تعديل مدد الاستيقاف والحبس الاحتياطي يعيد حجز المشتبه فيه 4 أيام وحبس المتهم 21 يوماً!

نشر في 04-11-2014 | 00:13
آخر تحديث 04-11-2014 | 00:13
نواب طالبوا بالتعديل لوجود مشاكل فنية تضر بالقضايا وتسمح بالإفراج عن المتهمين
بينما طالب عدد من نواب مجلس الأمة الحالي بالعودة إلى نظام الحبس الاحتياطي، بحبس المتهمين مدة 21 يوماً بدلاً من 10 أيام وباستيقاف المشتبه فيهم 4 أيام بدلاً من يومين والتي أقرها مجلس الأمة المبطل 2012 الأول أكد عدد من القانونيين عدم سلامة الأسباب التي استند إليها مقدمو الاقتراح والتي لا تدعو إلى تعديل القانون.

حظي الاقتراح بقانون المقدم من عدد من أعضاء مجلس الأمة الحالي بمطالبته بالعودة إلى مدد الحبس السابقة وهي جعل مدة الاستيقاف 4 أيام والحبس الاحتياطي مدة 21 يوما وإلغاء العمل بمواد قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الحالي، الذي قلص تلك المدد إلى يومين بدلا من 4 ايام، ومن 10 ايام بدلا من 21 يوما بردود فعل قانونية بين مؤيد للتعديلات ومعارض إلى عودة ما تمت تسميته بالدولة البوليسية.

وبينما يرى المؤيدون للتعديل عدم كفاية المدد الحالية للحبس الاحتياطي وضرورة العمل بالنظام القديم الذي يسمح لأجهزة التحقيق والإجهزة الأمنية العمل على التحقيق والاستدلال بشكل يسمح لها ذلك دون قيود، أكد المعارضون أن الاقتراح المقدم لم يقدم أية أسباب قانونية، وأن الاسباب التي قدمت فنية وبالإمكان معالجتها، ولا تبرر التعديل وأن عودة نظام الاستيقاف السابق والحبس الاحتياطي يضر بالمتهمين وبحقوقهم أمام جهات التحقيق.

يقول أستاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فيصل الكندري ان الاقتراح بقانون المقدم من النواب الخمسة بإلغاء القانون ٣ /٢٠١٢ الذي قلص مدة الحبس الاحتياطي يرتكز على أسباب فنية وليست قانونية ومن ثم فلا «أؤيد تعديل قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الحالي بالعودة الى النصوص السابقة لتعديل الحبس الاحتياطي والقبض لعدم وجود أسباب مدروسة تستوجب التعديل وتبرره»، لافتا إلى أنه إذا كانت هناك مشكلة في المدد القصيرة للحبس الاحتياطي والقبض فلماذا يتم إلغاء الضمانات الأخرى المنصوص عليها في القانون والتي لم يلتفت لها مقدمو الاقتراح، كالتظلم من قرارات الحبس الاحتياطي أمام رئيس المحكمة الكلية، وأن يفصل بالتظلم خلال 48 ساعة ووجوب حضور المحامي خلال فترة القبض والحبس مع موكله؟

وتساءل الكندري هل قدم مقدمو الاقتراح دراسة فنية لكون أنهم يستندون إلى الأسباب الفنية بأن القانون الحالي يتعارض مع مصلحة التحقيق والكشف عن الجرائم ويعيق عمل رجال الأمن؟ كما تساءل هل تقدمت جهات التحقيق المختصة بدراسة تبين أن القانون الحالي يتعارض مع عملها والكشف عن الجرائم ويعوق عمل رجال الأمن، إن كان بالفعل الأمر يتعلق بالمعوقات التي شرحها الاقتراح كمبرر للتعديل؟ سوى ما تم تقريره من أن تقليص مدد القبض والحبس الاحتياطي الواردة في القانون الحالي لا تتناسب مع بعض الجرائم، وهو ما يبرر إلغاء القانون بالكامل والعودة إلى القانون القديم، لافتا إلى أنه إن صحت تلك الأسباب الفنية، فهل الأولى تطوير أجهزة التحقيق والأمن والأدلة الجنائية لتتوافق مع القانون الحالي أم الأسهل هو الإلغاء؟!

