شيعة الكويت.. ومأساة حلب

نشر في 15-12-2016
آخر تحديث 15-12-2016 | 00:14
 خليل علي حيدر لماذا تحولت مأساة حلب والمذابح السورية برمتها في الكويت إلى قضية "من اختصاص" أهل السنّة والجماعات السلفية والإخوان المسلمين؟ ولماذا وجد شيعة الكويت، حتى المتعاطفين مع عذاب أهل سورية ونساء وأطفال حلب وغيرها، وكأنهم من مؤيدي سياسات النظام السوري ومناصري المذابح، وكل الإجراءات الطائفية والقمعية والانتقامية هناك؟

السبب الأهم لهذا الانقسام الطائفي في الكويت إزاء المأساة السورية، ذلك النجاح الدعوي المذهل بين شيعة الكويت ومنذ بدء الأزمة عام 2011، للجناح المؤيد للولي الفقيه وللسياسة الإيرانية الخارجية المغامرة، ولاقتحام حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية وغيرها الأزمة، واشتراكها في الحرب السورية ضد المعارضة.

هذا النجاح في الوسط الشيعي الكويتي، اخترق وبقوة هائلة نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في ديسمبر 2016 واستطاع هذا التيار المؤدلج من التشيع السياسي إضافة نجاح مدو جديد إلى نجاحاته منذ عام 1979، في تعميق عزل شيعة الكويت عن محيطهم العام الداخلي والخارجي بما فيه الخليجي طبعا، ووُفّق في بناء سور محكم حول الطائفة يمنعها من إبداء أي تعاطف مع مطالب السوريين المعارضين للنظام، ومع القتلى والجرحى والثكلى والمهجرين من أهالي حلب وسورية وكل ضحايا المأساة، ووقف هذا الجناح بشكل مباشر أو غير مباشر مثلا ضد أي محاولة في الحسينيات والمساجد و"الديوانيات الشيعية" لدعم اللاجئين السوريين عبر "الهلال الأحمر"، أو تداول أي منشورات تشرح قضيتهم في الوسط الشيعي، وتظهر حجم مأساة سورية.

هذا الجناح يؤمن علناً وبقوة وباستخدام نصوص دينية وحملات سياسية بأن السياسة الإيرانية لا يمكن أن تكون مخطئة في قضايا الأقليات الشيعية خاصة، وربما في عموم الشرق الأوسط والمنطقة الخليجية وكل مكان.

ولقد شهدت الثورة الإيرانية منذ 1979 تحولات كثيرة، وجرت هناك انقسامات كثيرة لعل أبرزها بين المحافظين والإصلاحيين، ووقعت معارك انتخابية ومذهبية وفكرية وسياسية، ولكنها مرت بالجمهور الشيعي في الكويت بفضل جهود هذا الجناح الواسع التأثير، دون أن تغير شيئا في فكر الطائفة ومواقفها وتفكيرها المستقبلي.

وهكذا انتشر في الوسط الشيعي المتعاطف مع إيران فكر سياسي ومذهبي يبدو غريبا جدا حتى للشعب الإيراني، بل ربما حتى للمؤيدين للثورة والنظام فيها.

فقلة قليلة من الإيرانيين خارج دائرة النظام تؤيد سياساته في لبنان وسورية وفي الخارج عموما، ومعظم الإيرانيين يؤيدون العلاقات الودية مع العالم العربي والإسلامي، ويتمنون أن تتحسن سمعتهم وتتقدم مصالحهم في كل مكان، وأن يرتفع المستوى المعيشي للإيرانيين مع ازدياد السكان وتراجع أسعار البترول وتزايد الإنفاق العسكري، وهناك من الإيرانيين الدبلوماسيين خاصة، من يفكر بتشاؤم في نتائج سياسيات التدخل الإيرانية هذه!

فمثلا نشرت صحيفة "القبس" يوم 14/ 12/ 2016 ما يلي: "قال مير محمود موسوي المدير السابق لشؤون آسيا الغربية في وزارة الخارجية الإيرانية إن "نجاح النظام وميليشياته في حلب إنما هي فرحة ليلتين فقط بعدها يجب علينا أن نقلق للثلاثين عاما المقبلة". وأضاف موسوي الذي كان يشغل أيضا منصب السفير الإيراني في الهند وباكستان في حوار مع صحيفة الشرق الإيرانية إنه يرى الأوضاع "سوداء جدا"، واستطرد أنه "عندما طردت الولايات المتحدة حركة طالبان من العاصمة الأفغانية كابول في ظل صمت إيران أو بدعم منها فرح البعض معتقدا أن المشاكل قد انتهت، ولكني كنت على يقين بأنها بدأت منذ تلك اللحظة". وأكد موسوي أن "مقتل 300 ألف شخص وتهجير ونزوح 12 مليونا آخرين (في سورية) لا يولد إلا الكراهية والعنف"، وتابع "إن 10 ملايين عائلة (سورية) ستعيش الكراهية والبغضاء وهذا يحتاج إلى حل على مدى عقدين من الزمان".

ورأى موسوي أنه "لا بد من وجود الأمن والسلام في سورية والعراق وأفغانستان كي يسود الأمن داخل حدودنا (إيران) وأكد أن "المشكلتين السورية والعراقية لم تصلا إلى نهايتهما، ولن تنتهيا في الوقت الراهن ولا في المستقبل القريب، المشكلة دخلت منعطفا جديدا وهي تبدأ من جديد".

إن حجم الكارثة السورية كما هو واضح من تصريحات هذا المسؤول الإيراني السابق، سيلقي بظلال الكارثة على مستقبل علاقات إيران مع العالم العربي، وعلى الأوضاع والروابط المذهبية، وعلى التسامح الاجتماعي والديني في العالم العربي وبخاصة المنطقة الخليجية.

لا يوجد للأسف في الوسط الشيعي الكويتي وربما الخليجي، من يمتلك بعض جرأة مير محمود موسوي، ولا يوجد بين أساتذة الجامعة والمحامين والكتّاب والمحللين الشيعة من يتكلم بنصف هذه الصراحة، رغم أن إيران في مأمن نسبيا من ردود الفعل، بعكس الأقليات الشيعية بمساجدهم وحسينياتهم وربما قريبا مؤسساتهم التجارية، فمن يدري ما حدود الفتن الطائفية؟

لماذا يضع الشيعة الكويتيون ثقتهم في مثل هذا التيار الذي سيجلب لهم الكوارث؟

لماذا كلما تراجع نفوذه أمدوه بالمال والرجال والالتفاف والمناصرة والتأييد... رجالا ونساء؟

لماذا لا يكترث أحد بالثمن الباهظ الذي سيدفعه الشيعة كما يتنبأ المسؤول الإيراني مير محمود موسوي؟

من يتحمل مسؤولية ونتائج هذا الموقف الذي سيدفع ثمنه الجميع؟

back to top