هزيمة داعش سياسياً ستستغرق سنوات

نشر في 04-01-2016
آخر تحديث 04-01-2016 | 00:01
يختلف منع «داعش» من النمو كل الاختلاف عن استعادة أراضيه، فيمكننا في العراق الاعتماد على الجنود المحليين، رغم ضعفهم أحياناً، ولكن في سورية لا تبدو القوات المقبولة مقسّمة إلى مئات الفصائل فحسب، بل تعتبر أيضاً الأسد عدوها الأول.
 ذي تيليغراف منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر قلل السياسيون مراراً من أهمية أعدائهم، فقد ظنوا أن حركة طالبان ماتت ودُفنت بعد عام 2001، إلا أنها عاودت الظهور بقوة، كذلك اعتبروا مهمتهم في العراق منجزة عام 2003، كما أعلنت تصريحات جورج بوش الابن في بزة الطيران الشهيرة على متن حاملة الطائرات الأميركية أبراهام لنكولن، لكن هذا البلد سرعان ما سقط في دوامة من إراقة الدماء الطائفية خلال السنوات التالية.

تعود متلازمة "سينتهي كل شيء بحلول عيد الميلاد" إلى دوافع سياسية واضحة: فمن الصعب الترويج لحرب مثيرة للجدل بين أفراد الشعب بالإقرار أنها قد تدوم سنوات، إذاً أحسن قادتنا على ما يبدو التعلم من هذه الأخطاء، صحيح أن أوباما أساء التعامل مع الأزمة في سورية بطرق عدة، إلا أنه أخبر الشعب الأميركي بصراحة أن الحرب ستستغرق ثلاث إلى خمس سنوات، وتحدث القادة البريطانيون عن جدول زمني مماثل، وهذا منطقي، فمن المؤكد أن حملة الإطاحة بـ"داعش" في مناطقه ستتجاوز السنة المقبلة، في حين أن منع ظهوره مجدداً سيستغرق فترة أطول بكثير.

لنتأمل في الوضع الراهن، صحيح أننا لم نفقد الأمل بالجبهة العراقية، إلا أن تقدمها بطيء، ولا شك أن استعادة سنجار شكل خبراً جيداً، وقد حررت القوات العراقية الرمادي لتوها، لكن قوى الأمن العراقية لا تزال تفتقر إلى العتاد، فلا تملك أسلحة أساسية مثل الصواريخ المضاد للدبابات، وما زالت تحتاج إلى أشهر كثيرة لتنفذ الهجوم الضروري كي تفوز بالجائزة الكبرى، الموصل، التي وسم سقوطها في شهر يونيو عام 2014 ظهور "داعش" على الساحة العالمية، وفي بعض المجالات يعتمد التقدم على مشاركة الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران.

 تبرع هذه القوات في القتال وعديدها كبير، إلا أن عقيدتها وسلوكها الطائفيين يهددان بإشعال الغضب السني، الذي مهد درب "داعش" نحو السلطة في المقام الأول، وبما أن هدفنا لا يقتصر على القضاء على "داعش"، بل يشمل أيضاً منعه من معاودة الظهور، فعلينا أن نمضي قدماً بحذر وبالتالي ببطء.

أما في سورية، فيبدو الوضع أكثر تعقيداً، صحيح أن الائتلاف يحقق تقدماً في قطع الإمدادات بين مقر "داعش" في الرقة في سورية والموصل في العراق، إلا أن هذه عملية مليئة بالصعوبات، فلا نملك الجنود على الأرض لنقيم نقاط التفتيش، وتخيل صعوبة تمييز شاحنة مدنية من أخرى تابعة للمتمردين بالاعتماد على كاميرات على ارتفاع آلاف الأمتار في الجو. إذاً، قد نتمكن من إعاقة حركة "داعش"، إلا أننا لن ننجح في وقفه تماماً.

علاوة على ذلك، يختلف منع "داعش" من النمو كل الاختلاف عن استعادة أراضيه، فيمكننا في العراق الاعتماد على الجنود المحليين، رغم ضعفهم أحياناً، ولكن في سورية، لا تبدو القوات المقبولة (الثوار المعتدلون السبعون ألفاً الذين تحدث عنهم ديفيد كاميرون) مقسّمة إلى مئات الفصائل فحسب، بل تعتبر أيضاً الأسد عدوها الأول. صحيح أن الولايات المتحدة وروسيا تناقشان السبل المتاحة للإطاحة بالإسد، إلا أن عملية فيينا المزعومة لم تتوقع تشكيل حكومة جديدة حتى منتصف عام 2017، كذلك تتباطأ روسيا اليوم آملة أن نرضى في النهاية بدعم الأسد من دون أن تُضطر موسكو إلى تقديم أي تنازلات، ولا شك أن وزير الخارجية الأميركية جون كيري، الذي اعتاد خلال السنوات الأربع الماضية التفوه بما قد يندم عليه لاحقاً، شجّع عن غير قصد موسكو لتتمسك بهذه الفكرة، وخصوصاً عندما صرّح: "تسعى الولايات المتحدة وشركاؤنا إلى تغيير النظام في سورية"، ورغم ذلك تُعتبر المسألة بسيطة: إلى أن يظهر جلياً أن الأسد ملتزم بالتخلي عن السلطة في النهاية، سيكون مستحيلاً من الناحية السياسية أن تنجح الدول الغربية في استمالة الثوار أو التعاون مع جيش الأسد أو قوات بوتين الجوية. إذاً، مَن سيقتحم الرقة؟

حتى خارج سورية والعراق، تبدو الصورة مقلقة، فيؤسس "داعش" فروعاً له من الجزائر إلى باكستان، يعمد هذا التنظيم إلى طبع اسمه على مجموعات محلية قائمة، بدل تأسيسها من الصفر، إلا أن هذا لا يجعلها بالضرورة أقل خطورة. فقد شكل فرع القاعدة في اليمن خطراً أكبر على الغرب، مقارنة بتنظيم القاعدة "الأساسي" في باكستان. قتل "داعش" حتى اليوم نحو ألف شخص في هجمات خارج العراق وسورية، مع تنفيذه اعتداءاته الكبرى في مصر، واليمن، وتركيا، وفرنسا، ولعل يد "داعش" الأكثر خطورة في ليبيا، حيث سمح الإخفاق في تشكيل حكومة وحدة لهذا التنظيم بتأسيس مجموعة من 3 آلاف عنصر تتركز حول مدينة العقيد معمر القذافي، سرت.

في ظل غياب صفقة سلام سريعة محتملة في سورية أو استبعاد إنزال جنود أجانب على الأرض، تبدو فرصة احتفاظ داعش بالرقة والموصل طوال عام 2016 كبيرة، تأمل الحكومات الغربية أن يفسح هذا في المجال أمام الدبلوماسية، مما قد يوسع بدوره الخيارات العسكرية، ولكن إن لم ينجح ذلك فقد نتمكن من احتواء "داعش" عسكرياً لا سياسياً، ففروع هذا التنظيم في الخارج والأفراد المناصرون له في أوروبا يزدهرون بمجرد استمراره.

* شاشانك جوشي | Shashank Joshi

back to top