كيف يسبّب بروتين «بيتا أميلويد» الزهايمر؟

نشر في 30-09-2013 | 00:03
آخر تحديث 30-09-2013 | 00:03
كشف العلماء في كلية الطب التابعة لجامعة ستانفورد، كما ورد فيStanford School of Medicine، كيف يبدأ جزء بروتيني مرتبط بداء الزهايمر، اسمه {بيتا أميلويد}، بتدمير نقاط الاشتباك العصبي قبل أن يتخذ شكل صفائح تؤدي إلى موت الخلايا العصبية.
تشمل الخصائص الرئيسة لداء الزهايمر الذي يصيب حوالى خمسة ملايين أميركي خسارة تامة لنقاط الاشتباك العصبي (نقاط احتكاك تستعملها الخلايا العصبية لنقل الإشارات في ما بينها) وتدهوراً موازياً في وظيفة الدماغ، لا سيما القدرة على التذكّر.

أوضحت كارلا شاتز، أستاذة حائزة شهادة دكتوراه في بيولوجيا الأعصاب وعلم الأحياء والمُعدّة الرئيسة للدراسة التي نُشرت في 20 سبتمبر في مجلة «العلوم»: «تشير اكتشافاتنا إلى أن داء الزهايمر يبدأ بالظهور قبل أن تصبح مرحلة تشكّل الصفائح واضحة بفترة طويلة».

شارك محققون من جامعة هارفارد في الدراسة بدورهم. قد تساهم تلك الأبحاث التي جرت على الفئران وعلى أنسجة الدماغ البشري في شرح إخفاقات السنوات الأخيرة، خلال التجارب العيادية الواسعة التي حاولت إبطاء تطور الداء، عبر تخليص الدماغ من صفائح الأميلويد بالأدوية. كذلك يمكن أن تشير إلى الطريقة الفاعلة لتحسين العلاجات في مراحل مبكرة من المرض.

ينشأ بروتين البيتا أميلويد على شكل جزيئة منفردة تميل إلى الارتباط بغيرها، فتتحول، في البداية، إلى مجموعات عنقودية تبقى قابلة للذوبان وتتنقّل بحرية في الدماغ، قبل أن تتشكل، أخيراً، الصفائح التي تُعتبر أبرز خاصية تطبع الزهايمر. أظهرت الدراسة، للمرة الأولى، أن البيتا أميلويد يستطيع، بهذا الشكل العنقودي، الارتباط بقوة بمستقبِل موجود في الخلايا العصبية، فتنطلق عملية بين الخلايا من شأنها استنزاف نقاط اشتباكها العصبي مع خلايا عصبية أخرى.

نقاط الاشتباك العصبي هي روابط قائمة بين الخلايا العصبية، أساسية لتخزين الذكريات وتحليل الأفكار والعواطف والتخطيط وإصدار الأوامر حول طريقة تحريك أجسامنا. كذلك، يمكن أن تتغير القوة النسبية التي تتمتع بها هذه الروابط رداً على التجارب الجديدة.

اختلالات شبكية

من خلال استعمال سلالة فئران تجريبية تكون معرّضة بشدة للاختلالات الشبكية والمعرفية التي تطبع الزهايمر، أثبتت شاتز وزملاؤها أن الفئران التي تفتقر إلى بروتين سطحي، يقع في العادة على مسافة قريبة من نقاط الاشتباك العصبي، تقاوم تراجع الذاكرة وفقدان نقطة الاشتباك العصبي المرتبطة بهذا الاضطراب. أثبتت الدراسة للمرة الأولى أن هذا البروتين الذي يحمل اسم PirB هو مستقبِل يجذب عنصر البيتا أميلويد بشكله  {العنقودي القابل للذوبان}، ما يعني أن مجموعة بيتا أميلويد القابلة للذوبان تلتصق ببروتين PirB بقوة شديدة. هذا ما يطلق سلسلة من النشاطات البيوكيماوية التي تبلغ ذروتها عند تدمير نقاط الاشتباك العصبي.

