ما التالي في تركيا؟

نشر في 12-06-2015
آخر تحديث 12-06-2015 | 00:01
في ظل الدستور التركي الحالي يستطيع الرئيس أن يدعو إلى انتخابات أخرى إن أخفقت الأحزاب في تشكيل حكومة والفوز بالثقة في غضون 45 يوماً، ومن الضروري إجراء هذه الانتخابات في غضون ثلاثة أشهر من تلك الفترة، لكن أردوغان ما زال يحمل بضع أوراق في جعبته.
 جيوبول إنتيليجنس بحلول الظهيرة في تركيا في الثامن من يونيو، كان أكثر من 96.6% من الأصوات في ما يفوق المئة والأربعة والسبعين ألف مركز اقتراع في الانتخابات البرلمانية التركية قد أُحصي، والنتيجة: خسر حزب العدالة والتنمية أكثريته البرلمانية، في حين نجح حزب الشعوب الديمقراطي، محبوب القوى الديمقراطية والليبرالية الجديد في تركيا، في تخطي عتبة الـ10% غير الديمقراطية، حاصداً 13.1% من الأصوات.

جاء توزيع المقاعد في البرلمان التركي الجديد كما يلي:

• 258 مقعداً لحزب العدالة والتنمية الإسلامي (40.9%).

• 132 مقعداً لحزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيس (25%).

• 80 مقعداً لحزب الحركة القومية التركي (16.3%).

• 80 مقعداً لحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد (13.1%).

كان الإقبال على صناديق الاقتراع عالياً مع اقتراع نحو 86% من الناخبين، ويعني هذا أن عدد الناخبين فاق مجموع مَن شاركوا السنة الماضية بنحو 3%، مقارنة بنحو 83.16% في الانتخابات العامة لعام 2011.

في الانتخابات العامة عام 2011، فاز حزب العدالة والتنمية بـ327 مقعداً مستحوذاً على 49.83% من الأصوات، مع حصول حزب الشعب الجمهوري على 135 مقعداً مع نسبة 25.98% من الأصوات والحركة القومية التركية على 53 مقعداً مع 13.01%، أما حزب الشعوب الديمقراطي فلم يكن له وجود آنذاك، وقد انتُخب 35 نائباً مستقلاً موالون للأكراد.

لا مجال للجدل اليوم في فوز حزب الشعوب الديمقراطي، ومن المؤكد أن الخاسر الأول يبقى رجب طيب أردوغام في ما يُعتبر عموماً استفتاء ضمنياً بشأن عهده الرئاسي، بعد أن انتخب قبل أقل من سنة مع 52% من الأصوات خلال الجولة الأولى، أطلق أردوغان حملة شرسة بغية حصوله على أكثرية قوية تمكنه من تعديل الدستور لمنح تركيا نظاماً رئاسياً ونفسه سلطات تنفيذية.

ذكر صلاح الدين دميرتاش، نجم كردي يزداد بروزاً في السياسة التركية، في خطاب الفوز عشية الانتخابات: "ابتداء من هذه الساعة، انتهت المناظرة بشأن الرئاسة وبشأن الحكم المستبد، وهكذا تفادت تركيا كارثة وشيكة"، ولاقت كلماته هذه الترحيب من الحشد الفرح، كذلك نادى الحشد مخاطباً أردوغان: "منعناك أنت من أن تصبح الرئيس [الذي تريده]".

في مستهل الحملة، سعى أردوغان لمنح حزب العدالة والتنمية 400 مقعد، لكنه ما لبث أن خفض توقعاته إلى 330 مقعداً، وهو العدد الضروري لإجراء استفتاء بشأن تعديل الدستور، وفي الأسبوع الأخير أعلن اكتفاءه بنحو 276 مقعداً، علماً أن هذا يمثل الحد الأدنى للأكثرية الضرورية لتشكيل حكومة من حزب واحد.

لكن النتيجة واضحة: لم يخسر حزب العدالة والتنمية نحو 10% فقط من دعمه السابق، بل فقدَ أيضاً، رغم  بقائه الحزب الأكثر شعبية، نحو 70 مقعداً، وما زال يحتاج إلى 18 مقعداً ليؤلف حكومة من حزب واحد، وهذه المرة الأولى منذ عام 2002 التي يخسر فيها حزب العدالة والتنمية، الذي فاز بهامش كبير عام 2007 و2011، حقه بتشكيل حكومة من حزب واحد.

سرعان ما فتحت نكسة أردوغان وحزب العدالة والتنمية الكبيرة هذه الباب على الكثير من التخمينات بشأن التالي. فبما أن أردوغان ما عاد قارداً على تشكيل حكومة حزب واحد مع التوزيع الحالي لمقاعد البرلمان الـ550، فمن الضروري أن يحظى أي ائتلاف حزبي على الثقة بالتصويت ليبدأ بإدارة شؤون البلاد، أما الخيار الآخر فيشمل تشكيل حكومة أقلية، إن توافر لها الإجماع الداعم، ولا داعي لأن نذكر أن حكومة مماثلة ستكون تحت رحمة الأحزاب التي تعتمد عليها.

في ظل الدستور التركي الحالي يستطيع الرئيس أن يدعو إلى انتخابات أخرى إن أخفقت الأحزاب في تشكيل حكومة والفوز بالثقة في غضون 45 يوماً، ومن الضروري إجراء هذه الانتخابات في غضون ثلاثة أشهر من تلك الفترة، لكن أردوغان ما زال يحمل بضع أوراق في جعبته، مع أنه قد يكون متردداً في اتخاذ خطوة مماثلة لأن إعادة الانتخابات تشكل سيفاً ذا حدين له ولحزب العدالة والتنمية.

