«ثقافة الحش» في مجتمع الخبراء

نشر في 29-12-2012
آخر تحديث 29-12-2012 | 00:01
 د. وليد خالد الفلاح كل مواطن له رأيه الخاص في كل موضوع مطروح على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وهو يعتقد جازماً أن رأيه صحيح ورأي غيره خطأ. وكل موظف يري أنه يفهم أفضل من رئيسه في العمل، وأنه قادر على إدارة الوزارة بشكل يفوق قدرة الوزير. بمعنى أن كل مواطن خبير، وكل موظف وزير، واستخدام كلمة "كل" هو للمبالغة في الطرح للتعبير عن انتشار هذا الإحساس لدى الناس في الدولة.

إذن نحن أمام "آراء شخصية بحتة"، وليس هناك إجماع في الرأي يمكن أن يطلق عليه "رأي عام"، ومن هذا المنطلق فإن الحديث عن قضايا مجتمعية مثل الوحدة الوطنية ومصلحة الدولة والتخطيط للأجيال القادمة هو ضرب من الخيال، ونمط من الأوهام لا فائدة منه، ولن يحقق أي إنجاز على أرض الواقع.

من يتأمل في ما ينشر من مقالات على صفحات الجرائد اليومية وما يطرح من آراء من خلال وسائل الإعلام المختلفة، قد يعتقد أن الكويت دولة مثالية يسكنها أناس مثاليون لديهم الحلول المثالية لكل المشاكل والأزمات، وستكون صدمته قاسية عندما يقارن ما قيل وما طرح مع ما يحدث في المجتمع ويجري في الدولة. كل ما يكتب وكل ما يقال ينحصر في إطار دولة ورقية لا وجود لها إلا في مخيلة المتحدث والكاتب، ومثلهم مثل المهندس المعماري الذي يرسم خريطة منزل مزمع بناؤه. مهما بلغت روعة الرسم الهندسي وجمال التصميم البنائي، فإن الحقيقة واضحة وضوح الشمس، وهي أن المنزل غير موجود على الأرض ولا يمكن استخدامه والعيش فيه.

هذا العجز الكبير عن الفصل بين الواقع الفكري والواقع المادي هو أخطر ما يواجه أي مجتمع. عندما لا يدرك أفراد المجتمع أن الوعي والتفكير يعجزان تماماً عن التنفيذ، وأن الإرادة هي وحدها القادرة على تحويل الفكر إلى واقع مشهود، فإن هؤلاء يبقون حالمين وواهمين. وعندها يتحول هذا العجز المرير إلى ألم شديد في النفوس نتيجة غياب الإنجاز وفقدان متعة الإبداع، ولا يمكن تخفيف هذا الألم إلا بما أسميناه انتشار "ثقافة الحش" في المجتمع.

هذه الثقافة نرى معالمها في كراهية النجاح وعشق الفشل، في التركيز على الأخطاء والعيوب وتجاهل المحاسن والصفات الحميدة، ونراها يومياً في الدواوين حيث الناس يشغلها النقد و"الحش" ولا يعنيها الإشادة والمدح.

ما هو الحل؟. بداية الحل أن يدرك الناس تماماً أن واقع الدولة الحالي هو نتيجة حتمية لما هو في النفوس، وأنه لا يمكن أن يتغير الوضع الخارجي إلا بتغير الوضع الداخلي.

"ثقافة الحش" لا وجود لها إلا في بيئة الفشل، أما في بيئة النجاح فلا وجود إلا لثقافة الإبداع. عندما ينظر كل فرد من المجتمع إلى ما في داخله ويدرك تماماً أن وجوده المادي مؤقت وزائل، بينما وجوده الروحي باق ودائم، وأن السعادة الحقيقية ليست في اللهاث وراء المكاسب المادية والمقتنيات الدنيوية، وإنما هي في الحقائق الروحية لوجود البشر، والتي تظهر للعيان كصفات إنسانية رائعة وجميلة تتجلى بحب الخير والسعي لخدمة الناس جميعاً.

إن السعي الحثيث في الدنيا من أجل المصلحة الشخصية فقط ولإرضاء الأنانية البشعة هو الضياع والعياذ بالله. قال الله تعالى: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً (١٠٣) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً"- سورة "الكهف"- (١٠٤).

back to top