أميركا تدفع الثمن وإيران تقدم وعوداً!

نشر في 20-11-2013
آخر تحديث 20-11-2013 | 00:01
بحض من البيت الأبيض بقيادة أوباما، كنا (أي الغرب) مستعدين لتوقيع صفقة مع آيات الله في النظام الإيراني النووي. وكانوا سيحظون نتيجة ذلك بالمليارات مع رفع العقوبات، وسيقدمون لنا في المقابل وعداً بأنهم سيطورون أسلحتهم النووية ببطء أكبر.
 ناشيونال بوست أتعجب: لكم من الوقت سنواصل خداع أنفسنا بشأن قدرتنا على إقناع مارد المعارف النووية بالعودة إلى المصباح؟ أو بكلمات أخرى، لكم من الوقت سنواصل تمسكنا بأوهام الحد من انتشار الأسلحة النووية؟ فعندما تحصل الأمم على المعرفة النووية، تعتمد الخطوات اللاحقة على توافر أحوال سياسية واقتصادية معينة. وما هذه إلا مسألة وقت. نتيجة لذلك، لا نتفاجأ من كثرة الدول التي طورت أسلحة نووية منذ توقيع الدول الخمس الأساسية (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفياتي، المملكة المتحدة، فرنسا، والصين) معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية عام 1968 بل من قلتها.

بعد 45 سنة، ثَبُت حتى اليوم انضمام ثلاثة بلدان إلى نادي الدول النووية: الهند (1974) وباكستان (1998) وكوريا الشمالية (2006). كذلك تتحدث التقارير عن دولة نووية إضافية غير مثبتة، ألا وهي إسرائيل التي ترجع قدراتها النووية العسكرية إلى ستينيات القرن الماضي. لم توقع أي من هذه الدول على معاهدة عام 1968. لذلك لا تنتهك بنود هذه المعاهدة. أما بالنسبة إلى الدول غير النووية، فتفرض عليها بنود هذه المعاهدة ألا تصبح دولاً نووية، في حين أن القوى النووية الخمس ملزمة بمشاطرة فوائد التكنولوجيا الذرية السلمية مع سائر الأعضاء.

من المتعارف عليه أن الفارق بسيط بين الأهداف النووية السلمية والعدائية من الناحيتَين العلمية والتكنولوجية. ويرجح كثيرون أن تكون البرامج الحسنة النوايا، مثل "ذرَّة من أجل السلام"، قد أدت دوراً كبيراً في انتشار "الذرَّة من أجل الحرب". لكن هذه المعارف كانت ستصبح متوافرة لكثيرين في مطلق الأحوال عاجلاً أو آجلا. إلا أن السؤال الأهم كان: مَن يستطيع استخدامها ولأي أغراض؟

عرفنا الجواب بسرعة. فكما هو متوقع، تملك الأمم التي سعت للحصول على أسلحة نووية منذ عام 1968 عدداً من القواسم المشتركة. فلم تكن أي منها دولة ديمقراطية شبيهة بما نراه في الغرب. وتقع كلها في مناطق نزاع، وتملك علاقات مضطربة مع جيرانها أو أسوأ. كذلك لا تستطيع هذه الدول تحمل كلفة هذه التكنولوجيا المتطورة التي تحلم بها، أو ما كانت تستطيع ذلك لولا عائدات النفط أو السلب والابتزاز. ويشمل حكام هذه الدول طغاة مارقين، مثل الرئيس الليبي معمر القذافي والرئيس العراقي صدام حسين، علماً أن القذافي ظل يسعى لتحقيق طموحاته النووية حتى عام 2003 وتخلى عنها بعدما شهد الهزيمة النكراء التي لحقت بصدام (إلا أن هذه الخطوة لم تنقذه من هزيمة مماثلة بعد بضع سنوات).

تبدو سخرية الأقدار واضحة في مصير صدام. فقد تخلى هذا الرئيس العراقي، على ما يبدو، عن برنامجه النووي قبل بضع سنوات. ولكن كي يحافظ على مكانته كأحد كبار حكام المنطقة المستبدين، تعاطى مع مفتشي الأمم المتحدة بغموض في مسألة أسلحة الدمار الشامل. فكان هذا أشبه بقاصر منحرف يشهر مسدساً غير حقيقي في وجه الشرطة. لا شك في أن برنامجك النووي لا يستأهل أن تضحي بحياتك من أجله. إلا أن هذا هو العرف النووي المتبع بين الطغاة، عرف جعل صدام يضحي بحياته في سبيل برنامج نووي لا يملكه. ومن الجيد معرفة أن الديمقراطيين ليسوا وحدهم أغبياء.

