... لكن أين نزار رستناوي؟!

نشر في 03-07-2009
آخر تحديث 03-07-2009 | 00:00
 رزان زيتونة في مثل هذه الأيام تواردت الأنباء عن حدوث عصيان في السجن الذي يضم أكبر عدد من المعتقلين بمعية وأحكام قانون الطوارئ في سورية، استرعى الخبر وقتها اهتماما حقوقيا وإعلاميا واسعا، خاصة مع الاتصالات التي وردت من معتقلين داخل السجن تتحدث عن وقوع ضحايا من بين السجناء أثناء محاولة قمع التمرد من قبل السلطات. سرّبت أسماء تسعة من السجناء القتلى خلال اليومين الأولين من الأحداث مع التأكيد أن الرقم بلغ وقتها فقط ضعفا ونصف، لكن مع انقطاع جميع وسائل الاتصال بعيد ذلك بقليل ما بين السجن والعالم الخارجي، دخلت الأمور في دائرة المجهول ولاتزال حتى اللحظة.

السلطات السورية اكتفت بتعليق مقتضب عبر وكالة أنبائها الرسمية تقول فيه إن عددا من المساجين أقدم على «إثارة الفوضى والإخلال بالنظام العام... مما استدعى التدخل المباشر من وحدة حفظ النظام والسيطرة على الأمور».

بتلك الكلمات أقفل على الموضوع رسميا وكأنه لم يكن، حتى مع توارد الأنباء عن تجدد الاشتباكات في السجن بعد شهور خمسة، وحتى مع ما تردد ويتردد من أنباء-إشاعات حول مقتل العشرات من المعتقلين.

سنة كاملة مرت على أحداث سجن صيدنايا العسكري الذي يشكل المعتقلون الإسلاميون أغلبية عظمى فيه، بالإضافة إلى بضعة عشرات من المعتقلين الديمقراطيين والنشطاء الأكراد. سنة مضت أصبح معها السجن ومن فيه مثل القلعة المسحورة التي اختفت من الوجود بتعويذة ما.

كل ما يحكى الآن عما حصل وعما آلت إليه مصائر المعتقلين، هو أشبه بالحكايات التي لا يعرف فيها الخيال من الحقيقة. روايات مختلفة اختلطت فيها التسريبات بالإشاعات، وتنوعت إلى حد يقنع الجميع أن أيا منها لا يمكن أن يكون صحيحا مادام نفي الروايات الأخرى لم يقع.

ضجيج ما حصل كان يجب أن يتحول إلى همس وثرثرة حول الممكن وغير الممكن، حول الاحتمالات والتوقعات. ومأساوية ما حدث كان يجب أن تتحول إلى فعل مضى يجري الحديث عنه وكأنه وقع قبل دهر، بقليل جدا من الانفعال والكثير من التسليم والحياد، ترك الباب مفتوحا للاحتمالات جميعها حتى أسوئها بغير نفي أو تأكيد، بحيث يعيث فيها الزمن فعله ويفرغها من انعكاسات كانت متوقعة قبل أن تصبح من الماضي.

حتى تحركات أهالي المعتقلين خلال الأسابيع الأولى من الأحداث، من الاعتصامات إلى العرائض إلى التنقل ما بين الجهات الرسمية والمنظمات الحقوقية بحثا عن معلومة أو «إشارة» تطمئنهم عن أبنائهم، تحولت إلى صمت مديد لا تقطعه إلا الابتهالات والصلوات. و«الإشارة» تختلف عن النبأ اليقين، بأنها توحي ولا تؤكد، لكنها تبقى المصدر الوحيد لتهدئة الألم والقلق الذي يعتري العائلات على مصير أبنائها. والمتاجرة بتلك «الإشارات» يشكل سوقا مزدهرة لبعض المرتزقة الذين يستغلون لوعة الأهالي ضمن التكتم المطبق رسميا، فيدّعون إحضار خصلة شعر من الابن أو رسالة شفهية من الزوج! مقابل مبالغ طائلة، وكأن الزمن يعيد نفسه دائما متيحا لجميع الأطراف لعب الأدوار نفسها مرة بعد أخرى.

لم يبق إلا أمل ضئيل بانتظار المنتهية أحكامهم للخروج وسؤالهم عن أحوال من يعرفون ويتذكرون، لكن حتى هذا الأمل ذهب سدى مع عدم الإفراج عن أي ممن انتهت أحكامهم حتى الآن وفقا للعديد من المصادر الحقوقية، فهل ذلك لأن مكروها أصابهم، أو للإبقاء على سياسة التعتيم حول ما حصل، وإن كان بالفعل أي من المعتقلين لم يفرج عنه، فما مصدر الشائعات التي تتحدث عن وفاة هذا السجين أو ذاك بالاسم؟!

قد يكون الزمن دفع بالعديد من الأسئلة إلى مرتبة متأخرة، كما أريد لها تماما، لكن السؤال الذي لا يتراجع ويبقى ملحّا ومتجددا كل يوم، هو ما مصير السجناء في سجن صيدنايا العسكري؟ وأين من أنهوا أحكامهم منذ أشهر من غير أن يفرج عنهم؟ وأين الناشط الحقوقي نزار رستناوي الذي كان من المفترض أن يفرج عنه منذ نيسان/أبريل الماضي بعد سنوات أربع في المعتقل بتهمة نشر الأخبار الكاذبة إياها.

هذا السؤال لا يتقادم ولا يفقد شيئا من زخمه وانفعاله بالنسبة لزوجته وأبنائه الثمانية وعائلته وأصدقائه، طالما أن السجن لم يختف ولايزال جاثما هناك على مساحة شاسعة من الأرض والهواء والذاكرة، ضد كل التعاويذ والسحر.

* كاتبة سورية

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top