كساد النفوذ وبطالة المقاومة

نشر في 13-06-2009
آخر تحديث 13-06-2009 | 00:00
 بلال خبيز في لبنان يشاع أن وليد جنبلاط بارومتر ممتاز يقيس الرياح الخارجية بدقة، ويفتح الكوى والمنافذ في منزل الطائفة الدرزية المعتصمة بجبلها بحسب اتجاهات الرياح. هو يهوى هذه الصفة التي تطلق عليه، واللبنانيون عموماً يحبون التحليل في السياسة اعتماداً على مراقبة أهواء جنبلاط.

وليد جنبلاط يدعو منذ مدة إلى التعقل، ويجاهر بخطاب معتدل لبنانياً، المعنى والخلاصة من هذا السلوك، أن الزمن زمن تسويات، وأن الهجوم السلمي الذي يشنه باراك أوباما على المنطقة سيخضع الجميع من دون استثناء حتى إيران المتنفجة.

حتى إيران المتنفجة؟ أسباب الشك لا تحصى، والانتخابات الإيرانية على الأبواب، قد يحصل تغيير، وهو أرجح، وقد لا يحصل تغيير. لكن النتيجة تكاد تكون واحدة في الحالين: لن تقلع إيران عن استثمار المال والعتاد الذي قدمته لقوى هنا وهناك. الجوهر الإيراني في السياسة الخارجية التي تتبعها الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو هو، لم يتغير: مدخل إيران إلى التأثير في ما حولها عسكري وأمني، وتالياً فإن حلفاءها والقوى التابعة لها هم من المحاربين.

في ظل هجوم سلمي، سيجد العسكريون والمحاربون أنفسهم بلا وظيفة، والإيرانيون أنفسهم سيعانون كساد النفوذ، ويبقى أن إيران تملك سجاداً رائعاً، ومدناً تاريخية هي ثروة من ثروات البشرية، لكن السجاد لا يصنع نفوذاً، في لبنان كان يستعمل للرشوة غالباً، والمدن التاريخية لا تنتقل من أماكنها، معنى هذا كله، أن الهجوم السلمي قد يكون دامياً.

هل أخطأ بارومتر جنبلاط؟ «حزب الله» في لبنان بعد شهور من التهديد والوعيد، وتسمية الوزراء والرؤساء، ظناً أنه سيربح في الانتخابات التشريعية على خصومه، بات اليوم يدرب قادته على أداء خطب لينة، وبصرف النظر عن الوقت الذي قد يستغرقه التدريب، إلا أن الواضح أن ثمة تغييراً في اللهجة والأداء. أيضاً سؤال مستعاد: هل غلبت التقاليد البرلمانية والديمقراطية أهواء «حزب الله» العسكرية؟

هنا أيضاً أسباب الشك لا تحصى، لم يكن «حزب الله» يوماً ولم يحصل أن تحول إلى قوة سياسية على ما بدأت تشيع بعض الأوساط المقربة منه. هو حزب يستعمل السياسة كما يستعمل المرء سيارته للوصول إلى مقر عمله، وحين يصل يركنها في الموقف، تحت الشمس أو الريح الزمهرير، لا مفر من التساؤل: هل هزمت أصوات الناخبين، من غير الشيعة طبعاً، كتائب «حزب الله» المقاتلة؟ وهل يشعر المقاتل اليوم بضرورة الإنصات جدياً إلى الرأي العام من حوله؟ لأمين عام «حزب الله» مقولة لا يمل من تكرارها: لا يوجد مقاومة في العالم تحوز على الإجماع من حولها، ولم يحصل أن كان ثمة إجماع على مقاومة «حزب الله» في لبنان. ومعنى ذلك أن المقاتل يقاتل، والمزاج العام يتغير مع صموده على الجبهة. في وسعنا أن نسأل «حزب الله» بنسخته الحالية، بعد تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي: هل وجدت هذه المقاومة عدواً تمرن فيه خبرات مقاتليها؟ أم أنها تحولت من قوة مقاومة إلى قوة مرابطة إلى حين حصول احتلال ما؟ وحيث إن الاتجاهات العامة في المنطقة تتجه على الأرجح نحو عقد تسوية شاملة ما، فإن تحقق هذه التسوية ينزع عن الاحتلال رغبته في مد صولجانه إلى مناطق أخرى. في هذه الحال، سيرابط المقاتلون من دون أمل أو رجاء، فالإصبع على الزناد، لكن الهدف لا يظهر.

اتجاه الأوضاع يشير إلى أن الأيام المقبلة ستكون حافلة بتغييرات كبرى: سقوط حجج، وخراب وظائف سياسية وغير سياسية، وعسكرية بطبيعة الحال. طبعاً، لن يجرؤ أحد على الطلب إلى إسرائيل أن تسرح جيشها القوي إذا ما حصلت تسوية ما للنزاع، لكن الجيش في السلام لن يكون هو نفسه في لحظات النزاع، و«حزب الله» على الأرجح يفكر أن الأيام المقبلة لن تنزع سلاح جيشه القوي، لكن «حزب الله» يعرف أيضا أن جيشه القوي لم يعد هو نفسه منذ العام 2000، يوم تحرر معظم الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي.

يبقى أن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا مازالت تحت الاحتلال. لكن جيش «حزب الله» القوي لا يهدر طاقاته على مسألة تفصيلية إلى هذا الحد.

إيران في السلام قد تصبح عاطلة عن النفوذ، و«حزب الله» عاطلاً عن العمل. في لحظات التحولات الكبرى هذه يجدر بنا أن نتذكر لينين.

* كاتب لبناني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top