تمثل نتائج الانتخابات مؤشراً إلى توازن القوى الجديد في تركيا، الذي لن يتبدل على الأرجح في غضون ثلاثة أشهر. وإن تبدل، فقد يزيد هذا التبدل موقف أدروغان وحزب العدالة والتنمية سوءاً، فقد بات جلياً اليوم أن من الممكن وقف أردوغان، وأن حزب العدالة والتنمية لم يعد قوة لا تقهر.

ستشمل إحدى عواقب الانتخابات الأولى مناظرة داخلية في حزب العدالة والتنمية، صحيح أن رئيس هذا الحزب، رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، أدلى بخطاب النصر من شرفة مقر الحزب في أنقرة، إلا أن تعليقاته لم تكن مقنعة البتة.

أحاط بداود أوغلو كبار مسؤولي الحزب، مثل نائب رئيس الوزراء بولنت أرينك، ونائب رئيس الوزراء السابق بشير أتالاي، ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، وكانت وجوههم كلها جامدة، وقد نظروا إلى الأرض بدل أن يعربوا عن الموقف الفرح الذي حاول داود أوغلو إضفاءه خلال خطابه، كما لو أنه ما زال يحاول حشد الدعم.

ورد في تغريدة تناقلها كثيرون: "على أحد أن يذكر داود أوغلو أنهم ما عادوا في السلطة، أنهم خسرون 10%، أي نحو 6.5 ملايين صوت، وأنهم تراجعوا من 311 مقعداً إلى 258".

على نحو مماثل، ذكّرت Diken، وسيلة إعلامية رقمية واسعة النفوذ، القراء بأن داود أوغلو أعلن في التاسع من مايو أنه "سيستقيل في الثامن من يونيو"، إن لم يفز حزب العدالة والتنمية بالأكثرية البرلمانية.

قد تعيد المناظرة، التي قد تنشب داخل صفوف حزب العدالة والتنمية، جذب الرئيس السابق ومؤسس الحزب عبدالله غول إلى هذا الحزب، وسنشهد بالتأكيد لعبة توجيه أصابع الاتهام: هل يعود ذلك إلى أردوغان أم خلفه "غير الملائم" داود أوغلو؟ يجعل غياب الوحدة هذا خيار تشكيل حزب العدالة والتنمية حكومة أقلية احتمالاً ضعيفاً مع تربع داود أوغلو على رأسها، حتى لو نجح في البقاء على رأس الحكومة.

ما زال من المبكر معرفة الخطة التي قد يتبعها أردوغان، فللمرة الأولى منذ أشهر، لم يظهر أمام الكاميرات، وأدلى بتصريح خطي قاتم بعد يوم من الانتخابات.

ما زال من المبكر أيضاً تحديد ما إذا كان سيسعى لإجراء التغييرات في قيادة حزب العدالة والتنمية أو ما إذا كانت صفوف الحزب ستنتفض ضده، ولكن لا يمكننا أن نستبعد أياً من هذين الاحتمالين في الوقت الراهن.

اقترح أرينك في 8 يونيو أن تشكل الأحزاب الثلاثة المعارضة (حزب الشعب الجمهوري، حزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي) حكومة ائتلافية، لكن زعيم حزب الحركة القومية أعلن عن غير عمد على الأرجح عشية الانتخابات أنه لن يشارك في أي ائتلاف، مقترحاً بدلاً من ذلك ائتلافاً بين حزب العدالة والتنمية، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي، كذلك شدد على أن حزب الحركة القومية مستعد لانتخابات باكرة.

على نحو مماثل، أصدرت قيادة حزب الشعوب الديمقراطي أنها ترفض أي ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية، وأنها لن تقدم له أي دعم، إذاً لا يبدو أن أي ائتلاف يضم حزب الشعوب الديمقراطي أو حزب الحركة القومية سيبصر النور، لا بل يبدو مستبعداً تماماً.

ما زال من المبكر التحدث عن أي ائتلافات بديلة، سواء بين حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة والتنمية أو بين حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي.

يقف حزب العدالة والتنمية اليوم على شفير أزمة داخلية، ويبدو أشبه بقوة سياسية متزعزعة في حالة تراجع، ولا شك أن ائتلافا مع حزب العدالة والتنمية سيشكل قبلة العنكوب المميتة بالنسبة إلى الأحزاب الناشئة أو حزب الشعب الجمهوري الذي لم يحقق أي مكاسب، إلا أنه حافظ على مكانته في معادلة السياسة المعقدة في تركيا.

تشير كل الدلالات إلى أزمة سياسية أو حالة جمود في تركيا، فلا يتوافر في الوقت الراهن أي بديل مرجّح، سواء كان تأليف حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية أو إجراء انتخابات جديدة.

سنشهد قريباً مناورات سياسية حادة، وقد يترافق مرور الوقت مع تطورات اقتصادية سيئة تزيد الخروج من هذه الأزمة بالاستناد إلى إجماع وطني تعقيداً، ورغم ذلك لم يشكل أي من هذه التقلبات مفاجأة، بل كانت كلها متوقعة.

ولكن بغض النظر عما تخبئة الأيام المقبلة، يُعتبر اليوم يوم فرح لتركيا لسبب بسيط: في السابع من يونيو، تفادت الأسوأ.

* جنكيز جندر

back to top