«التمييز»: تناول الصحافة لقضية «الشريط» يعد من الشأن العام لمساسها بمصالح حيوية

• برأت الزميلين خالد الهلال وحسين العبدالله من مخالفة قرار النائب العام بحظر النشر
• «الإنذار المرسل من وكيل الفهد لم يعد سراً بعد نشر (كونا) رداً عليه من رئيس الوزراء»

نشر في 06-11-2017
آخر تحديث 06-11-2017 | 21:30
أكدت محكمة التمييز الجزائية، برئاسة المستشار فيصل خريبط، حق وسائل الإعلام في نشر اخبار القضايا التي تحقق فيها النيابة العامة، مادام الهدف من ذلك هو المصلحة العامة، فضلا عن توافقه مع حريتي الصحافة والتعبير اللتين نص عليهما الدستور.
قالت «التمييز»، في حيثيات حكمها ببراءة الزميلين، رئيس تحرير «الجريدة» خالد هلال المطيري، والمحرر حسين العبدالله، من شكوى وزارة الإعلام في عهد الشيخ سلمان الحمود بتهمة مخالفة قرار النائب العام بشأن حظر النشر في قضية الشريط التي حققت فيها النيابة عام 2013 في البلاغ المقدم من نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية السابق الشيخ احمد الفهد، والتي انتهت فيها النيابة إلى الحفظ لعدم ثبوت الادلة، إن الاخبار التي نشرتها «الجريدة» عن وجود إنذار رسمي مرسل من وكيل الشيخ احمد الفهد إلى سمو رئيس مجلس الوزراء عن طريق إدارة التنفيذ بوزارة العدل لا تتعلق بالتحقيقات التي تخص القضية التي عرفت إعلاميا بـ «الشريط».

وبينت المحكمة، التي رفضت الطعن المقام من النيابة العامة ضد «الجريدة» بناء على شكوى اقامتها وزارة الإعلام، أن الهدف من نشر الإنذار لم يكن خرقا لقرار النائب العام في جعل التحقيق سريا، ولا يعدو أن يكون ما نشر عبارة عن خبر سياسي اتصل بموضوع الإنذار بقصد التعريف بمجريات الحدث دون أن يتطرق إلى موضوع القضية بالتعليق.

وقالت «التمييز»، إن الحكم الابتدائي، المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه، خلص إلى براءة المطعون ضدهما بقوله: وحيث إنه بعد أن احاطت بالواقعة وألمت بالخبر محل الاتهام، وأرجعت البصر فيه مرة تلو الأخرى، فإنها لا ترى أنه قد تضمن أي مخالفة لأمر النائب العام المؤرخ في 10/4/2014 بجعل التحقيق سريا في القضية المشار اليها، ذلك أن هذا الخبر حسبما يبين من مطالعته قد لخص فحوى ما جاء بورقة الإنذار القضائي المقدمة إلى إدارة التنفيذ للإعلان الموجه من الشاكي، على خلفية قضية الشريط التي اثيرت في الساحة السياسية الكويتية ردحا من الوقت، بصفتها من القائمين على العمل الصحافي، ولم يكن ذلك خرقا لقرار النيابة العامة بجعل التحقيق سريا، ولا يعدو أن يكون ما نشر عبارة عن خبر سياسي اتصل بموضوع ذلك الإنذار بقصد التعريف بمجريات الحدث دون أن يتطرق إلى موضوع القضية بالتعليق على الموضوع أو تحريره بالإضافة أو الحذف على النحو الذي هدف إليه قرار الحظر، مساسا بالتحقيقات أو اساءة للمصلحة العامة أو القومية في البلاد، ومن ثم فإن كل ما بدر عن المتهمين ليس سوى اثبات ونقل امين لواقعة ذلك الإنذار.