جمعية المحامين

بدوره، أكد رئيس جمعية المحامين الكويتية المحامي وسمي الوسمي أن الجمعية لا ترى أي مبررات لتعديل قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بعودة مدد الحبس الاحتياطي السابقة، لأن التشريع الحالي والمقر منذ عامين عالج معضلة حقيقية بشأن مدة الحبس الاحتياطي ومدة القبض، مشيرا إلى أن الاقتراح المقدم من عدد من نواب مجلس الأمة، مع الاحترام لمقدميه، والذي يقرر زيادة مدة الحبس الاحتياطي والقبض ما هو إلا رجوع إلى الحقبة البوليسية وخاصة بشأن مدة القبض.

وأوضح الوسمي أن لجنة مراجعة القوانين الجزائية في جمعية المحامين برئاسة المحامي ناصر الحصبان انتهت في اجتماعها الذي عقدته الاسبوع الماضي بعد دراسة المقترح إلى أن «الاقتراح النيابي المقدم غير مبرر، وسيعيدنا إلى حقبة شهدت العديد من السلبيات التي كان يقررها القانون القديم، ولا توجد مبررات تدعو إلى عودته، ومن ثم فإن جمعية المحامين تعارض مثل هذا التعديل لأنه يضر بحقوق وضمانات المتهمين، ومن الأولى أن يعمل الإخوة النواب في مجلس الأمة على تبني تعديلات تشريعية من شأنها أن تكفل المزيد من الضمانات والحقوق للمتهمين والموقوفين على ذمة القضايا الجزائية».

تقليص

وأضاف أن التعديلات الأخيرة على قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية لم تقلص فترة الحبس الاحتياطي فقط، بل وضعت للمتهمين العديد من الضمانات أهمها تمكين المتهم من التظلم على قرار الحبس الاحتياطي على أن يفصل فيه خلال 48 ساعة، وكذلك حضور محاميه معه أثناء فترة القبض والحبس، ومثل تلك الضمانات لا يمكن إلغاؤها لمبررات غير واضحة وتضر من حقوق المتهمين والموقوفين، داعيا نواب المجلس إلى التمهل في الاقتراح المقدم منهم ودراسته والعمل على مطالبة الجهات الرسمية بمعالجة القصور الفني، إن وجد، والذي لا يستدعي، إن وجد، العمل على إلغاء قانون يكفل الضمانات والحقوق للمتهمين والموقوفين ويسمح لهم المثول بشكل سريع أمام قاضيهم الطبيعي.

لا أسباب قانونية

بدوره، قال عضو مكتب أركان للاستشارات القانونية المحامي د. فايز الفضلي إن المبررات التي استند إليها عدد من نواب مجلس الأمة لتعديل قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بشأن تقليص الحبس الاحتياطي لا تستند إلى أسباب قانونية، بل إلى أسباب فنية فقط لا تبرر العمل على نسف القانون بل تبرر مطالبة الجهات الرسمية بالدولة وجهات التحقيق والأدلة بتطوير أجهزتها لمواكبة هذه التعديلات التي دخلت حيز التنفيذ منذ عامين، مضيفا أن أي تعديلات يجب أن تكون لتوفير المزيد من الضمانات للمتهمين بما لا يضر العدالة، بالتأكيد العدالة لن تضار في أن تكون مدد الاستيقاف 48 ساعة ومدة الحبس الاحتياطي 10 ايام وبعد انتهائها يعرض المتهم أمام قاضي التجديد لمدد أخرى.