شاتز مديرة جمعية Bio-X، منظمة كبيرة ومتعددة الاختصاصات ضمن جامعة ستانفورد تركز على مجالات الطب والهندسة وعلم الأحياء. درست شاتز بروتين PirB طوال سنوات، لكن في ظل سياق مختلف. في أعمال سابقة، استكشفت شاتز دور بروتين PirB في الدماغ عبر استعمال فئران مهندسة وراثياً تفتقر إلى هذا العنصر، فاكتشفت أن PirB الذي قيل إنه يُستعمل من خلايا جهاز المناعة حصراً، موجود في الخلايا العصبية داخل الدماغ أيضاً حيث يعيق قدرة نقاط الاشتباك العصبي على زيادة قوتها، كما تفعل عادةً حين تترابط، ما يعزز ضعفها. هذا النوع من العوائق مفيد في الدماغ لأن تحول قوة نقاط الاشتباك العصبي بسهولة مفرطة قد يسبب نتائج غير مرغوب فيها مثل الصرع.

في الدراسة الجديدة، استعمل فريق شاتز سلالة مختلفة من الفئران المهندسة وراثياً تشمل خريطتها الوراثية نسخاً متحولة من جينتين بشريتين منفصلتين، كل تحول منهما يعرّض الفرد لداء الزهايمر. حين وُجد التحولان معاً عند الفئران (وهو وضع لا يطور في العادة صفائح الأميلويد) تشكلت صفائح أميلويد وافرة في مرحلة عمرية متقدمة وتراجع الأداء في مختلف اختبارات الذاكرة.

أوضحت شاتز:  {لطالما استغربتُ، حين تبدو تلك الفئران، بل جميع نماذج الفئران التي ندرسها لاستكشاف الزهايمر، غير مصابة بأي مشاكل في الذاكرة إلى أن تتقدم في السن. تسجل أدمغة هذه الفئران مستويات مرتفعة من البيتا أميلويد في سن مبكرة جداً}.

تساءلت شاتز عن احتمال وجود قياس أكثر دقة لآثار البيتا أميلويد الأولى على أدمغة صغار السن. خلال دراسة شاركت في إعدادها عام 2012، تبين أن منطقة دماغية معينة عند الفأرة، حيث تنشط نقاط الاشتباك العصبي لتحويل قوتها النسبية رداً على تجارب سابقة، لم تكن تتمتع بمرونة مماثلة عند الفئران الصغيرة التي كانت معرّضة للإصابة بالزهايمر. يشير ذلك إلى أن الآثار المرتبطة بالزهايمر قد تظهر في مرحلة أبكر بكثير من الصفائح أو من تراجع الذاكرة.

جينات

اليوم، تتساءل شاتز عما إذا كان نزع بروتين PirB من سلالة الفئران المصابة بالزهايمر يمكن أن يجدد تلك المرونة، لذا ابتكر فريقها سلالة تحمل جينات الزهايمر مع سلالة تفتقر إلى بروتين PirB لإنشاء سلالات هجينة. أظهرت التجارب أن أدمغة  {فئران الزهايمر} الشابة التي تفتقر إلى PirB حافظت على مستوى المرونة نفسه في عملية تحويل قوة نقاط الاشتباك العصبي كما عند الفئران الطبيعية. كذلك، قدمت  {فئران الزهايمر} التي تفتقر إلى بروتين PirB أداءً يشبه أداء الفئران الطبيعية في سن الرشد خلال اختبارات الذاكرة المعتمدة، بينما عانت نظيراتها المتطابقة التي تشمل بروتين PirB مشكلة فقدان نقاط الاشتباك العصبي وتراجع الذاكرة.

