إحداث تحول في التعليم يعني محاربة فخ الفقر

نشر في 27-09-2022
آخر تحديث 27-09-2022 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت لقد تسببت جائحة كوفيد19 في أكبر اضطراب عالمي للتعليم في التاريخ الحديث، ومع تضرر 9 من بين كل 10 أطفال حول العالم، أصبح عقدان من التقدم الذي تم احرازه فيما يتعلق بالقدرة على الوصول للتعليم والتحصيل في خطر.

ومن أجل الاستجابة لهذه الأزمة دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى عقد قمة تحويل التعليم في نيويورك هذا الشهر، لكن القمة تتجاوز تعويض ما تم خسارته فالهدف منها هو حشد حركة عالمية يمكنها أن تجعل التعليم في طليعة الأجندة السياسية ودفع صناع السياسات لتحقيق هدف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة من أجل التعليم (هدف التنمية المستدامة 4) وهو «ضمان تعليم جيد شامل ومنصف وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع».

فمن غير الصعب ان نرى لماذا يحتاج التعليم لمثل هذا التحول فحتى قبل الجائحة فإن وضع التعليم عالميا لم يكن مثالياً بالمرة فهناك 300 مليون طفل خارج المدرسة وطبقاً للتقديرات فإن ما نسبته 57% من الأطفال التي تبلغ أعمارهم عشرة أعوام في البلدان المحدودة أو المتوسطة الدخل لا يستطيعون حتى استيعاب نص بسيط.

حتى نعطي كل طفل أفضل فرصة للنجاح، يجب أن نكون أكثر طموحاً فجعل التعليم أكثر شمولية وانصافاً يعني التصدي لعدم المساواة الواضح في الفرص والاستثمار وهذا يعني كذلك القضاء على آليات التعزيز الذاتي والتي تعرف أيضا بفخ الفقر وتبقي على الفوارق القائمة.

بادئ ذي بدء يجب أن يسمح التعليم لجميع الطلاب بتطوير قدرتهم على التعلم من خلال البدء في اللبنات الأساسية للمعرفة والتفكير النقدي: القراءة والكتابة والحساب والتفكير العلمي، وإن القيام بذلك من شأنه أن يساعد الطلاب في التمييز بين الحجج القائمة على الحقائق والادعاءات الزائفة أو التي لا أساس لها، ويجب أن يعزز التعليم أيضا القدرة على التعلم مدى الحياة وإعادة التعلم، وهي مهارة حاسمة من أجل سوق العمل الذي يتغير بشكل سريع.

ولكن في زمن زيادة الاستقطاب السياسي، يجب ألا يقتصر التعليم على المهارات الأكاديمية ويقوم بتطوير قدرة التلاميذ على العيش معاً وهذا يتطلب أنظمة تعليمية تؤكد على المسؤولية المدنية والحكم الديموقراطي واحترام التنوع البشري والالتزام الفعال بالتنمية المستدامة.

تحتاج المدارس نفسها للتغيير حتى يكون هناك تحول للأفضل بالنسبة للتعليم، فعلى سبيل المثال في البلدان النامية هناك تقديرات بأنه لا يزال ما نسبته 90% من الأطفال الذين لديهم إعاقات لا يذهبون للمدرسة، ويجب أن تصبح جميع المدارس أماكن تعليمية آمنة وصحية بحيث يشعر كل طفل أو شاب بالقبول والحماية.

وإن المعلمين هم العامل الأكثر أهمية للتعليم ونحن بحاجة إلى المزيد منهم- 69 مليونًا على وجه الدقة- من أجل تحقيق هدف الأمم المتحدة المتمثل بضمان التعليم الأساسي الشامل بحلول عام 2030، ولكن لإحداث تحول في التعليم يجب على المعلمين أيضا تغيير أنفسهم والتحول من مجرد نقل المحتوى إلى تطوير مهارات الطلاب في حل المشكلات ومن سرد إجابات مسبقة إلى طرح أسئلة صعبة، حيث تكمن المشكلة في أن المعلمين يعانون نقصا في التدريب ولا يحظون بالتقدير الكافي كما لا يتقاضون الأجر الذي يستحقونه، وإن الطريقة الوحيدة للحصول على معلمين أكثر وأفضل هي تعزيز تدريبهم وإظهار المزيد من الثقة والاحترام لهم وضمان حصولهم على رواتب أعلى.

