رأي : حوكمة الشركات: المبادئ والأهداف والقيمة المضافة

نشر في 27-09-2016
آخر تحديث 27-09-2016 | 00:00
 د.وفاء سبيتي أثارت الأزمات الاقتصادية المتعاقبة التي حدثت خلال العقود القليلة الماضية تساؤلات كبيرة حول الممارسات الادارية الخاطئة على مستوى الكثير من الشركات العالمية الكبرى، والتي يرجع جزء كبير منها الى قيام الاشخاص ذوي السلطات الواسعة في هذه الشركات بارتكاب حماقات مالية وتصرفات لامسؤولة، دون رقابة ودون ضوابط، مما عرض هذه الشركات للإفلاس والانهيار وإلحاق الخسائر الفادحة بها وبالمساهمين وجميع العاملين فيها والمتعاملين معها والأطراف اصحاب المصالح. نذكر هنا على سبيل المثال شركة "انرون" عملاق صناعة الطاقة الاميركية، وانهيارها عام 2001، حيث فقد السهم قيمته فجأة منتصف عام 2000 من 90 دولاراً إلى نحو 90 سنتا عام 2011، فمن الأسباب الرئيسية التي ادت الى انهيارها تلاعب المديرين العامين بالبيانات المالية وإظهارها بوضع مالي قوي، اذ كانوا يقدمون ارقاما مبالغا فيها تزيد على ارباح الشركة الحقيقية بكثير، وانحراف اعضاء مجلس الادارة وراء مطامع شخصية، مما أدى الى انهيار اسهم الشركة في وقت قياسي وخسارة المستثمرين لمبالغ طائلة. وأيضا من الامثلة الأخرى شركة "وورلدكوم"، عملاق الاتصالات الأميركية، التي كان افلاسها هو الاكبر في تاريخ الولايات المتحدة، لما حدث فيها من تلاعب مالي وفضائح مالية ومحاسبية وعمليات تزوير بقيمة مليارات الدولارات.

بعد ذلك جاءت الأزمة المالية الاقتصادية عام 2008 التي كان من اسبابها الرئيسية اقتصاد الفوضى والفلتان المالي ودخول الكثير من الشركات في عمليات مالية عالية الخطورة تفتقر الى الاخلاقيات المهنية، وبروز أدوات مالية لم تكن موجودة من قبل في اطار تكور تكنولوجي ومعلوماتي غير مراقب، فكان هناك سرعة في التطور التكنولوجي يفوق السرعة في تطبيق القوانين والتشريعات.

مما لا شك فيه أن غياب القوانين والتشريعات او التساهل في تطبيقها أوجد بيئة خصبة لممارسة التلاعب المالي بدون رقيب او حسيب الهدف منه جني الأرباح بطريقة بعيدة عن الاخلاقيات المهنية وبأقصى درجات المخاطرة. هذه الفضائح المالية التي اجتاحت الكثير من الشركات سواء في الولايات المتحدة وغيرها أثارت الكثير من المخاوف حول الدور الذي تقدمه مجالس الادارات في مراقبة ومتابعة العمليات المالية، وبالتالي حماية الشركات من الفشل او الانهيار والافلاس.

باختصار، أوضحت هذه الأزمات ضعف الهيكل الرقابي والضوابط على الشركات، ومدى الحاجة الى اطار من القواعد والاساسيات لأعمال وإدارة الشركة، فتنبهت الجهات الرقابية والتشريعية لهذه المشاكل وحاولت جاهدة وضع القوانين والانظمة لاسترجاع ثقة المستثمرين، عن طريق وضع اطار لتنظيم العلاقة بين المستثمرين وادارة هذه الشركات، فقفز مفهوم حوكمة الشركات الى صدارة الاهتمامات، وأصبح قضية رئيسية، فكانت قوانين ومبادئ الحوكمة كمحاولة للقضاء على هذه المشاكل، او على الاقل الحد منها، من اجل توفير حماية افضل للمستثمر واعادة الثقة بالشركات. وهكذا فرضت تداعيات هذه الازمات على الشركات التحول سريعا الى تطبيق مفهوم الحوكمة بعد ان ادركت ان اتباع قواعد الحوكمة هو الطريق الصحيح لحماية الشركة وكل اصحاب المصالح المرتبطة فيها.

وفيما يلي سنوضح مفهوم الحوكمة ومبادئها وأهمية تطبيقها بالنسبة للشركات:

الحوكمة هي مجموعة من القوانين والنظم والاجراءات التي تهدف الى تحقيق الجودة والتميز في الاداء، لتوفير أفضل حماية وتوازن بين إدارة الشركة والمساهمين وجميع الأطراف أصحاب المصالح المرتبطة بها كالعملاء والموردين والموظفين والمجتمع ككل، والتي تهدف في النهاية الى تحقيق خطط واهداف الشركة.

