كوكو شانيل أم ساركوزي؟

نشر في 01-07-2009
آخر تحديث 01-07-2009 | 00:00
 بلال خبيز الإجماعات دكتاتورية، حتى لو أجمع الناس على ضلال، المحللون مجمعون أن صدعاً أصاب الجدار الإيراني الأصم، والمحللون مجمعون، على أن هذا يعني أن الصدع بات منظوراً ومرئياً، إنما ربما لن نعرف لزمن طويل من رأى الصدع، ومن لم يره بعد؟

الثورة الشبابية التي حصلت في إيران، كانت تعني أن ثمة شريحة واسعة من الناس تريد التغيير. إنما لنضع خطاً تحت كلمة التغيير، الذي يعني أن شريحة واسعة من الشعب الإيراني ما عادت تطيق الوضع الذي تعيش فيه، تريد تغييراً حتى لو كان نحو الأسوأ.

مسار التغيير في حد ذاته يكون متنفساً، والإيرانيون، أو هذه الشريحة الواسعة منهم، يعرفون أن فوز موسوي بالرئاسة لن يغير الكثير من طبيعة الحياة التي يعيشونها، فالفقر لا تصيبه الثورات في مقتل، والاقتصاد المتأزم لا يتحسن بالتظاهرات، والأزمات المعاشة لا تجد لها حلولاً بمجرد النزول إلى الشارع، لكن ما يدفع الناس هناك للتظاهر في الشوارع، وتحدي نظام هم أكثر من يعرف مدى قسوته، هو بالضبط مطلب الحرية.

وعن معاني هذه الحرية يجدر بنا أن نفتش جيداً، وأزعم أن هذه الحرية لا تتصل بالرغبة في التعبير السياسي والاجتماعي والثقافي من دون قيود، بل على الأرجح أنها رغبة بالتحرر من قيود سياسات فاشلة على المستويات كافة.

يستطيع الرئيس الإيراني المنتخب والمؤكد على نزاهة انتخابه، أن يكرر إلى ما شاء الله أن إيران أصبحت دولة كبرى، وأن الثورة الإسلامية تكاد تنجح في تعميم منطقها في كل شيء على نصف العالم، لكن هذا ليس نجاحاً، إذ مازال الحرس الثوري الإيراني، وبعد عقود ثلاثة على انتصار الثورة الإسلامية، مشغولاً في مراقبة أثواب الفتيات، ما الغربي منها وما الإسلامي؟ ومازال الحرس الثوري مرابطاً عند حدود حراسة السلوك العام. وهذا في حد ذاته ما يجعل جهداً هائلاً يضيع ويفنى في محاولة مقاتلة الموضة. الموضة التي تعبر من دون جمارك ولا تقف على الحدود. والموضة التي قد تهزمها قوى كثيرة، إنما هي قطعاً تنتصر على الجيوش. ما زال الحرس الثوري الإيراني يقارع الموضة، ومازالت الموضة عاصية عليه، والأرجح أنها ستنتصر في النهاية.

هذا من وجه أول، أما الوجه الثاني، فمتعلق بالحياة الدنيا، فحين يتسلم دفة السياسة والأخلاق والعادات والتشريع واستصدار القوانين رجال دين، مهما بلغ شأوهم في العلم والخبرة، فإن ما يهزمهم، على المدى الطويل، ويحول دون استمرار سلطاتهم فاعلة، ليس إلا أعراض الدنيا الزائلة. ذلك أن رجال الدين حكاماً ومرشدين لا يستطيعون ترتيب شؤون الحياة الدنيا وعيونهم مركزة على الحياة الآخرة. فأن يخطب رجل الدين مقرراً في الأخلاق والسياسة والهوية والاقتصاد، فهذا يعني أنه يتخلى عن هويته هو نفسه. ذلك أن هذا كله من أعراض الدنيا الزائلة، ولن يجد رجل الدين مهرباً من عيون تراقبه وألسنة تلوك في سيرته، بوصفه يحاضر في الزهد ويعيش في برج السلطة العاجي.

والحق أن جمهور الرئيس الإيراني المعاد انتخابه، السيد محمود أحمدي نجاد، هو بالضبط هذا الجمهور الذي يأخذ على رجال الدين اشتغالهم واهتمامهم بأعراض الدنيا الزائلة.

وعلى هذين المحورين ينقسم الشعب الإيراني اليوم شعبين: شعب يريد إزاحة رجال الدين عن مواقع السلطة، بوصف تمتعهم بملذات الحياة الدنيا وامتلاكهم نصيباً من خيراتها لا يتفق مع الخطاب الذي يعلنونه والسلوك الذي يطالبون الناس باتباعه. وشعب ثان يواجه الحرس الثوري وسدنة النظام الجدد، ويبدو موالياً أو متفقاً مرحلياً مع رجال الدين وكهنة النظام المؤسسين، لأن جل ما يريده هو ترتيب نظام يعيد إنتاج الفرص. هؤلاء يريدون أن يجربوا حظهم في الدنيا، ويمنعهم الحرس الثوري عنه بحجة أنهم تابعون للغرب، وأولئك يريدون أن يجربوا حظهم مع التاريخ وأمجاده، ويرون قادتهم غارقين في لجة مباهج الدنيا وأعراضها. وبين الشعبين لم يعد ثمة ما يجمع، وأغلب الظن أن القاطرة الإيرانية أمام هذا الانقسام حول أغراض الدين وأعراض الدنيا، أوقفت سيرها تماماً.

يبقى أن الحديث عن فتنة وأصابع خارجية لا قيمة له في هذا السياق. ذلك أن كوكو شانيل وإيمانويل أنغارو يؤثران في السياسة الإيرانية أكثر بكثير مما يؤثر ساركوزي وبرلسكوني، ولم يعد خافياً أن بعض وجوه الأزمة الإيرانية تتصل مباشرة بما يبين من وجه المرأة وشعرها وما يفترض أن يبقى محجوباً تحت العباءة.

* كاتب لبناني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top