قالت شاتز:  {بقيت فئران الزهايمر التي تفتقر إلى بروتين PirB بمنأى عن نتائج التحولات التي تنتج البيتا أميلويد}. السؤال الذي يُطرح الآن هو لماذا؟

طرح تاوهو كيم، باحث حائز شهادة دكتوراه يعمل في مختبر شاتز وهو المُعدّ الرئيسي للدراسة الجديدة، فرضية ابتكرها عام 2011، تزامناً مع تقديم أبحاثه أمام جمهور أصغى إليه بإمعان (بينهم ابنه البالغ من العمر 4 سنوات حينها، وكان سيقلّه إلى حوض  {خليج مونتيري}):  {ربما كان عنصرا PirB والبيتا أميلويد يترابطان}. نتيجةً لذلك، قد يدوس بروتين PirB على المكابح أكثر مما يفعل في العادة، ما يُضعف نقاط الاشتباك العصبي لدرجة أنها قد تختفي بالكامل وتأخذ الذكريات معها.

أظهرت تجارب إضافية أن البيتا أميلويد يرتبط بشدة بعنصر PirB. صحيح أن PirB هو بروتين خاص بالفئران، لكن حدد كيم للمرة الأولى مستقبِلاً مشابهاً للبيتا أميلويد في دماغ الإنسان: إنه بروتين LilrB2.

تزايد النشاط

في تجربة أخرى، قارن كيم البروتينات الموجودة في أدمغة  {فئران الزهايمر} التي تفتقر إلى عنصر PirB بتلك الموجودة في أدمغة الفئران التي تشمل عنصر PirB. أثبتت هذه التجربة تزايد النشاط بسبب بعض البروتينات القوية، لا سيما أنزيم كوفيلين. كذلك، وجدت دراسات لاحقة أن نشاط الكوفيلين في أدمغة مرضى الزهايمر الذين خضعوا للتشريح، أعلى من النشاط المسجل في أدمغة الأشخاص غير المصابين بهذا الاضطراب.

تزداد الأمور تعقيداً في هذه المرحلة تحديداً: يعمل الكوفيلين عبر تفكيك الأكتين، بروتين أساسي للحفاظ على بنية نقاط الاشتباك العصبي. كذلك، أظهرت الدراسة الجديدة أن ترابط البيتا أميلويد بعنصر PirB يؤدي إلى تغيرات بيوكيماوية في الكوفيلين، ما يعني تنشيط عملية خرق الأكتين وتفكيك نقاط الاشتباك العصبي.

تقول شاتز:  {من دون أكتين، ما من نقطة اشتباك عصبي}.

يبدو أن فرضية كيم كانت صحيحة. يرتبط البيتا أميلويد بعنصر PirB (وبنظيره البشري LilrB2 كما أثبت الباحثون)، ما يعزز نشاط الكوفيلين ويسيء إلى بنية نقاط الاشتباك العصبي.

على رغم وجود وسائل تدمير أخرى تُجبر نقاط الاشتباك العصبي على اتباعها، تشكّ شاتز بوجود عدد كبير منها، وتظن أن مشاركة البيتا أميلويد المباشرة، فضلاً عن الكوفيلين المرتبط بكل وضوح بتفكيك نقاط الاشتباك العصبي، تشير إلى أهمية هذا الممر:  {راقبنا أدمغة البشر في هذه الدراسة أيضاً ولاحظنا تغيراً مشابهاً في نشاط الكوفيلين في أدمغة المصابين بالزهايمر وليس في أدمغة الأشخاص الأصحاء}.

تشير شاتز إلى أن الأدوية التي تعيق ترابط البيتا أميلويد بعنصر PirB على سطح الخلايا العصبية (مثل أجزاء PirB القابلة للذوبان المحتوية على أقسام من الجزيئة التي يمكن أن تؤدي دور الطعم) قد تتمكن من إعطاء مفعول علاجي. تقول شاتز:  {آمل أن تكون هذه النتيجة كافية لتشجيع شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية وإقناع أحد الأطراف بتطوير هذه الفكرة}.

back to top