الهند تتخذ مساراً جيوسياسياً مستقلاً

نشر في 29-09-2022
آخر تحديث 29-09-2022 | 00:00
 إيست آسيا فوروم تزامن الغزو الروسي لأوكرانيا مع احتدام الجدل حول اعتبار التوتر في العلاقات الأميركية الصينية شكلاً من «الحرب الباردة الجديدة»، أو وضع الروابط الروسية الصينية في خانة الصداقة «غير المحدودة»، وفي حين سارعت الولايات المتحدة إلى فرض العقوبات على موسكو، وجدت دول كثيرة في الجنوب العالمي نفسها عالقة في مرمى نيران الاصطفافات المستجدة ضد روسيا، فكانت الهند من أبرز الجهات التي لم تلتزم بتلك الاصطفافات، وهي أكبر ديموقراطية قررت إطلاق مسارها الخاص.

منذ بداية غزو أوكرانيا، اتضح التناقض بين الهند والولايات المتحدة علناً، وبدت مواقف الهند والصين أكثر تقارباً في التصويت على قرارات الأمم المتحدة، فامتنعت الهند عن التصويت على 11 قراراً يدين روسيا، وتحمّلت ضغوطاً كبرى من أقرب شركائها الغربيين ومن الرأي العام ووسائل الإعلام الدولية الصارمة. لم تقتنع الهند بالانضمام إلى العقوبات الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا، فهي تعارض عموماً أي عقوبات أحادية الجانب خارج نطاق الأمم المتحدة، ولم يكن قبول نيودلهي للعرض الروسي الذي يمنحها النفط بأسعار مخفّضة مفاجئاً بالكامل، مع أن المسؤولين والمحللين الغربيين اتهموا الهند بعقد صفقات مفيدة مع روسيا المعزولة دبلوماسياً، مما يعني تمويل آلة الحرب الروسية بطريقة غير مباشرة.

تثبت أحداث أوكرانيا أن الهند تفضل تعدد الأقطاب حتى الآن، ولا تزال الهند عضواً مستاءً في النظام العالمي الليبرالي، مع أنها حققت المكاسب من ذلك النظام. كذلك، تبقى الهند القوة البارزة الوحيدة المنتسبة إلى منظمات يعتبرها الغرب منافِسة له، أو حتى عدائية تجاهه، بالإضافة إلى مجموعة «بريكس»، تنتسب الهند أيضاً إلى «قمة شرق آسيا»، و«منتدى آسيان الإقليمي»، و«التحالف الرباعي»، و«منظمة شنغهاي للتعاون». وتؤكد عضوية الهند في هذه المنتديات كلها على رغبتها في حماية استقلاليتها في مجال السياسة الخارجية وتقاسم السلطة العالمية على نطاق أوسع.

وتتعدد الألغام السياسية المرتقبة بين الهند وشركائها، ومن المتوقع أن تتصاعد الضغوط بين الناتو وروسيا عند قبول طلب العضوية من السويد وفنلندا، وقد يجبر تفاقم الحرب بين روسيا وأوكرانيا الهند على الاختيار بين شركائها في التحالف الرباعي وروسيا. حتى أن رغبة الهند الأصلية في ترسيخ مبدأ تعدد الأقطاب عن طريق مجموعة «بريكس» قد لا تتحقق إذا زادت قوة العلاقات الروسية الصينية، كذلك، سيصطدم أي نظام يستند إلى توزيع السلطة على نطاق أوسع بواقعٍ مفاده أن توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة قد يصبح أفضل خيار للهند.

يراهن صانعو السياسة الهندية على عدم رغبة روسيا في الرهان على طرف واحد وحرصها على احترام استقلالية الهند، حيث ستحتفظ روسيا، حتى لو ضعفت مكانتها، بحق النقض في مجلس الأمن حيث تُحقق الهند المكاسب تاريخياً.

تراهن الهند على مستوى التقارب بين أعضاء التحالف الرباعي للتعامل مع العدائية الصينية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، مما يسمح لهم بتحمّل اختلاف المواقف في ملفات أخرى، وتريد الهند أن يدرك أصدقاؤها أن فرض الضغوط عليها كي تنحاز إلى طرف معيّن لن يحقق النتائج المنشودة على الأرجح، حتى أنه قد يعطي تداعيات عكسية.

لقد رسّخت الهند استقلاليتها الاستراتيجية من دون تكبّد أي تكاليف اقتصادية أو استراتيجية، ويبدو شركاؤها في التحالف الرباعي مستعدين لتحمّل الاختلافات القائمة.

في النهاية، لا وجود لمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ من دون الهند، فقد تمكنت نيودلهي من تحديد شروط التواصل العالمي في الظروف الجيوسياسية الراهنة، لكن قد تبرز الحاجة إلى تعديل فكرتها حول نوع النظام العالمي الذي يحمي استقلاليتها الاستراتيجية، إذ يتوقف الوضع على نتيجة الحرب الأوكرانية.

* ديبا أولابالي

East Asia Forum

back to top