لكن الديمقراطيين أغبياء بما فيه الكفاية. صحيح أن الحد من انتشار الأسلحة النووية كان هدف بعض الإدارات الأميركية، إلا أنها لم تستطع التوصل إلى السياسات الملائمة لتحقيقه. على سبيل المثال، لجأ "القائد العظيم" في كوريا الشمالية، كيم إيل سونغ، جد الحاكم الحالي، عام 1994 إلى تهديد مخيف ليحافظ على نظام حكمه المستبد الذي استوحاه من ماو تسي تونغ. صحيح أن الحاكم الكوري الشمالي ما كان قادراً على إطعام شعبه، إلا أنه أعلن أن دولته، التي غزتها المجاعة، تطور أسلحة نووية.

كان كلينت إيستوود سيجيبه: "هيا، لا تتردد". لكن كيم المسن أصاب في قوله إن شاغل البيت الأبيض حينذاك لم يكن كلينت إيستوود. فلم يسارع بيل كلينتون إلى الرد عليه بفظاظة أو حزم، بل عرض على نظام كيم المستبد المتعطل مجموعة من المغريات. في المقابل، وعد كيم الجد بالامتناع عن إعادة معالجة البلوتونيوم وتخصيب اليورانيوم، عمليتَين ضروريتَين لإنتاج أسلحة نووية. ولكن بعد موت القائد العظيم، أقر ابنه، "القائد المحبوب" كيم، بأن والده واصل إعادة معالجة البلوتونيوم وتخصيب اليورانيوم. نعم، قام بذلك، مع أنه أعلن العكس. يا لها من مفاجأة! ولم تقف المسألة عند هذا الحد. فقد سار "القائد المحبوب" كيم على خطى "القائد العظيم" كيم إلى أن اهتزت الأرض في كوريا الشمالية ذات يوم قبل سبع سنوات بمقدار 3+ نقاط على مقياس ريختر. وأكد علماء الجيولوجيا أن الطبيعة لم تكن السبب. فقد ادعت بيونغ يانغ أنها أجرت اختباراً نووياً، وصدقت. وهكذا انضمت المملكة الكورية الشيوعية، موطن الرجل الذي لا يتعدى طوله 155 سنتيمترا، إلى الولايات المتحدة، وبريطانيا العظمى، وفرنسا، وروسيا، والصين، وباكستان، والهند، وصارت العضو الثامن في نادي الدول النووية.

ولكن كيف استطاع الكوريون الشماليون تحمل كلفة هذا التطور؟ لم يستطيعوا، بدون وجودنا نحن. فقد دفعنا نحن ثمن ذلك. وكنا سنقترف الخطأ عينه مع إيران لو لم يوقفنا الفرنسيون.

بحض من البيت الأبيض بقيادة أوباما، كنا (أي الغرب) مستعدين لتوقيع صفقة مع آيات الله في النظام الإيراني النووي. وكانوا سيحظون نتيجة ذلك بالمليارات مع رفع العقوبات، وسيقدمون لنا في المقابل وعدا بأنهم سيطورون أسلحتهم النووية ببطء أكبر.

نعم، هذه كانت الصفقة. لم أختلق ذلك. نحن ندفع الثمن، وهم يقدمون وعوداً. هذا بيت القصيد، حتى لو عبّر متحدث باسم أوباما عن هذه المسألة بعبارات مختلفة.

قد تتساءلون: "ماذا إن لم يفِ آيات الله بوعودهم؟". لا تقلقوا بهذا الشأن. لنفترض أنهم وفوا بوعدهم. لنقل إن آيات الله صانوا كلمتهم ولم تنضم إيران إلى نادي الدول النووية إلا بعد سنة أو حتى سنتين. فهل يُعتبر هذا حداً لانتشار الأسلحة النووية؟

كلا، هذا وهم وخداع للنفس. فنحن بذلك نحاول إعادة المارد إلى داخل المصباح. تُظهر الوقائع أن الأسلحة النووية تنتشر لا في الدول المسالمة، بل في الأنظمة المستبدة. وهنا ينشأ السؤال: متى سنضع حداً لهم؟ اليوم بعد أن أصبح ذلك مكلفاً جداً أم غداً حين يكون الأوان قد فات؟

George Jonas

back to top