المتحضرون لا يمحون تاريخهم

نشر في 28-04-2018
آخر تحديث 28-04-2018 | 00:07
 عبداللطيف المناوي تاريخ الأمم لا يمحوه تجاهل نظام أو إسقاط مرحلة في ظل مرحلة أخرى، ولكن قدر الأمم وتحضرها يرتبطان بتلك المعايير التي من بينها إلى أي مدى هي تحترم تاريخها ولا تشوهه حتى لو كان فيه ما يعترض عليه.

نماذج عديدة لأمم ودول مرت بمراحل قد يعترض عليها أهل هذه الدول في مرحلة تالية، لكنهم أبدا لم يطمسوا التاريخ أو يتجاهلونه أو يهينونه، أريد هنا أن أذكر نموذج الإصلاحي الإنكليزي توماس كرومويل أحد الأشخاص المهمين في تاريخ إنكلترا، أعدمه الملك هنري الثامن وعلق رأسه في وستمنستر لكن تمثاله مازال قائما لم يحطمه الملك ولا أعوانه، ومازال اسمه يحمله العديد من الشوارع المهمة والمؤسسات.

من ينتمون إلى جيلنا يتذكرون أن «مدينة نصر» كان اسمها في البداية «مدينة ناصر»، وأن استاد القاهرة كان اسمه «استاد ناصر»، لكن تغير الأمر مع الوقت، ولا تعرف الأجيال الجديدة عن الأسماء الأصلية شيئاً.

وبعد أن انتهى عصر عبدالناصر، وبدأ عصر السادات، لم تكن وسائل الإعلام في معظمها تتحدث في ذكرى ثورة يوليو أكثر من البيان الذي ألقاه السادات إعلانا عن حركة الجيش الذي كان أول مراحل الثورة كما أصبحت فيما بعد، وكانت تعتبره أهم ما حدث في الثورة، متناسية ومتجاهلة كل ما عدا ذلك، لدرجة يبدو معها أن الثورة لم يحدث فيها سوى هذا البيان.

كما كان المشروع الأول في ذلك الوقت الذي تتركز عليه كل الأضواء، وتهرول وراءه كل الكاميرات، وكل وسائل الإعلام، هو مشروع «جمعية الوفاء والأمل» الذي دشنته السيدة جيهان السادات، والتي خفتت عنها الأضواء بمجرد اغتيال الرئيس الراحل، بل غمره النسيان، وأصبح المشروع مهدداً بالانتهاء، وبأشياء أخرى، ليس إلا لأن صاحبته لم تعد في السلطة.

وعندما انتهى عصر السادات وبدأ عصر مبارك، مارست وسائل الإعلام معه ما كانت تمارسه مع من سبقه، فحولت انتصار أكتوبر بكل ما بذل فيه، وبكل الدماء الغالية التي سالت على أرض الوطن، وبكل الخطط التي وُضعت ونُفذت لتخرج واحداً من أعظم الانتصارات والبطولات، تحول كل هذا إلى مجرد ظل للضربة الجوية الأولى التي قادها الرئيس الأسبق حسني مبارك، ولا أقصد هنا التقليل من دور هذه الضربة، لكني أتحدث عن تجاهل ما عداها، واختزال واختصار الحرب والنصر كله في حدث واحد.

ولأنها دائرة تدور على الجميع، ولأنه درس لا يتعلمه أحد، فبمجرد انتهاء نظام مبارك، انتهى الحديث عن كل المشاريع التي كانت تتصدر عناوين الصحف الأولى كمشاريع قومية، مثل مشروع «مكتبة الأسرة» على سبيل المثال، الذي كثر الخلاف حوله، بين من يريد أن يلغيه أو يقلصه لمجرد أنه كان تحت رعاية السيدة سوزان مبارك، وهو مثل ما حدث مع جمعيات الرعاية المتكاملة، التي كانت تقدم خدمات تعليمية وتثقيفية في 14 فرعاً، تقلصت إلى 3 فروع، ليس لسبب إلا لأن من كان يشرف عليها لم يعد موجوداً في السلطة.

ويمكنني هنا ذكر عشرات المشاريع المفيدة التي كانت موجودة في العصور السابقة، والتي انتهت بمجرد خروج صاحبها، أو راعيها من دائرة الضوء، ووقتها لا يلتفت أحد إلى دورها، ولا إلى الفائدة المجتمعية لها، فهناك مشاريع جديدة سيروجون لها.

أذكر أنه بعد أحداث يناير 2011 في أبريل التالي مباشرة وفِي ذكرى استعادة سيناء كتلك التي احتفلنا بها أمس، استعرض برنامج في التلفزيون المصري تاريخ سيناء ونضال المصريين حتى تحريرها، وعندما وصلت الى استكمال تحريرها ذكر التعليق المصاحب أنه قد تم رفع علم مصر على طابا في عهد الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء!! مع أن هذه الأقلام نفسها والأصوات نفسها ووسائل الإعلام كانت تحصر الحرب كلها وتحرير سيناء ورفع العلم المصري بالرئيس الأسبق مبارك عندما كان يحكم.

أما محمد مرسي صاحب التعبير عن «الستينيات وما أدراك ما الستينيات» فقد احتفل بالسادس من أكتوبر بطريقة غير الجميع، إذ قرر استبعاد الجيش من الصورة واحتفل باغتيال السادات في أكتوبر متجاهلا الانتصار، وذلك عندما دعا قتلة السادات وحلفاءهم ليحتفلوا في غياب أهل مصر الحقيقيين وجيشهم.

هذه مجرد تذكرة فقط بما حدث في بلادنا في سنوات قصيرة، لكن يبدو أنه «آفة حارتنا النسيان»، كما قال نجيب محفوظ، أو «التناسي».

back to top