وجهة نظر : النفط واللعب في الوقت الضائع

نشر في 23-11-2018
آخر تحديث 23-11-2018 | 00:30
 د. عباس المجرن تشهد الأسواق العالمية للسلع والأصول المالية في الفترة الراهنة سلسلة من التقلبات الحادة، بسبب حالة عدم اليقين الناتجة عن تباين اتجاهات عدد لا بأس به من المعدلات والمؤشرات النقدية والمالية بين ضفتي الأطلسي، وتباين توجهات السياستين الأوروبية والأميركية على نحو غير مسبوق، وتزايد حدة التوتر والاحتقان بين إدارة البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي، فضلا عن احتمالات توسع دائرة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أكبر عملاقين تجاريين في العالم.

وتلقي حالة عدم الاستقرار واللايقين هذه بظلال قاتمة على اقتصاد صغير مثل الاقتصاد الكويتي، نتيجة لاعتماده الكبير على إنتاج وتصدير مورد طبيعي وحيد، وانكشافه الشديد، بل وشبه الكلي على العالم الخارجي، إذ تكاد قيمة صادراته ووارداته من السلع والخدمات تعادل قيمة الناتج المحلي الإجمالي.

ولا يمكن الفصل بين موجبات التقلبات الحادة والسريعة التي تتعرض لها أسواق النفط في الوقت الحالي وبين حالة عدم استقرار وتناغم مراكز الثقل في الاقتصاد الدولي.

عجز الموازنة العامة

على مدى بضعة أشهر من هذا العام، ووصولا الى نهاية الربع الثالث منه، كانت التوقعات تميل الى تحسّن أوضاع المالية العامة لدولة الكويت، بفعل ارتفاع وتماسك أسعار النفط، حيث كان متوقعا أن يصل متوسط سعر مزيج خام القياس العالمي برنت إلى 75 دولارا خلال السنة المالية 2018/ 2019، أي بما يزيد بنحو 30 في المئة عن متوسط السنة الماضية، بدعم من تطورات أهمها تزايد الطلب العالمي، وتوقف الصادرات الإيرانية، وتراجع إنتاج النفط الفنزويلي.

لكن الانكفاء الحاد والسريع الراهن في أسعار النفط، الذي قاربت أسعار نفط برنت في ظله 60 دولارا، وتراجع أسعار خام تكساس المتوسط الى أقل من 55 دولارا، قد قللا من التوقعات المتفائلة بتخلص الميزانية العامة في الكويت من العجز في غضون السنة المالية الجارية، وكانت هذه الميزانية العامة هي أول ميزانية تشهد زيادة ملموسة في المصروفات العامة منذ أن اتجهت الكويت الى وضع سقف على هذه المصروفات، إثر التدهور السريع الذي سجلته أسعار النفط بدءا من عام 2014.

وتربك تقلبات الأسواق النفطية هذه قدرة المالية العامة للدولة على توفير السيولة اللازمة للإنفاق دون اللجوء الى مصادر تمويل إضافية، مثل السحب من الاحتياطي العام أو الدين العام المحلي والخارجي.

وفي دولة يعتمد نشاطها الاقتصادي بشقيه الإنتاجي والاستهلاكي اعتمادا هائلا على المصروفات العامة المتكئة كليا على النفط، يصبح حال الأفراد والمؤسسات في البلاد مرهونا بحالة الأسواق النفطية.

اقتصاد نفطي بامتياز

إن نظرة سريعة على حصة النفط في الكويت من الناتج المحلي الإجمالي ومن الإيرادات العامة، ومن جملة صادرات البلاد تكفي للدلالة على درجة المخاطرة التي تعيشها البلاد، إذ يشكل النفط من هذه المتغيرات الثلاثة على التوالي أكثر من 50 بالمئة من الناتج المحلي وفق متوسط العقدين الأخيرين، و89 بالمئة من الإيرادات وفق تقديرات الميزانية الحالية، وأكثر من 90 في المئة من الصادرات وفق تقديرات العقدين الأخيرين.

وتجدر الإشارة هنا الى أن مساهمة النفط بنحو نصف الناتج المحلي الإجمالي إنما هي مساهمة محسوبة على أساس الحصة المباشرة لقطاع النفط في الناتج المحلي، أما المساهمة غير المباشرة للنفط في الناتج فهي أكبر من ذلك بكثير، لأن أنشطة قطاعات الخدمات والقطاعات الأخرى تعتاش فعليا على قنوات الدخل النفطي، وهذا يعني أن المالية العامة هي المحرك الأساسي والفاعل وشبه الوحيد للنشاط الاقتصادي في البلاد برمته.

وإذا ما بقي الاقتصاد الوطني مرتهنا على هذا النحو وبهذا المقدار على تقلبات أسعار النفط التي تواجه تحديات متعاظمة ومتفاقمة، فإن الوقت المتاح للخروج من هذه الحلقة المفرغة عبر تفعيل البدائل والسياسات الجادة يكاد ينفد، ومشهد الشد والجذب المتواصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، في هذا «الوقت بدل الضائع من المباراة»، لا يدل على أن أيا منهما مدرك لطبيعة وحجم المخاطرة التي يقف الاقتصاد الوطني على أعتابها.

* أستاذ الاقتصـاد بجامعة الكـويت

back to top