لقد أظهرت الجائحة فوائد ومخاطر التعلم الرقمي ففي خضم عمليات الإغلاق سمحت التكنولوجيا الرقمية للعديد من المدارس والمعلمين بالوصول إلى الطلاب المعزولين، ومع ذلك وفي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، لا يزال العديد من الأطفال يفتقرون إلى المعدات الضرورية والقدرة على الاتصال بشكل يمكن التعويل عليه، أما على مستوى العالم، فلا يزال ثلثا الأطفال والشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما بلا اتصال بالإنترنت في المنزل.

فللثورة الرقمية القدرة على توسيع القدرة على الوصول وإثراء التعلم ولكن لو تُرك الأمر للسوق وحده، فإن هذا قد يفاقم أوجه عدم المساواة الحالية، ويجب اعتبار التعليم والتعلم كمنفعة عامة بحيث تكون مجانية ومفتوحة للجميع.

ولكن الأمر يتطلب أكثر من مجرد الوصول إلى الموارد الرقمية لتقليل التفاوت في الاستثمار والفرص التعليمية، فطبقاً للبيانات الحديثة من التقرير العالمي لرصد التعليم، تستثمر الدول الغنية بالمتوسط 8500 دولار سنويا على كل شخص في سن المدرسة وتستثمر البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى نحو 1000 دولار لكل طالب، في حين تستثمر البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى 275 دولارا فقط، والبلدان الأكثر فقراً أقل من 50 دولاراً.

وإن عدم المساواة بين البلدان ليس مصدر القلق الوحيد فالفجوة داخل البلد نفسه بين الأطفال من الأسر ذات الدخل المرتفع مع أباء أفضل تعليماً من ناحية والأطفال المولودين لأسر منخفضة الدخل وأقل تعليما من ناحية أخرى تثير القلق كذلك، وخصوصا في العالم النامي، حيث أقل من نصف الأطفال لديهم إمكانية الوصول إلى التعليم ما قبل الابتدائي، مقارنة بنسبة 91٪ في البلدان ذات الدخل المرتفع.

يتطلب سد هذه الفجوات التعامل مع تمويل التعليم العام باعتباره استثمارا فعالاً يتمتع بالمسؤولية الاجتماعية: نحن بحاجة إلى زيادة الاستثمار في التعليم، والاستثمار بشكل أكثر إنصافاً وكفاءة، لقد أظهرت مجموعة متزايدة من الأبحاث أن التعليم لديه أعلى معدل عائد، وخصوصاً تعليم الطفولة المبكرة، والذي ينتج عنه 17 دولاراً في القيمة مقابل كل دولار يتم استثماره.

المشكلة هي أن الاستثمار في التعليم يعتمد على السياق، فالبلد الذي يعاني عدم المساواة بشكل كبير ووفرة العمالة الرخيصة يجذب الاستثمارات غير المتطورة التي تخلق وظائف منخفضة الإنتاجية علما أنه بدون الحاجة إلى قوة عاملة ماهرة، لن يكون لدى الحكومات أي حافز يذكر للاستثمار في التعليم وكما أظهر دارون أسيموغلو، وسيمون جونسون، وجيمس أ.روبنسون تميل الأطر المؤسسية إلى أن تكون أضعف في مثل هذه البلدان وعادةً ما تتركز السلطة الاقتصادية والسياسية في أيدي الأثرياء الذين يعارضون الزيادات الضريبية التصاعدية اللازمة لتمويل التعليم الجيد الشامل والنتيجة هي فخ الفقر.

عادةً ما يقال إن التعليم يؤدي دوراً أساسياً في تشجيع النمو الاقتصادي المستدام، ولكن فخ الفقر المدمر بيئياً وغير الفعال اقتصادياً هو عكس الاستدامة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة يتطلب بالضرورة القضاء على مثل ذلك الفخ علماً أنه فقط عندما يكون هناك نموذج أكثر إنصافاً يمكننا وبنجاح أن نكرّس التعليم كحق من حقوق الإنسان.

* ليوناردو جارنير مستشار خاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون قمة تحويل التعليم.

Project Syndicate

back to top