روسيا وأوكرانيا... اعتماد متبادل مميت

نشر في 18-02-2019
آخر تحديث 18-02-2019 | 00:00
 كارنيغي موسكو انتقلت علاقة روسيا-أوكرانيا من استغلال متبادل حميم إلى عدائية مميتة، ولكن لا يبدو أي من الطرفين مستعداً للإقرار باعتماده العميق على الآخر، فبعد مرور خمس سنوات على الأزمة الأوكرانية ومع انطلاق الحملة الرئاسية في هذا البلد، من التقليدي أن نرى التدخل الروسي هناك ورد فعل أوكرانيا كمثال عصري لسياسات القوى بين الدول، ورغم ذلك سيخفق بالتأكيد كل مَن يحاول تحليل الصراع الروسي-الأوكراني من خلال طيف مصالح كلا البلدين الوطنية أو كمجرد عارض من عوارض الميول الاستعمارية الروسية.

فمنذ الاستقلال تتشابك روسيا وأوكرانيا فيما قد ندعوه معانقة جغرافية مَرَضية، فقد تحولتا إلى قمر يدور في فلك الآخر، لذلك لا أصنفهما كيانين سياديين بل هما ثنائي قسري يرى فيه أحدهما الآخر كمثال وخصم.

ساد في موسكو هوس التحكم في أوكرانيا، وقد تفاقم هذا الهوس عندما وقفت النخبة الروسية عاجزة لا تعرف ما عليها فعله ببلدها الخاص، حتى مصلحو عهد يلتسن، الذين كانوا لا يزالون واسعي النفوذ قي مطلع العقد الماضي، بدأوا يعتبرون أوكرانيا كمشروع مضاد سيبنون فيه ما عجزوا عن تحقيقه داخل روسيا.

قبل نحو خمس سنوات في عام 2014 عانى كلا البلدين، وأدى الحشد الوطني في أوكرانيا إلى استنفاد "ثورة الكرامة" وولد سنوات من رد الفعل في روسيا بين عامَي 2014 و2017، فهل بنى هذان البلدان هويتين وطنيتين أوكرانية وروسية منفصلتين؟ نعم، إن كنا نتحدث عن شخصيتين منفصلتين. وكلا، إن كنا نتحدث عن نوعين من الدول، فهما لا تشكلان نوعين وطنيين مختلفين، بل تبدوان أقرب إلى قناعي ممثل، ولا عجب في أن يكون المرشح الأوفر حظاً اليوم في السباق الرئاسي الأوكراني ممثلاً فكاهياً روسياً-أوكرانياً كان يقدّم أعمالاً على التلفزيون الروسي كفلاديمير زيلينسكي.

في المستقبل القريب، صار كل موضوع يُدرج في الإطار الأوكراني غير قابل للحل، من توسيع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي إلى الدفاع الصاروخي الأميركي، وقاعدة أسطول البحر الأسود، والمصير المتعثر للاتحاد الأوراسي، باتت كل هذه اليوم أسباباً تدفع روسيا إلى الشعور بالإهانة ونسيان تشكيل استراتيجية، ولكن ما تستطيع روسيا فعله بشأن أوكرانيا: محاولة الاحتفاظ بها؟ الرغبة الوحيدة التي تتملكها رغبة سامة: السعي لكسر إرادة الطرف الآخر.

في هذه الصراع، أحد الطرفين (الطرف الروسي) أكثر غنى ونفوذاً، ولكن لا يبدو واضحاً ما إذا كان هو مَن يدير دفة الأحداث. لمَ تقدِم موسكو على إثارة خلاف لا طائلة فيه في مضيق كيرش عشية قمة مع الرئيس الأميركي كان الطرفان يتطلعان إليها بحماسة؟ ولمَ تواصل التصعيد باعتقالها مجموعة بحارة أوكرانيين لا تعرف ما عليها أن تفعل بهم؟

في الماضي، كان أي تصادم مشابه يحدث في مضيق كيرش يشكّل صفارة إنذار تحذر من انجرار نحو حرب شاملة، ولكن لا أحد خائف اليوم، حتى عندما كانت المعركة البحرية في أوجها، ظل بإمكان الناس شراء شوكولا الرئيس بيترو بوروشينكو "روشين" من متجر صغير وسط موسكو قبالة وزارة الدفاع.

لا تخوض كييف وموسكو حرباً شاملة، إلا أن المؤسستين السياسيتين تستغلان "الانتصارات" المزعومة لتزدادا قوة وغنى، ولا تريد أوكرانيا أن تفوز على روسيا، على العكس شكّل التدخل الروسي هبة لطالما رغبت فيها كييف، إنها نافذة إلى أوروبا فتحها بوتين نفسه، كما تستطيع كييف مواصلة الاعتماد على الغرب ما دامت "تحتوي روسيا"، وما دامت أراضي روسيا الفدرالية قاعدة دعم المناطق الانفصالية في دونباس، تستطيع أوكرانيا اعتبار نفسها حدود الغرب الرمزية، أما الثمن الذي تتكبده فيشمل خسارة الأراضي والكره الشديد بين كييف ودونيتسك.

هل من طريقة للخروج من حالة الجمود الاستراتيجي هذه؟ ما من مخرج إلا إذا اعترف هذان القمران التوءمان، اللذان يعتمد أحدهما على الآخر، بالرابط العميق المدمر بينهما، فقد تفكّر روسيا بوقف خوضها حربها على أطراف أوكرانيا شرط أن تتمكن أولاً من حمل كييف على التقرب منها أكثر، وفي المقابل، تحلم أوكرانيا بتحرير نفسها من روسيا، غير أنها تريد تحقيق انتصار رمزي في الوقت عينه، نتيجة لذلك تبقى النقطة الوحيدة الأكيدة طبعاً أننا لم نشهد بعد تأسيس أي من الأمتين الأوروبيتين اللتين حلمنا بهما في عام 1991.

* «غليب بافلوفسكي»

back to top