لماذا يا د. حسن جوهر؟

نشر في 24-11-2015
آخر تحديث 24-11-2015 | 00:01
 خليل علي حيدر صدمت من المقال الذي كتبه الزميل الفاضل د. حسن عبدالله جوهر عن الهجوم الإرهابي في فرنسا، بعنوان "الإرهاب ثمن السياسة الفرنسية". (الجريدة 17/ 11/ 2015).

وأخطر ما في المقال، وقد كتبه أستاذ جامعي لا صحافي هاو، أن د. جوهر لا يكاد يرى بأساً في هذه الجريمة المروعة التي نزلت بالفرنسيين والعالم المتحضر برمته، وفق الرؤية التي نستنتجها من المقال، وهي أن من الطبيعي أن نرى الجماعات الإرهابية مثل "داعش" وهي تضرب أي دولة "تتدخل" في شؤون العرب والمسلمين، أو تعتبر سياساتها "غربية واستعمارية"، بل ربما استحقت فرنسا على وجه الخصوص هذه العقوبة الرادعة، لما أنزلت بتلك الدول من أضرار!

فما حدث في باريس سببه كما يقول الكاتب، "غطرسة السياسة الفرنسية" و"طموحاتها الاستعمارية" وغير ذلك، فكان هذا الهجوم، وربما ما يستجد من هجمات في مدنها الأخرى ومدن أوروبا والغرب، مجرد عقاب وردّ فعل على جرائم فرنسا في الخارج، بعد أن "برزت باريس وكأنها الآمر الناهي في العالم العربي".

ثم إن د. جوهر وجّه جملة اتهامات لفرنسا وسياساتها الآنية والعامة دون دليل وتوثيق، كاتهامها بمعاداة العالم العربي والتناغم مع "داعش" وغيره لتقسيم العالم العربي.

ولا شك أن في هذا تهجما ظالما على دولة تؤوي ملايين المسلمين والعرب رغم كل ما تلقاه من كثيرين منهم من جحود وعداء وتكفير، وكذلك لما تقدمه فرنسا إلى العالم العربي والإسلامي من مساعدات وخبرات وخدمات.

لقد وجه د. جوهر بمقاله هذا ضربة شديدة كذلك لمجهودات عقلاء المنطقة الخليجية والعربية ضد الإرهاب ومفكريها وإعلامها ودبلوماسيتها، والذي كانت الكويت ضمن ضحاياه، بل أسند الكاتب بشكل غير مباشر إلى "داعش" وربما "بوكو حرام" و"القاعدة" دورا وطنيا جهاديا، ينصف "الشعوب المقهورة"، ويلقن أوروبا وأميركا، وربما حتى الدول الخليجية والعربية التي تتصدى للإرهاب.. دروسا لا تنسى!  وقد يتساءل القارئ: هل ما يغضب د.جوهر هو الدور الفرنسي والغربي ضد النظام في سورية، أم مجمل السياسة الفرنسية؟ فالمؤسف هنا وغير المفهوم في الوقت نفسه أن الأستاذ الفاضل يأخذ على السياسة الفرنسية أنها تتحالف وتنسق مع "الحكومات المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في دماء الشعوب العربية"، ولكنه لا يرسي في هذا المجال قاعدة منطقية راسخة.

فحتى لو سلمنا بصحة هذا الانتقاد وأدنّا معه السياسة الفرنسية، فماذا يقول مثلا عن السياسة الإيرانية وتدخلات الحرس الثوري وحزب الله في سورية وخارجها؟ فتدخل هذه الدولة تدخل رسمي وتصريحات المسؤولين متوالية، فهل يجوز كذلك شن هجوم إرهابي أو هجمات على طهران ومشهد ومصافي إيران النفطية وقتل رجال حدودها لمجرد تدخل إيران في سورية والعراق ولبنان واليمن وغيرها؟ وهل يجوز قتل المواطن البريء ثمنا لمعاقبة بلاده؟

إن إرهاب "داعش" يضرب بقسوة السعودية والكويت ومصر ونيجيريا وتركيا وليبيا وتونس، وهو يضرب في هذه الدول بعنف مدمر لا يقل إن لم يزد عن تدميره في فرنسا وأوروبا، دون أن تكون سياسات هذه الدول أو مواقف شعوبها قد أثارت عداء المسلمين والعرب لهذا الحد.

ثم كيف نفسر إرهاب "داعش" و"القاعدة" ضد الشيعة وضد السنة وضد المساجد والحسينيات؟ ما ذنب هؤلاء جميعا في ما تعانيه دول العالم الإسلامي؟

من الخطأ الفادح في اعتقادي أن يقف أي كاتب أو أكاديمي أو سياسي من قضية الإرهاب موقف "بن لكن"! فيقول إن ما يقوم به الإرهابيون جرائم خسيسة وإهدار لحقوق البشر واعتداء على أمن الشعوب، و"لكن" سياسات هذه الدولة أو تلك، وتدخلات أوروبا وأميركا، والسياسات الاستعمارية التي مورست في القرن الماضي، تجيزها وتجعلها مبررة وحتى مقبولة! أي أن بعض أشكال الإرهاب "مستحبة" وليست إرهابا في الواقع!

لا بد أن يكون موقف العرب والإيرانيين والأتراك والباكستانيين وسائر المسلمين معاديا ومضادا ومُدينا للإرهاب ولاستخدام وسائله في العلاقات الدولية، وأن تكون لنا إدانة واضحة للإرهاب في أميركا وأوروبا، وفي العالم العربي وإيران وكل مكان، وألا نحاول أن نبرر دوافع هذه الجماعات الإرهابية التي لا علاقة لها بأي هدف وطني أو إنساني. وقد استوقفني في مقال الزميل أخيراً نقده الحكومة الفرنسية ولومها بقسوة بسبب ما اعتبره د. جوهر ازدواجية المعايير وتغليب المصلحة الانتهازية على مبادئ الثورة الفرنسية وإرثها الإنساني والحضاري.

ولنا أن نتساءل إن كانت ملاحظة الأستاذ في محلها، لماذا لم يوجه مثل هذا النقد كذلك إلى الثورة الإسلامية الإيرانية؟ وإلى السياسة الإيرانية، وإلى ما جرى في تلك الثورة للحريات والمرأة ومصالح الإيرانيين والشيعة، وعن الثمن الفادح الذي يدفعه الإيرانيون والخليجيون والعرب وغيرهم ثمنا للانقلاب على مبادئ الثورة الإيرانية وتجاهل إرثها الإنساني والحضاري، حيث أدخلت بعض هذه السياسات الجميع في نفق مظلم؟!

وإذا كانت كل من فرنسا وإيران قد وضعتا مبادئ الثورة الفرنسية والثورة الإيرانية جانبا، وسارتا خلف مصالحهما السياسية أو الدينية أو غيرها، فلماذا نكيل بمكيالين فننتقد فرنسا ونسكت عن إيران؟

لقد أقدم "داعش" مؤخرا على جريمة دامية مروعة بحق شعب لبنان وشيعته في برج البراجنة موجها ضربته الانتقامية لحزب الله في "عقر داره"، وبالطبع لا بأس بموت من يموت من الآخرين أو يجرح أو يشل، ولا شك أن "داعش" برر لهذا العمل الوحشي بمبررات تبدو مقنعة لبعض الإسلاميين والجهاديين وأعداء الشيعة عموما باعتباره "خير رد" على "ما يقوم به حزب الله من جرائم في سورية".

أليس مثل هذا المنطق وليد ذاك؟

back to top