تهاوي الأسانيد

وبينت المحكمة أن الثابت من تمحيص عبارات الخبر أن المتهمين قد تحريا وتثبتا من عدم المساس بقرار الحظر ومن ثم فلا صلة بين ما تم نشره بالصحيفة وغاية القرار، مما يتهاوى معه اسانيد الاتهام بانعدام ركني الجريمة، ولا يقدح في هذا النظر أن امر النائب العام قد شمل منه نشر أي اخبار أو بيانات تتعلق بتلك القضية، اذ إن ذلك المنع وإن ورد بصيغة عامة، الا أنه قد نشر ما يشكل خوضا في الموضوع من شأنه اثارة اللغط حول صحة مزاعم الشريط أو خلق جدل يؤجج حساسية القضية قطعا لدابر استمرار التكهنات وتجنبا لتقسيم الرأي العام أو استمرار أي طرف في الزج بأدلة القضية في الإعلام، اما في حالة الخبر محل الاتهام فإنه، وكما اسلفت المحكمة، لا يتعدى أن يكون نقلا لوقائع الإنذار كما هي.

وذكرت أن القضية سالفة البيان والمعروفة بقضية الشريط قد اثارت الشارع وألهبت وجدان الشعب بكافة تصنيفاته لتعلقها بمسألة بالغة الدقة والأهمية اتصلت بالناس واستقرار معاملاتهم، ومن ثم فقد أضحت شأنا عاما لمساسها بمصالح حيوية قبل قرار النائب العام المشار إليه، وقد خاض في موضوعه الأفراد وكل المنتديات الاجتماعية والسياسية وفي فضاء الإعلام باختلاف قنواته اخذا وردا، وكان محصلة ذلك بلا شك أن ترقب مجريات مسار قضية ذلك الشريط وتطور سلسلة وقائعه التي باتت مثار اهتمام لقطاع كبير من افراد المجتمع، ليس سوى نتيجة حتمية لمسلسل ذلك الحدث كمشهد سياسي قوي، مما جعل منه مادة حيوية تتسابق وسائل الإعلام المختلفة لتحظى بسبق نشره.

وقالت المحكمة: «ومن ثم فإن قيام الصحافة بوصفها الجناح الرديف للحرية الديمقراطية بنقل واقعة تتمثل في تعريف الناس بتداعيات القضية وإعمال واجب النقل الموضوعي للجمهور لم تكن بذلك تنشر سرا، لاسيما بعد قيام وكالة الانباء الكويتية بالرد على الإنذار، وهو الرد الصادر من رئيس الوزراء، وإذ كانت القاعدة أن الضرورة تقدر بقدرها فإن الإباحة تبقى هي الأصل، والقول بغير ذلك ليس الا تقويضاً لتلك الإباحة التي خص بها الدستور الصحافة في مثل هذه الحالات بغير مقتضى من الضرورة خروجا عن القانون».

وشددت على انها لا ترى أن الصحيفة في نشرها للخبر بعباراته قد رمت إلى التعرض لقرار الحظر سالف الذكر وإنما كان ذلك بحسن نية إعمالاً لحرية الرأي والصحافة، بما تمليه واجبات تلك المهمة من مسؤولية بهدف تبصير الناس والتعريف بالأحداث اليومية وسرعة نقل ما يجري في المجتمع من قبل ما يتصل بحياة الجماعة فيه لتقرير موقفهم انطلاقا من تلك المسؤولية للصحافة دون أن تبين باعثاً على سوء القصد، الأمر الذي تنتفي معه مسؤولية المتهمين، بما يتعين معه القضاء ببراءتهما مما اسند اليهما عملاً بالمادة 172/1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.

