نحو ثقافة أوسع للطفل في الكويت صغار يرسمون المدهش والمعبّر بالفطرة والذكاء

نشر في 25-07-2007 | 00:00
آخر تحديث 25-07-2007 | 00:00
للسنة الثانية على التوالي يقيم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مهرجانه الصيفي، ومن أبرز سماته إقامة صالات مخصصة للأطفال تتيح لهم مزاولة الرسم والتعبير فنياً عما يجول في خواطرهم وإقامة معرض يشمل رسومهم طوال الفترة المحددة للمهرجان، وهي مع الأسف قصيرة لا تهبهم الوقت الكافي للتمرين.
« ليس في حياة المجتمعات ما هو أجمل من ابتسامة الأطفال. إنها التعبير الصادق الذي يعكس الصفاء النفسي مرتكز ابتكارهم وحيويتهم. آمنت دولة الكويت منذ زمن بعيد بهذه الحقيقة فعملت ولا تزال على تثبيتها عبر خلق بيئة مناسبة ومشجعة لنمو الطفل نفسياً وعقلياً، إذ أدركت كذلك أن الاهتمام بثقافة الطفل يقتضي بالدرجة الأولى توفير المستلزمات الضرورية لاستمرار نموه المتوازن».

إنها بعض كلمات الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون في سياق الجهود المبذولة لدعم ثقافة الطفل وتشجيعها على مختلف الأنشطة الثقافية والفنية وتوفير مجالين كي يمارس الأطفال التعبير عن طاقاتهم الداخلية بالخطوط والألوان. الأول إنشاء مرسم دائم لاستقبال الأطفال صيفاً في مركز عبد العزيز حسين ليزاولوا تعبيرهم الفني. والثاني معرض الطفل التشكيلي لعشرة أيام في قاعتي احمد العدواني والفنون في ضاحية عبد الله السالم.

للاهتمام بفن الطفل وثقافته تاريخ طويل من الاهتمام وعدة اقتراحات وتوصيات للجان وأبحاث وخطط وبرامج. تحقق منذ زمن بعض المقترحات وتحولت التوصيات إلى مشاريع سجلت نجاحا كبيرا. لكنّ عدداً منها بقي، ويا للأسف، منذ العام 1974 حبرا على ورق ولم ترَ النور . كان الاجتماع الأول مع انطلاق المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في يناير 1974 إيذاناً بتشكيل لجنة خاصة بثقافة الطفل تضع سياسة لها وتقدم أفضل الخدمات الاجتماعية والثقافية والتربوية والترفيهية للطفل، منها إنشاء مسرح ودار سينما وإصدار كتب تعنى بالمضمون ووضع برامج لتنمية مواهب الأطفال الفنية في الرسم والموسيقى والتمثيل، الخ. قدمت اللجنة آنذاك اقتراحا بإقامة معرض لرسوم الأطفال والإفادة من تلك الرسوم لطبع بطاقات للمناسبات والأعياد وتقاويم سنوية. وبناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وإعلان عام 1979 عاما دوليا للطفل، تحرك المجلس فأعدّ برنامجاً احتفالياً كبيراً اشتمل على قرية للطفل في حديقة جمال عبد الناصر افتتحها المغفور له أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح. ونظرا إلى ما حققته من نجاح اقترح إقامة قرى دائمة للأطفال في أكثر من منطقة وسبق أن أصدرت طوابع بريدية خاصة لمناسبة الاحتفال بيوم الطفل وأقيم المعرض الأول لكتب الأطفال فحقق نجاحا كبيرا استمر عدة سنوات ثم توقف.