ويقول الفضلي إن التعديلات التي تمت على قانون الإجراءات بتقليص مدد الحبس الاحتياطي جاءت بعد مدة طويلة من الزمن من تطبيق القانون السابق، الذي أثبت تطبيقه العديد من السلبيات التي سمحت ببقاء الموقوف مدة 4 ايام وللحبس الاحتياطي 21 يوما رغم عدم وجود ما يبرر ذلك، كما أن توجه العديد من الدول المتقدمة هي لتوفير أكبر قدر ممكن من الضمانات بما لا يسمح ببقاء الموقوف مدد أطول بيد الأجهزة الأمنية لما يضر بموقف المتهم وبأقواله، وبقاؤه مدة يومين هي مدة كافية لا تبرر زيادتها إلى أربعة أيام، وقد تكون بدواعي المزاج البعيد عن رقابة القانون.

ويضيف الفضلي: «ان طالبي التعديل اليوم عليهم تقديم المبررات القانونية التي تدعو إلى تعديل القانون، وإثارة الأسباب الفنية ليست مبررا للتعديل، فالأجهزة الأمنية وأجهزة التحقيق والأدلة هي التي تتكيف مع التعديل التشريعي وليس العكس وهو أمر يتعين على الأجهزة النظر فيه سواء بزيادة عدد الإخوة المحققين أو النظر في إمكانيات الأجهزة الأمنية أو المسؤولة عن الأدلة».

إجحاف بحق النيابة

أما المحامي محمد الماجدي، وهو أحد المؤيدين للتعديلات المقدمة فيقول: «كنت ومازلت من المعارضين للحبس الاحتياطي الذي أقره مجلس 2012 المبطل الأول فهو وان كانت فيه بعض الحسنات إلا أن مساوئه أكثر من تلك الحسنات، لافتا إلى أن قانون الحبس الاحتياطي الحالي والذي يحتاج الى تعديل يقضي بأن يخلى سبيل المتهم خلال 4 أشهر و10 ايام إن لم يصدر به حكم وبقوة القانون.

ويضيف الماجدي ان القانون الحالي قلّص مدة الحبس المنوطة بالنيابة إلى 10 أيام بدلا من 21 يوما، وهذا به إجحاف بحق النيابة باعتبار أن هناك قضايا تحتاج إلى وقت أطول للتحقيق فيها وتبرر بذات الوقت مدة الحبس الاحتياطي، مشيرا إلى أن جرائم غسل الأموال على سبيل المثال تحتاج الى وقت لارتباطها بجهات كالبنوك وتتطلب من النيابة العامة وقتا أكبر للتحقيق فيها والتحفظ على المتهم لحين الانتهاء من التحقيق، وكذلك القضايا المرتبطة بقضايا أخرى او متهمين واطراف آخرين فيها فتحتاج إلى المزيد من الوقت للتحقيق فيها والتحفظ على المتهم لحين الانتهاء من التحقيق.

وكذلك جرائم القتل التي تحتاج الى وقت ايضا للتحقيق والتحري والتقارير الطبية اللازمة لذلك، خاصة اذا تعدد المتهمون والشهود والإصابات فلا يعقل أن يطلق سراح القاتل وبقوة القانون خلال مدة اقصاها 4 أشهر و10 ايام علما بأن أغلب جرائم القتل تحتاج إلى وقت يفوق المدة تلك.

ويضيف انه عندما نشر قانون الحبس الاحتياطي في الجريدة الرسمية تم الإفراج عن متهمين في 6 قضايا قتل، منهم وافدان، بقوة القانون وهو أمر يضر بالعدالة، لافتا إلى أن قانون الحبس الاحتياطي المراد تعديله به قصور فاضح وخلل يحتاج الى معالجة وتعديل وذلك لأنه لم يفرق بين القضايا وبين غل يد المحكمة في التحفظ على المتهم بعد مدة الـ4 أشهر و10 ايام مما يتسبب في افلات كثير من المتهمين من العقوبة لاحقا، وخاصة الوافدين، او القضايا التي تهدد الأمن والاستقرار وهو الأمر الذي يدعونني إلى المطالبة بتعديله حفاظاً على حقوق المتضررين والنظام العام قبل المحافظة على حقوق المتهم الذي وضع نفسه طواعيةً في محل الشك والريبة.

