماً استراتيجياً.

لكن ما أثار استياء الأوروبيين حقاً أنهم لم يملكوا أي تأثير في مسألة لها أهمية وجودية بالنسبة إليهم.

يذكر جان تيشو، مدير البرنامج الأوروبي في صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة، وهو مؤسسة فكرية: "حُسمت مسألة استراتيجية بالغة الأهمية بالنسبة إلى الأوروبيين لأسباب تكمن خارج أوروبا، مع أن لها تداعيات ضخمة. نرى بوضوح أننا نُعطى أهمية ثانوية في أفضل الأحوال".

رغم هذا الاستياء، ثمة إجماع بين كبار مسؤولي الدفاع الأوروبيين على أن الناتو يظل، بصرف النظر عن الخطاب الأخير عن "جيش أوروبي"، عنصراً بالغ الأهمية في أمن المنطقة.

وهنا ينشأ السؤال: كيف تُقنع أوروبا واشنطن أن الناتو يستحق العناء؟ تشمل الطرق التي تتيح لأوروبا إبراز قيمته البدء بالاضطلاع بجزء أكبر من حملها في الناتو، وفق المحللين. تسدّ الولايات المتحدة اليوم أكثر من ثلثي إنفاق الناتو الدفاعي، ويشكّل هذا الوضع مصدر استياء كبيراً بالنسبة إلى ترامب. صحيح أن عدداً من الدول حقق تقدماً كبيراً نحو الالتزام بهدف الإنفاق في الناتو، الذي يبلغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن دولاً أخرى، مثل ألمانيا، ما زالت بعيدة كل البعد عن هذا الهدف.

تشمل المخاطر الكبيرة التي تواجهها أوروبا نشوب أزمة في آسيا تحوّل موارد الولايات المتحدة بعيداً عن الناتو. وسيحل هذا التبدل فجأةً، تماماً كما حدث في أعقاب الاعتداءات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 حين أعادت الولايات المتحدة توجيه تركيزها نحو الشرق الأوسط بين ليلة وضحاها.

نتيجة لذلك، يعتقد بعض الاستراتيجيين العسكريين الأوروبيين أن على الدول الأعضاء في الناتو في المنطقة أن تستعد لتولي القيادة في مواجهة روسيا، وسبق أن أدى عدد من الدول الأوروبية، مثل المملكة المتحدة وألمانيا، دوراً أساسياً في عملية الوجود المتقدم المحسن التي نفذها الناتو في منطقة البلطيق وبولندا والتي هدفت إلى التصدي لروسيا ومنعها من التعدي على هذه المنطقة.

رغم كل الكلام عن تدخل موسكو في الانتخابات وتعديها على أراضي جيرانها، ثمة إجماع متنامٍ داخل الحلف على أن من الممكن التحكم في روسيا، بصرف النظر عن ترسانتها النووية الكبيرة. فتبدو روسيا أقل أهمية في مجالَي الإنفاق العسكري والقوة الاقتصادية، مقارنةً بالدول الأعضاء الأوروبية في الناتو. فيعاني اقتصاد روسيا القائم على الطاقة الركود وبات أصغر حتى من الاقتصاد الكندي مثلاً.

إذا صبت أوروبا اهتمامها على روسيا، تصبح الولايات المتحدة حرة للتركيز أكثر على آسيا (حيث لا وجود لحلفاء الناتو الأوروبيين). ولا شك أن تقاسم المهام هذا يجعل الترويج للناتو في واشنطن أكثر سهولة على الأمد الطويل، فقد جعلتنا تغريدات ترامب العدائية وتنمره نغفل عن واقع أنه ليس الوحيد في واشنطن الذي يود رؤية حلفاء الولايات المتحدة في الناتو يضطلعون بعبء أكبر في أوروبا.

مع ترامب أو بدونه، سترغمنا وقائع مواجهة الصين على التوقف والتفكير بشأن مستقبل الناتو، ولكن هل ينجح الأوروبيون، نظراً إلى اعتمادهم الاقتصادي المتنامي على الصين، في التوصل إلى توافق في ما بينهم من جهة ومع الولايات المتحدة من جهة أخرى؟ هذه مسألة أخرى.

بالإضافة إلى ذلك، يشكّل توق الدول في أوروبا الجنوبية إلى الترحيب بالاستثمارات الصينية إشارة مقلقة بالنسبة إلى مَن يروّجون لمقاربة موحدة.

يذكر تيشو: "شلّت الصين عملية اتخاذ القرارات في أوروبا. كان يُفترض بنا القيام بالاستثمارات التي تقوم بها الصين اليوم، لكننا لم نعد أثرياء كفاية لنبقي الصين خارج سوقنا".

* ماثيو كارنيتشنيغ

* «بوليتيكو»

back to top