مراسم حرة للأطفال

نظم المجلس المعرض العربي الأول لرسوم الأطفال في الكويت وشاركت فيه أربع عشرة دولة عربية ورافقت المعرض إقامة ثلاثة مراكز كمراسم للأطفال من سن 4 إلى 13 سنة غطت معظم مناطق الكويت كان من ضمنها على ما أذكر الفيحاء والجهراء والفحاحيل. نظرا إلى النجاح الباهر لهذه التجربة أصبح المعرض تقليداً سنويا وظلت المراسم الحرة تفتح أبوابها للأطفال وطلاب المدارس خلال الصيف. توالت معارض رسوم الأطفال بعد النجاح الذي حققته المراسم فخصص المجلس الجوائز والميداليات والشهادات التقديرية للأعمال الجيدة التي يختارها أهل اختصاص وخبرة في رسوم الأطفال تشجيعاً للموهوبين. وشاركت أعمالهم في المسابقات الدولية كمسابقة شنكار العالمية التي تقدم في الهند واختير بعض الرسوم نماذج لطوابع بريدية وطبع بعضها في تقاويم (روزنامات) سنوية. للأسف توقفت هذه المراسم بعد سنوات ولم يبق أحد يتذكرها إلى أن استأنف المجلس مرة أخرى مهرجانه الصيفي العام الفائت وكان ضمن نشاطه إقامة مرسم في مركز عبد العزيز حسين في منطقة مشرف. الجدير ذكره أن الرسم والتعبير التشكيلي فطرة في كل نفس بشرية، يمارسهما الطفل كحدث يومي معتاد، خاصة في مراحل عمره الأولى ولا فرق بين ذكر وأنثى أو فقير وغني. الشرط أن تتاح للطفل فرصة التعبير.

نرى الطفل مخططاً بلا وعي على الورق تخطيطات لا شبه لها في الطبيعة لكنها في الحقيقة انعكاس فطري لطبيعته الإنسانية من توافق وإيقاع تخرج على الورق في تخطيطات كالزفير الذي يخرجه من رئتيه وهو في حالة متكاملة.

عرفت بلادنا أهمية رسوم الأطفال وضرورة العناية بها وأدخلتها في مناهجها الدراسية في مدارس التربية في أوائل الخمسينات من القرن الفائت لما لها من أهداف تربوية قد لا تتأتى من تدريس أي مواد دراسية أخرى. فالرسم والتعبير الفني التشكيلي المؤسسان على قواعد علمية وتربوية حقيقية ينميان الناحية العاطفية الوجدانية لدى الطفل ويدربانه على الاندماج في العمل والتعامل وينميان حواسه الخمس (أبواب المعرفة) على الاستخدام غير المحدود الذي تنفرج عنه آفاق لا نهائية. كما أن الطفل الممارس للفن ينسجم مع أعمال ترده من دون تهاون مقبلاً عليها بسعادة كأنها هواية محببة يمارسها من أجل العمل ذاته. كما أن ممارسة الأعمال الفنية تسمح بالتنفيس عن انفعالاته وأفكاره فينعم بالاستقرار وبتأكيد الذات والشعور بالثقة. هذا خلافاً لما يكتسبه الطفل من خبرات في كيفية استخدام بعض العدد والأدوات والخامات ومصادرها وطرائق تسويقها ومعرفة بعض المصطلحات المهنية والصناعية وكيف يتحدث عنها مع رجال الحرف والصناعات فيحترم الأعمال اليدوية والقائمين بها نظراً إلى ما يطبقه من أعمال فنية ومهنية داخل المرسم وما تحتاج إليه من مهارة واستعداد. لاشك في أنها قيم كثيرة سيجنيها أطفالنا من ممارستهم الأعمال الفنية.

تتميز فنون الأطفال بصفات فنية وأساليب تصويرية عفوية منها أن الطفل لا يعترف في رسومه بالحقائق المرئية بقدر ما يظهر لنا. فعندما يرسم النهر نرى الأسماك سابحة في الماء وعندما يرسم طائر يلتقط الحب يظهر لنا أحشاءه الداخلية وما تحوي من حبوب. انها الشفافية في رسوم الأطفال. يرسمون سيارة ذات عجلات أربع مع أنهم لا يرون من الناحية البصرية سوى اثنتين. يرسم الطفل ما يعتقد أنه مهم ويجمع الأمكنة والأزمنة المختلفة في حيز واحد ويلجأ أحيانا إلى الكتابة في جوار رسومه. تلك الظواهر والخصائص الفنية الثرية أفادت الفنانين في العصر الحديث فظهرت في أعمالهم وعلى سطوح لوحاتهم. شاهدنا في تاريخ الفن فنانين حديثين كثراً يستخدمون خصائص رسوم الأطفال التي عثروا فيها على الإلهام، ومنهم ميرو وبول كلي ودو بوفيه وآخرون.

وكان بابلو بيكاسو يقول إنه أمضى 50 عاما في الفن لكي يحسن الرسم مثلما يحسنه الطفل.

back to top