سمّ يتحدّى الزّمن

نشر في 28-01-2014
آخر تحديث 28-01-2014 | 00:01
عثر باحثون في مخزن على مجموعة نادرة من سموم الثعابين كانت قد حفظت داخل صناديق. وقد تبيّن أنّ بعض هذه السموم ما زال فاعلاً رغم انقضاء ما يقارب الثمانين عاماً على تخزينها.
درس فريق من العلماء، بقيادة {براين فراي} وهو بروفيسور معاون في جامعة كوينزلاند الأسترالية، مجموعة سموم تحتوي على عينات من أماكن اندثرت معالمها اليوم.

في حديث إلى مجلة الـ{بروتيوميات للعلوم»، توقّع فراي أنّ تسلّط هذه المجموعة الضوء على عملية تطوّر السموم وأن تساهم في تطوير مركّبات قد تصبح في ما بعد عقاقير وأدوية.

تعود الصناديق التي تمّ اكتشافها إلى ستروان ساذرلاند، {عرّاب الأبحاث المتعلقة بالسم في أستراليا}. وضع ساذرلاند تقنية الاستيقاف بالضغط وهي إحدى طرق الإسعافات الأولية المستخدمة في العلاج من لدغات العناكب والثعابين والحشرات. عمل في الفترة الممتدّة بين عام 1966 و1994 في مختبرات Commonwealth Serum Laboratories قبل أن يشغل منصب مدير وحدة Australian Venom Research Unit حتى تقاعده في العام 1999. توفي في عام 2002.

حفظ وتجميد

مع استلام فراي منصب نائب مدير الوحدة المذكورة، عمل على فهرسة محتويات المخزن. يروي ما حصل معه قائلاً: «بدا مجمل المحتويات عاديّاً جدّاً إلى أن وقعت على هذين الصندوقين. كان ذلك بمثابة مشهد عثور إنديانا جونز على الكأس المقدّسة». ويضيف: «بعض هذه العينات بالغ الأهميّة لأنه يحتوي على سم أفاعي النمر التي تعيش في جزر نائية في مضيق «باس». أمّا العيّنات الأخرى فتمّ جمعها من أحجار الأفاعي في مناطق البرّ الرئيس. إلا أنّه تمّ القضاء على هذه الأحجار من خلال قطع الأشجار أو بهدف الزراعة. تبيّن لنا أيضاً أنّ بعض النماذج استخرج من ثعابين ميتة. ولكن يستحيل اليوم الحصول على مثل هذه السموم، خصوصاً بعد إدخال ضفادع القصب التي تقضي على هذه الثعابين» .

تمّ حفظ أو تجميد السموم التي يعود تاريخها إلى السنوات بين 1935 و1979 في مكان جاف ومظلم داخل أنابيب زجاجية ذات سدادات مطاطية. وأظهرت الاختبارات أنّ العينات كلّها باستثناء واحدة كانت لا تزال فاعلة وأنّ أيّ تغيير لم يطرأ على بروتينات السموم. يقول فراي في هذا الصدد: «لم نصدّق أنّها ما زالت فاعلة»، مشيراً إلى أنّ السدادة المطاطية للسم الذي فسد كانت قد تآكلت، ما سمح بدخول الرطوبة إلى الأنبوب. إذاً، المتغيّر الأساس في المسألة هو الرطوبة: يرتبط الحفاظ على فاعلية السم بحفظه في مكان جاف.

الهدف

أخذ فراي وزملاؤه عينات صغيرة من مختلف أنواع السموم وأعادوا الكمية المتبقية بدقة تامّة لإجراء اختبارات مستقبلية عليها. قال فراي: {نريد إجراء بعض الاختبارات الكيماوية-الحيوية الأولية لمعرفة ما الذي يبقي البروتينات ثابتة بهذه الطريقة. كذلك، سنبدأ البحث عن طريقة تساعدنا على تصميم الأدوية وتطويرها. إذا أردنا العثور على طريقة جديدة ومذهلة للحصول على دواء من السموم فمن المرجّح أن تقدّم الثعابين التي تعيش على الجزر شيئاً بهذا الصّدد لأنها عاشت وحدها على الجزيرة واتّبعت مساراً تطوّرياً خاصّاً بها. أما من منظار تطوّري، فستساعدنا {عينات الجزيرة} على فهم عملية تطوّر السم تدريجاً}. ثمّ أوضح أنّ سموم الثعابين التي تنتمي إلى النوع عينه قد تختلف مع اختلاف المكان فسمّ الأفاعي الجرسية التي تعيش في الجبال في الولايات المتّحدة يختلف عن سمّ تلك التي نصادفها على بعد ساعة فقط في منطقة صحراوية. يستهدف سمّ الأولى الأعصاب فيما يستهدف سمّ الثانية الدم؛ علماً أن سمّ الأفاعي يحتوي عادة على مئات البروتينات المختلفة.

إلا أن القشعريرة أصابت فراي عندما عاين نموذجاً استثنائياً يعود إلى أفعى التايبان والمستخدم كمضاد للسمّ. يروي فراي كيف تمكن كيفن بادن الذي كان في العشرين من عمره من الإمساك بأفعى التايبان التي لدغته إلا أنه حرص على وضعها داخل الصندوق بإحكام ليتم نقلها إلى ملبورن قبل أن يتوجّه إلى المستشفى حيث توفيّ في اليوم التالي. {إنّها فعلاً سخرية القدر أن تكون الأفعى التى خلّصت حياة كثيرين قد تسببت بموت من عثر عليها}، يقول فراي.

تركيبة معقّّّدة

تعليقاً على الدراسة، قال جيف داجن، اختصاصي في علم السموم وبروفيسور مساعد في جامعة سيدني، إن ظروف تخزين العينات وشروطها كانت مثالية، موضحاً أن العلاجات غالباً ما يتمّ استخراجها من السموم، ومؤيّداً فكرة احتمال اكتشاف الأدوية عن طريق الأفاعي التي تعيش على الجزر. كذلك أشار إلى أن السموم تحتوي على مجموعة هائلة من العناصر والمركبات. يشبّه داجن في مقاربة مبسّطة غدد السمّ بالغدد اللعابية والسم باللعاب، مفترضاً أن تكون هذه الغدد قد تشكّلت بسبب اللعاب. ويضيف: {مع هذا الكمّ الهائل من المكونات التي تحويها السموم، يرجّح جدّاً اختلافها حتّى لدى الأفاعي التي تنتمي إلى النوع عينه}، معتبراً أن الثعابين التي تتمتّع بالسم الأكثر فاعلية في مكان محدّد هي التي تبقى على قيد الحياة لمدة أطول.

back to top