الخطر القادم... أزمة السكان العالمية

نشر في 19-09-2017
آخر تحديث 19-09-2017 | 00:08
 السفير فيصل راشد الغيص تواجه البشرية عدة أخطار قادمة، منها ما ليس في مقدور الإنسان التحكم فيه أو منعه مثل احتمال حدوث تصادم بين كوكبين أو أكثر، خصوصاً إذا كان بينها كوكبنا، ومنها ما في مقدور الإنسان منعه أو التخفيف منه جزئياً مثل الفيضانات وارتفاع درجة حرارة الأرض، والنوع الثالث في يد الإنسان بشكل تام، مثل زيادة عدد السكان على الكرة الأرضية، وهذا ما أود التطرق إليه.

فلقد زاد عدد سكان العالم بشكل مطرد ليقدر حاليا بـ7.8 مليارات نسمة، ولقد حدث هنا الانفجار السكاني في بلدان ومناطق بعينها كالهند وباكستان وبنغلاديش وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وقطاع غزة، مع كل النتائج الوخيمة المترتبة على زيادة السكان من فقر وبطالة وأمية وتدني مستوى المعيشة بصفة عامة، ناهيك عن نقص المساكن وازدحام الطرق وتلوث البيئة وتدني الخدمات الصحية ومستوى الرعاية الاجتماعية.

ولم تجرؤ حكومات هذه الدول على تبني سياسة التخطيط السكاني والعائلي وتحديد النسل، لأسباب دينية وشعبوية، بل تركت الحبل على الغارب لضمان ديمومتها في السلطة، كما لم تعط منظمات المجتمع المدني في هذه البلدان أهمية تذكر لهذه الظاهرة المدمرة. بدلاً من ذلك، وتلافياً للحل الصحيح، تحاول هذه الدول حل المشكلة عن طريق الاقتراض من الخارج وبتلقي المعونات الأجنبية وتصدير عمالتها إلى الخارج كمصدر للتحويلات المالية وكوسيلة لتقليل أعداد مواطنيها في الداخل.

لكن هذه الحلول الترقيعية لا يمكنها أن تكون ناجعة في المدى البعيد، لعدة عوامل أهمها كون رقعة الأرض القابلة للزراعة وللحياة البشرية في كوكبنا محدودة مهما كبرت، ونظراً لكون قدرة البلدان المستقبلة للعمالة المهاجرة- كأوروبا وبلدان الخليج- محدودة أيضاً، وأن زيادة أعداد المهاجرين ومنافستهم مواطني البلدان المضيفة على مواقع عملهم وأرزاقهم وتسببهم في الازدحام وتأثيرهم على النسيج الاجتماعي لا بد أن يسبب في وقت من الأوقات تنافساً واحتكاكاً بينهم وبين المواطنين، مهما ازدان هؤلاء بفضيلتي التسامح والانفتاح، كما يحدث الآن في أوروبا على سبيل المثال. أضف إلى ذلك أن أي تخفيف لأعداد المواطنين عن طريق تصدير العمالة وتشجيع الهجرة إلى الخارج يتآكل ويضمحل بفعل الزيادة الكبيرة في عدد المواليد.

والبلد الوحيد الذي تبنى حلاً ناجعاً لمشكلة الزيادة السكانية هو الصين بسياسة الطفل الواحد، التي لولاها لكان تعداد الصينيين ضعفه الآن، أي 2.8 مليار نسمة بدلاً من 1.4 مليار، كما أجرت الهند محاولة وحيدة لم تنجح حينما فرضت حكومة إنديرا غاندي سياسة تعقيم الرجال، فلقد فشلت سياستها هذه بفعل الجهل والعادات البالية وتفسير الإنسان للدين وتعاليمه، فنجد أن الكنيسة الكاثوليكية لا تزال تحرم تحديد النسل حتى في أفقر البلدان الكاثوليكية، وهو ما يزيد الناس في تلك البلدان فقراً وبؤساً.

ولقد تنبّه بعض المفكرين لهذه المشكلة من زمن بعيد، لكن عامة الشعوب والساسة لم يكترثوا بها، وهنا تكمن المشكلة. ولقد كان عالم الاجتماعيات الإنكليزي توماس مالثوس أول من تطرق للمشكلة السكانية بدراسة علمية مفصلة في كتابه «مقالة حول مبدأ السكان» سنة 1798. وأتذكر كيف كان أساتذتنا في المرحلة الثانوية يخطَّئون نظرية مالثوس بحجة أنها تتعارض مع مبادئ الدين، وأن العلم يكتشف دائما وسائل جديدة لتحسين وزيادة إنتاج الغذاء في العالم، متجاهلين قاعدة العوائد المتناقصة في علم الاقتصاد The low of diminishing returns التي تقول إن كمية إنتاج السلع تتناقص تدريجياً كلما زدنا أحد عناصر الإنتاج مع إبقاء بقية العناصر ثابتة، ومعلوم أن بعض عناصر الإنتاج الزراعي والغذائي لا يمكن زيادتها بشكل غير محدود كمساحة الرقعة القابلة للاستزراع على كوكب الأرض، بل إن بعض عناصر الإنتاج آخذة في التناقص، مثل المياه العذبة، نتيجة للزيادة السكانية والتغير المناخي.

لكن زيادة أعداد البشر لا ينتج عنها ضغط على موارد الماء والغذاء فحسب، بل كذلك عدة مشاكل أخرى منها الازدحام والتلوث البيئي والضوضاء والفقر وتدني مستوى الخدمات بأنواعها كافة والبطالة وانتشار الجهل والأمية والأوبئة.

وما لا يدركه كثيرون هو أن كثرة عدد السكان ليست ميزة لأي بلد، بل هي عبء عليه وعلى موارده، ولا يزيده بالضرورة قوة ومنعة، فتفوق الشعوب غير ممكن في ظل ضغط سكاني قوي، فإسرائيل كمثال قريب، بشعبها الذي يقل عن تسعة ملايين نسمة تتفوق على البلدان العربية مجتمعة، ليس عسكرياً فقط، بل كذلك في مجال الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، ناهيك عن الممارسة الديمقراطية.

لذلك يجدر بكل الحكومات أن تتنبه لهذه المشكلة بسرعة وأن تضع لها حلولاً جريئة وجذرية، وعلى الأمم المتحدة، من خلال صندوق الأمم المتحدة للسكان، أن تؤدي دور القيادة في خلق صحوة وإدراك حققيين بحجم المشكلة وفي رسم سياسات عالمية كالتي نشهدها في مجال البيئة؛ لتفادي كارثة كونية تتحدى كل التوقعات والمقاييس.

back to top