في غرفة العنكبوت

نشر في 30-07-2018
آخر تحديث 30-07-2018 | 00:00
 فوزية شويش السالم محمد عبدالنبي، كاتب ومترجم مصري، من مواليد 1977، حصل على جوائز عديدة، منها جائزة أفضل مجموعة قصصية في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2015 عن مجموعته القصصية (كما يذهب السيل بقرية نائمة)، وحصلت روايته الأولى (رجوع الشيخ) على جائزة ساويرس 2013 للأدباء الشبان، ووصلت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، وأيضا روايته الأخيرة (في غرفة العنكبوت) وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر.

رواية "في غرفة العنكبوت" تعالج بحرفية عالية حياة المثليين، تغوص في الأعماق النفسية لشخصيتهم بأدق تفاصيلهم، لتشرح الأسباب والبدايات والدوافع والتحولات التي تقود مصائرهم، بلغة راقية موزونة بميزان دقيق يدرك أدق الانزلاقات التي قد تؤدي إلى فجاجة وسوقية المعنى، لأنه شعرة رفيعة بين السقوط بمهاوي السوقية وبين الوصول إلى المعنى المراد بلا سطحية ولا ابتذال، منتبها طوال الوقت إلى صعوبة ووعورة الكتابة في هذا الموضوع، وتابوهات التعرض بالكشف عن المحرمات.

فتح الكاتب موضوع حياة المثليين، بكل جراحاتها ومعاناتها مع ذواتها ومع التحريم الديني والمجتمع الرافض لها، وسلط الضوء على مشاكلها وطريقة تعايشها مع كل هذه الأوضاع والقوانين الرافضة لهم.

الرواية استمدت حكايتها من حدث واقعي حصل في 11 مايو 2001 عندما دهمت شرطة الآداب في القاهرة مركب "الكوين بوت"، الذي كان للملكة ناريمان، وسُميت القضية الشهيرة باسمه خلال زمن حُكم الرئيس مبارك، وفيها تم القبض على 52 شخصا بتهمة ممارسة الفجور، ثم تطورت إلى عبادة الشيطان وقلب الحُكم، حينما تناولت وسائل الإعلام القضية بالتشهير، ومن ثم انفتاح القضية على العالم الغربي، ومطالبة لجنة حقوق الإنسان بالإفراج عنهم.

وخلال حملة المداهمة التي قبضت على كل مَن كان في المركب من مصريين وسياح أجانب، إضافة إلى مَن كانوا بالشوارع القريبة، وكان منهم بطل الرواية هاني محفوظ وصديقه عبدالعزيز، اللذان لم يكونا ضمن رواد المركب، ومع هذا تم القبض عليهما، يُفرج عن عبدالعزيز بسبب نفوذ عائلته، ويرسله أهله إلى الإمارات، ويتعرض هاني لكل أنواع الإهانات والضرب والتنكيل لمدة سبعة شهور يفقد على اثرها صوته، ويتم تدميره نفسيا واجتماعيا، حيث تطلب زوجته الطلاق، ثم يجد نفسه منبوذا من معارفه، فيلجأ إلى طبيب نفسي، ليساعده في الخروج من أزمته واسترداد صوته. ينصحه الطبيب بالكتابة، ليتخلص من أوجاعه النفسية، ومن هنا يبدأ هاني في تسطير وقائع وذكريات حياته وبدايات تعرفه على ممارسات الحياة المثلية مع الشواذ. ومن خلال تنقله في أزمان السرد، وتقطيعه للحوادث بالمونتاج والفلاش باك يتعرف القارئ على مسارات حياة هاني محفوظ، الذي يعيش في وحدة منذ طفولته، فوالده المشغول عنه بمشغل الخياطة الخاص به، ومنغمس في مسرات حياته وبالحشيش، وأمه الممثلة السينمائية المشغولة بشهرتها وأفلامها، وخالته المغنية مدمنة المخدرات، وهو المنعزل في عالم وحدته، دون أن يكون هناك مَن يرعاه ويوجهه، وهذه الوحدة تعتبر من أسباب لجوئه إلى عالم المثلية، للبحث عن وجود الرجل المفقود بحياته، شك والدته به يدفعها إلى تزويجه، وتنجب زوجته ابنته، ثم تنفصل عنه، بعد انتشار فضيحة شذوذه.

لا أعرف بالضبط الأسباب والدوافع التي تخلق المثلية لدى الرجل أو المرأة، لكن يبدو أن علم الوراثة اللاجيني يتدخل بوجودها، إلى جانب التربية الخاطئة، التي تؤدي إلى ضياع الهوية الجنسية لديهم، ما لم يتداركه الأهل منذ الصغر. الأمر الذي يضعهم في حالات اضطراب دائم، وخوف من القانون والدين وتقريظ المجتمع، ما يقودهم إلى تعاطي وإدمان المخدرات، للهروب من واقعهم، أو يقعون في الاكتئاب الذي يؤدي في حالات كثيرة إلى الانتحار.

وهذا اقتباس من الرواية: "توهمت أحيانا أنني بدأت أرجع إلى الله في فترة السجن، وكنت قبل ذلك أرى أن هذا الطريق ليس من حقنا، لأنه يناقض رغباتنا الواضحة، وعواء الاحتياج الملحّ ينهش صدورنا ليل نهار، وعجزنا عن رفض الانصياع له. كان رأي كريم مختلفا، كانت المسألة بالنسبة له تبدو كأنها امتحاننا الخاص، المختلف عن امتحان بقية الناس، وكل واحد منهم له ورقة أسئلته الخاصة به، وحتى في وسطنا يبقى لكل منا محنته وتجربته التي لن يخوضها أحد نيابة عنه".

رواية "في غرفة العنكبوت" كان من حقها في رأيي الحصول على جائزة البوكر العربية، لأنها تستحقها.

back to top