 ردة في مجال الحريات

من جانبه، يقول الباحث بالدكتوراه للقانون الجزائي في المملكة المتحدة، أسامة خدادة، إن المشكلة في الاقتراح المقدم من عدد من أعضاء مجلس الأمة لا تكمن فقط في إلغاء ضمانات جوهرية في قانون ٢٠١٢، وإن كان هذا يعتبر ردة في مجال الحريات، وذلك لأن الحبس الاحتياطي أشد إجراءات التحقيق مساسا بحرية الأفراد، ولكون المحبوسين احتياطيا مجرد متهمين لم تثبت إدانتهم بعد، وإنما الإشكالية بالطريقة المتخبطة التي يتبعها المجلس بإلغاء وسن وتعديل القوانين، وخاصة ما يتعلق منها بحريات الأفراد.

ويضيف خدادة قائلا: سؤالي لمقدمي الاقتراح من النواب: ما هي الأسس والأبحاث أو الدراسات التي تم الاعتماد عليها في هذا الطلب، والتي أثبتت فشل القانون الجديد حتى يتم إلغاؤه، وما جدوى القانون القديم حتى يتم الرجوع إليه؟ وما هي الأدلة التي اعتمد عليها مقدمو الاقتراح للجزم بأن قانون ٢٠١٢ تسببت في إفلات المجرمين من الجرائم التي ارتكبوها؟

وهل تم استدعاء الجهات القضائية المعنية في اتخاذ قرارات الحبس الاحتياطي وتجديده (القضاء، النيابة، التحقيقات) لأخذ رأيها ومعرفة سلبيات قانون ٢٠١٢ والآلية المناسبة لتطبيقه؟

ويبين خدادة قائلا: إن كانت الحجة بالمدد القصيرة التي لا تتناسب مع بعض الجرائم، فلماذا يلغى القانون بأكمله وتسلب الضمانات الجوهرية مثل تسبيب أمر الحبس وحق التظلم منه، في حين يمكن تعديل بعض النصوص بما يتناسب مع جسامة الجرائم المرتكبة، فعلى سبيل المثال في إنكلترا وويلز إخلاء سبيل المتهم في بعض القضايا مثل القتل يستوجب تسبيب القاضي لإخلاء السبيل إذا رأى إخلاء سبيل المتهم بكفالة أو من دون كفالة، أما القول بتقييد حريات الأفراد بسبب طلب من جهة أو أخرى وإن كانت قضائية، وذلك لأسباب عملية، والتي قد تكون نقصا في العنصر البشري أو عدم وجود آلية لتطبيق القانون تتماشى من المدد القصيرة، فبرأيي أن هذه الحجة لا تصلح وحدها كأساس لإلغاء القانون الحالي، وإنما علينا تطوير نظامنا الجنائي والأجهزة القائمة عليه، بما يتناسب مع العصر الذي نعيشه.

الحقوق المدنية والسياسية

يقول خدادة إن النصوص المتعلقة بالحبس الاحتياطي كان يجب أن تعدل من قبل المجلس مباشرة بعد تصديق الكويت على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بموجب القانون رقم ١٢ لسنة ١٩٩٦، وذلك لما فيه من ضمانات تتعارض والقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٦٠، ولكن المجالس المتعاقبة أغفلته ولم تتعرض له إلا عندما دخلت البلاد في حال من عدم التوازن السياسي، ما جعل الأمر عرضة للتسييس، وبرأيي الشخصي - وقد أكون مخطئا - الأسلوب المتبع اليوم هو أسلوب مماثل لما فعله المجلس المبطل الأول، وهو رد فعل سياسي غير مدروس أو مبني على أساس علمي كما هي الحال في البرلمانات العريقة، والتي يكون أساس التشريع فيها مبنيا على دراسة، ولكن قد يشفع للمجلس المبطل الأول أنه أوجد ضمانات لحرية الأفراد تتماشى مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فماذا سيشفع لمقدمي الطلب والمجلس الحالي إذا أعيد العمل بالقانون القديم وسلبت هذه الضمانات؟ 

back to top