لاشك أن اتباع مبادئ حوكمة الشركات من شأنه حماية المساهمين وكل اصحاب المصالح الرئيسيين، فضلا عن تعزيز السلوك الاخلاقي والمساءلة والشفافية والرقابة والتنظيم الاداري السليم والذي بدوره يعزز من ثقة المستثمرين بكفاءة أداء الشركة وقدرتها على مواجهة الازمات وزيادة المصداقية في الشركة وادارتها. فالسلوك المهني والأخلاقي ووضع نظام رقابي متكامل لكشف التجاوزات وتوزيع الصلاحيات والمسوؤليات ضمن نظام اداري سليم سيحقق بلا شك مصالح كل الاطراف المرتبطة بالشركة خارجيا وداخليا.

نظام الحوكمة يقوم على مجموعة من المبادئ التي تعتبر من المتطلبات والمحددات المتعلقة بتطبيق قواعد الحوكمة التي يتعين على الشركات اتباعها في اطار الالتزام بقواعد الحوكمة، وهي: أولا: ان يضم مجلس الادارة بين اعضائه افراداً أكفاء يتمتعون بالاستقلالية التي تتيح لهم اتخاذ القرارات دون التعرض لضغوطات خارجية او داخلية، وأن يخصص مجلس الادارة وقتا للنظر في المهام المنوطة به، مما يؤدي في النهاية الى بناء هيكل فعال ومتوازن لمجلس الادارة.

ثانيا: التحديد الواضح والسليم لمهام ومسؤوليات كل من مجلس الادارة والادارة التنفيذية ووضع آلية تتيح لمجلس الادارة الحصول على المعلومات والبيانات في الوقت المناسب. ثالثا: ضمان سلامة ونزاهة التقارير المالية الصادرة عن الشركة والتأكد من استقلالية وحيادية المدقق الخارجي عن الشركة. رابعا: ضمان وجود انظمة قوية للرقابة الداخلية وادارة المخاطر لقياس ومتابعة المخاطر التي تتعرض لها الشركة والتأكد من مدى كفاية أنظمة الضبط والرقابة الداخلية لديها. خامسا: تعزيز السلوك المهني والاخلاقي بوضع ميثاق عمل يشتمل على معايير ومحددات السلوك المهني والقيم الاخلاقية. سادسا: تنظيم عملية الافصاح والشفافية بشكل دقيق وفي الوقت المناسب ومراعاة الدقة والمتابعة المستمرة للبيانات، بما يضمن احترام وحماية حقوق المساهمين. سابعا: وضع نظم وآليات لتعزيز وتحسين وتقييم أداء مجلس الادارة ككل وأداء كل عضو على حدة واداء الادارة التنفيذية. أما بالنسبة لاهمية الحوكمة وتأثيرها على القطاع المالي فهي تعتبر القاعدة الاساسية لتحسين الاداء وتوفير اطار يساعد الشركة في ممارسة اعمالها ودورها في المجتمع بالشكل الامثل. فهي تشكل الهيكل الذي من خلاله يتم وضع اهداف الشركة ووسائل تحقيقها وتحديد مراقبة الاداء فيها.

وفي النهاية، لا ينبغي على الشركات النظر الى الحوكمة على أنها عبارة عن مجموعة من القوانين التي تسعى الحكومة الى فرضها عليها، وانما يجب النظر اليها بصورة ايجابية، وإلى القيمة الاضافية التي ستجنيها من تطبيق مبادئ الحوكمة، فالحوكمة تقوي دعائم استمرارية الشركة على المدى الطويل، وتضمن تحقيق المؤسسة أهداف المساهمين وتعزيز كفاءة أدائها وتعزيز الإجراءات الرقابية وإدارة المخاطر التي تتعرض لها، وتضمن عدم تعرض المؤسسة لأي عقوبات أو جزاءات بسبب حالات عدم الالتزام التي قد تترتب عليها مخاطر الخسارة المالية ومخاطر التعرض لإيقاف النشاط أو سحب التراخيص أو مخاطر السمعة بالسوق ومنع تعارض المصالح، وضمان سير العمل وفقاً للمبادئ والممارسات المثلى، وحماية مصالح كل الأطراف المعنية، وتوفير مناخ صحي من الثقة والأمان للمستثمرين، مما يساعد الشركة في الحصول على التمويل بأقل تكلفة ممكنة.

إذن، فالحوكمة تشجع على القيام بدور مجتمعي أكثر فاعلية، والقيام بنشاطات تعود بالنفع على المجتمع والبيئة والاقتصاد، ولا يوجد بديل يغني عن وضع نظام لأعمال الشركة وإدارتها لكي تصبح قادرة على النجاح والمنافسة سواء على المستوى المحلي أو الدولي.

* أستاذة التمويل في الجامعة الأميركية في الكويت

back to top