الإمارات وتقارير حقوق الإنسان

نشر في 16-02-2010
آخر تحديث 16-02-2010 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله التقارير الدولية يتم وضعها من قبل منظمات متخصصة، وعادة ما يقوم بالإشراف عليها فريق من الباحثين الجادين، وتخضع نتائجها النهائية لضوابط منهجية خاصة، وهي ليست أعمالا فردية ودعائية، ونقدها مهما كان حادا إلا أنه يكون في العادة هادفا وغير مغرض.

أثار تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الأخير ردوداً رسمية وإعلامية غاضبة في الإمارات، فقد لاحظ التقرير «تدهور وضع حقوق الإنسان في الإمارات» خلال عام 2009 لا سيما حقوق العمال بسبب تدهور الوضع الاقتصادي. وطالب التقرير الحكومة بعدم التضييق على نشطاء حقوق الإنسان، وتأكيد استقلالية القضاء والرجوع إلى القانون في التعامل مع الأفراد المتهمين في قضايا الفساد المالي وعدم الزج بهم في السجن من دون الحصول على حكم من المحاكم، ورفع سقف الحريات و«إدخال إصلاحات مؤسسية واسعة لمعاقبة المسؤولين عن انتهاك حقوق الإنسان».

وقد جاء الرد الرسمي الإماراتي سريعا وواضحا وأكد أن التقرير «يفتقد إلى التوازن ويورد صورة منافية تماما للتطور الكبير الذي تشهده الإمارات في مجال حقوق الإنسان». وكرر بيان جمعية الإمارات لحقوق الإنسان الموقف الرسمي حيث اعتبر التقرير «غير متوزان وغير إيجابي».

أما التعليقات الصحافية فقد جمعت بين الهجوم على منظمة هيومان رايتس واتش وإعلان أن الإمارات «بريئة كل البراءة» من التهم الواردة في تقريرها. فقد وصف الأديب والصحافي علي أبوالريش تقرير المنظمة بأنه «يخلو من النزاهة ويحمل لغة عدوانية ويميل إلى التحريف والتشويه والتعالي على دولة الإمارات لتحقيق مآرب وأهواء وأغراض في نفوس أصحابها». وذكرت الكاتبة ميساء غدير أن التقرير «يفتقد للدقة والموضوعية ويعتمد على شهادات شخصية لا يعتد بها في إطلاق أحكام جائرة ضد الدولة». في حين وصف الزميل علي العامودي منظمة هيومان رايتس ووتش بأنها «منظمة تنشر الأكاذيب». أما الدكتور خالد الخاجة، عميد كلية الإعلام بجامعة عجمان فأكد «أن التقارير التي تصدرها المنظمات الحقوقية مثل هيومان رايتس في أغلبها تقارير مكتبية ومعلبة، وخلفيات هذه المنظمات ليست بريئة ولديها أكثر من مكيال».

والحقيقة أن هذا التقرير ليس الأول، ولن يكون الأخير في سلسلة التقارير الدولية الدورية التي ترصد واقع حقوق الإنسان في دول المنطقة وتعطي الإمارات درجات متدنية في مجال الحريات في الوقت الذي تعلن فيه الإمارات أنها الدولة الخليجية والعربية الأكثر انفتاحا اجتماعيا وتسامحا فكريا واستقرارا سياسيا وكرما مع العمال والوافدين والمقمين على أرضها.

أين إذن يكمن الخلل؟ هل المشكلة في التقارير الدولية أم في الممارسة على أرض الواقع؟ هل هذه التقارير مغرضة ومتحاملة على الإمارات دون وجه حق، أم أن هذه التقارير تعطي صورة واقعية عن سجل الإمارات في مجال الحريات وحقوق الإنسان الذي يبدو أنه متواضع جدا، ولا يرقى إلى المستوى العالمي؟!

مهما كان الأمر فإنه من المهم الاعتراف أولا بقصورنا قبل الدفاع عن سجلنا الذي يصعب الدفاع عنه في مجال الحريات. ثم إن الهجوم على التقارير الدولية وافتعال معارك مع منظمة هيومان رايتس ووتش غير مفيد. أما الدفاع المستميت عن سجل الإمارات في مجال الحريات فهو غير مقنع، وإن أسوأ مدخل هو تقمص دور البريء والمظلوم عندما تكشف هذه التقارير عن قصورنا وتشير إلى أن أداءنا في المجالات الحقوقية ليس في أفضل حالاته.

فالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، كمنظمة هيومان رايتس ووتش ليست معنية باستهداف الدول بقدر ما تسعى إلى مراقبة أداء الحكومات وفضح تجاوزاتها وتوثيق انتهاكاتها الصارخة ضد الإنسان. والتقارير الصادرة عنها ساهمت كثيرا خلال الخمسين سنة الماضية في تطوير واقع حقوق الإنسان في العالم. ومن يتابع هذه التقارير عن قرب يعرف أنها تنطلق من أهداف إنسانية نبيلة، حيث إنها ترصد الظلم والقمع والاستغلال الذي يمارس ضد الإنسان في كل مكان.

ثم إن التقارير الدولية يتم وضعها من قبل منظمات متخصصة، وعادة ما يقوم بالإشراف عليها فريق من الباحثين الجادين، وتخضع النتائج النهائية لضوابط منهجية خاصة لجهة الدقة في جمع البيانات. هذه التقارير ليست بأعمال فردية ودعائية، ونقدها مهما كان حادا إلا أنه يكون في العادة هادفا وغير مغرض.

من المشروع جدا مناقشة مدى دقة البيانات الواردة في هذه التقارير، لكن لا ينبغي الاعتقاد إطلاقا أن هذه التقارير الدولية تنشر أكاذيب وأن هدفها مجرد التحامل على الدول. من يؤمن بهذا فهو واهم ولا يعرف كيف ينبغي التعامل الإيجابي مع التقارير الدولية، وسيظل باستمرار ضحية اعتقاد أنه بريء كل البراءة، وأن العالم الخارجي يتآمر ضده وأن سجل الإمارات في مجال الحريات وحقوق الإنسان غير قابل للنقد.

لذلك بدلا من الهجوم العقيم على التقارير الدولية فمن باب أولى العمل معا وسويا من أجل تحسين وضع حقوق الإنسان في الإمارات، فسقف الحريات يمكن أن يكون أفضل مما هو عليه، وتعامل الشركات الاستغلالية مع العمال يمكن أن يكون أكثر تحضرا، والقضاء يمكن أن يكون أكثر استقلالا، والتغلغل الأمني في المجتمع يجب أن يتوقف حالا، والتفرد في القرار لا ينبغي أن يستمر طويلا، والوصاية على مؤسسات المجتمع المدني يجب أن يرفع سريعا، كما يمكن للإمارات عموما أن تكون أكثر ديمقراطية لو قامت بإجراء انتخابات حرة لاختيار أعضاء مجلس وطني يتمتع بالصلاحيات التشريعية والرقابة الكاملة.

عندما يحدث كل ذلك ستكون كل التقارير الحقوقية إيجابية ولن يصفها أحد بأنها مغرضة ومتحاملة على دولة الإمارات التي تأتي ضمن قائمة الدول غير الحرة في العالم وفق تقرير «بيت الحرية»، وفي المرتبة 86 عالميا وفق تقرير «مراسلون بلا حدود» الذي صدر الأسبوع الماضي، وهو ترتيب غير مفرح على الإطلاق ولا يليق بمكانة دولة الإمارات.

إذا كان الهدف كما جاء في الوثيقة الوطنية التي أعلنها أخيرا أن تكون الإمارات من «أفضل الدول في العالم»، فلماذا لا تكون أفضل دولة وفق معايير الديمقراطية والمشاركة والشفافية واستقلالية القضاء وفاعلية مؤسسات المجتمع المدني والحريات، خصوصاً حرية الرأي والتعبير والصحافة التي تراجعت كثيرا في الآونة الأخيرة كما تشير إلى ذلك كل التقارير الدولية.

لا يوجد سبب واحد مقنع بألا تصبح الإمارات الأولى في مجال الحريات، والأفضل في مجال حقوق الإنسان، كما تحتل المراتب الأولى وفق مؤشرات حرية التجارة والتنمية الإنسانية والمعرفة. هذا الأمر وضع الحريات في قلب الوثيقة الوطنية لعام 2021 والسير سريعا في برنامج الإصلاح السياسي والانفتاح الديمقراطي الذي تأخر إنجازه كثيرا.

*باحث وأكاديمي إماراتي

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top