حرية البث

وقالت المحكمة إن المبين بنصوص المادتين 36 و37 من الدستور والمادتين 1 و21 من القانون رقم 3 لسنة 2006 في شأن المطبوعات والنشر أن الأصل الدستوري هو حرية البث المرئي والمسموع، والاستثناء هو القيد، ولا يجوز أن يمحو الاستثناء الاصل أو يجور عليه أو يعطله، فيقصر أثره على الحدود التي وردت به، وإن البث المباح هو الذي لا يتضمن أية افعال مما عددته فقرات المادة 21 من القانون رقم 3 لسنة 2006 المشار إليه والتي كفل أصلها الدستور والقانون، فإذا لم يتجاوز البث هذه الحدود فإنه لا محل لمؤاخذة المسؤول عنه باعتباره مرتكباً لأحد الأفعال التي جرمها القانون سالف البيان في المادة 21 منه، وكانت هذه المادة قد نصت على أنه (يحظر كل ما من شأنه إهانة أو تحقير رجال القضاء أو أعضاء النيابة العامة أو ما يعد مساساً بنزاهة القضاء وحياديته، أو ما تقرر المحاكم أو جهات التحقيق سريته).

وبينت أن المادة رقم 27 من ذات القانون نصت في الفقرة الأولى والبند 3 منها على أنه: «مع عدم الاخلال بأية عقوبة اشد ينص عليها قانون اخر، يعاقب رئيس التحرير وكاتب المقال أو المؤلف إذا نشر في الصحيفة ما حظر في المادة 21، بالغرامة التي لا تقل عن ثلاثة الاف دينار، ولا تزيد على عشرة الاف، وقد استهدف المشرع بالتأثيم في هذه الجريمة أن يحظر على رئيس التحرير وكاتب المقال أو المؤلف نشر ما تقرر المحاكم أو جهات التحقيق سريته، ولو كان ما نشر عنها صحيحاً حتى يكفل هذه السرية لما قدرته المحكمة أو جهة التحقيق من الحفاظ على سرية ما تجريه من تحقيقات في بعض القضايا أو ما يتعلق بها من إجراءات أو ادلة لمصلحة تخرج على مبدأ حرية الصحافة والطباعة والنشر، وذلك حرصا على تحقيق مجموعة أهداف تتعلق بالمصلحة العامة وعدم تعرضها للخطر، منها على الخصوص ضمان فعالية إجراءات التحقيق للوصول للحقيقة من مثل تلك القضايا، كما انها قد تكون ضمانة لحيادية المحقق حتى لا يكون متأثراً بالرأي العام، وبالتالي تتحقق استقلاليته فيما يفوح به من تحقيقات في بعض الوقائع، وكان تقدير ما إذا كان النشر ينطوي على ما حظرته الفقرة الثانية من المادة 21 المشار اليها مرجعه إلى قاضي الموضوع الذي يستخلصه من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى وتقديره لما تضمنه النشر، فله أن يتعرف على حقيقة ما تم الكشف عنه، مما قررت جهة التحقيق سريته وعدم نشره ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة التمييز، طالما أنه لم يخطئ في تطبيق القانون على الواقعة.

وأضافت أنه «ولما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه في مدوناته وفيما تقدم يكشف عن أن المحكمة لم تقض ببراءة المطعون ضدهما الا بعد أن احاطت بواقع الدعوى وألمت بعناصرها، وخلصت إلى أن العبارات التي وردت في المقال مثار الاتهام لا تنطوي على شيء مما يحظره نص الفقرة الثانية من المادة 21 من القانون المشار إليه لما ساقته من اسباب تؤدي إلى ما انتهت اليه، ومن ثم فإن ما تثيره النيابة العامة في طعنها لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة محكمة الموضوع في فهم واقعة الدعوى وتقدير الأدلة القائمة فيها واستنباط معتقدها منها، ومما لا يقبل إثارته أمام محكمة التمييز».

الصحافة هي الجناح الرديف للحرية بنقلها الوقائع وتعريفها الناس بتداعيات القضية

القضية أثارت الشارع وألهبت وجدان الشعب لتعلقها باستقرار معاملاته

المصلحة من الحظر الحفاظ على أدلة الجرائم وضمان حيادية المحقق
back to top