البرنامج الانتخابي... تعهّد في غير محله!

• أي أغلبية برلمانية لا تستطيع تشكيل الحكومة ولا منحها الثقة ولا إقرار برنامج عملها
• الاقتصاد دفع ثمن تشوه المشهد السياسي بالخلط بين الرفاهية والريعية

نشر في 22-09-2022
آخر تحديث 22-09-2022 | 00:12
محمد البغلي
محمد البغلي
بينما تستعد الكويت الخميس المقبل لانتخاباتها البرلمانية الجديدة لمجلس الأمة 2022، تتصاعد التساؤلات في المجتمع السياسي بشأن مدى فاعلية المؤسسة التشريعية في مسائل تنمية الاقتصاد أو تطويره، وبما فيه من توفير الخدمات العامة، وصولاً إلى نقاشات حول درجة تحمل مجلس الأمة لمسؤولية فشل السلطة التنفيذية في ملفات إدارة الدولة.

وأمام تاسع انتخابات برلمانية عامة منذ 2006، والتي تزامنت مع 19 حكومة، ربما يكون من الملائم إلقاء الضوء على جانب من الخلل في النظام السياسي، الذي ينعكس بالضرورة على الإدارة العامة، وبالتالي الأداء الاقتصادي، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بتحميل المالية العامة أعباء طويلة المدى يقدمها النواب في مجلس الأمة لناخبيهم على شكل هبات أو مزايا أو منافع مالية، خصوصاً أن الكويت مقبلة، خلال السنة المالية الحالية، بالتوازي مع ارتفاع عائدات النفط، على تحقيق فوائض مليارية في الميزانية العامة لأول مرة منذ 2014.

أزمة الإدارة

أهم مشكلة للإدارة العامة في الكويت تتمثل في أن السلطة التشريعية مهما كانت نتيجة الانتخابات البرلمانية لا تتمكن من تشكيل السلطة التنفيذية، كما يحدث في أي نظام برلماني آخر، ولا حتى تمتلك السلطة التشريعية حق منح الثقة لأي حكومة جديدة من عدمه فور تشكيلها، ولا حتى حق المصادقة على برنامج عمل الحكومة، مما يجعل قيام السلطة التشريعية بعملها دون انحراف عن مقاصد الرقابة والتشريع أمراً في غاية الصعوبة، فضلاً عن كونه يجعل السلطة التنفيذية منكشفة على أي أزمة أو مواجهة مع البرلمان، وربما الشارع السياسي، فيكون جل اهتمامها - كما شهدنا في السنوات القليلة الماضية - هو استمرارها كحكومة حتى إن كان في ذلك ضرر على الاقتصاد والبلاد.

تعهد في غير محله

وفي الحقيقة، فإن هذا الوضع المشوه سياسياً محفز وداعم لحدة أو سرعة المحاسبة في الرقابة في أفضل الأحوال، وفي أسوأ الأحوال يشجع على القوانين الشعبوية، لاسيما ذات الطبيعة المالية المكلفة، أو أن يتحول النائب في مجلس الأمة إلى مجرد منفذ للمعاملات غير القانونية بكل أبعادها السيئة على الجهاز الاداري للدولة، وبالتالي فإن تعهد أي مرشح ببرنامج انتخابي يشمل قضايا الاقتصاد والتنمية والتعليم والخدمات العامة هو تعهد في غير محله، لكون النائب أو مجموعة نواب أو حتى أغلبية برلمانية لا تستطيع أن تتولى السلطة التنفيذية المنوط بها مسؤولية القضايا آنفة الذكر، فأقصى ما يقدمه المرشح في وضعنا الحالي مطالب وقضايا يتعهد بمتابعتها لكنها لا ترقى لمستوى البرنامج الانتخابي الذي يعد طرحه اقرب إلى التدليس أو الخداع للرأي العام من كونه وعوداً يسهل تنفيذها، لأن مخرجات الانتخابات لعضوية مجلس الأمة لا ضمان لتمثيلها بشكلها الصحيح في أي حكومة.

منافسة في الشعبوية

اللافت في هذا المشهد المشوه أو المختل ان السلطة التنفيذية باتت تتنافس مع نظيرتها أو نقيضتها التشريعية على شراء الولاءات والقوانين الشعبوية حتى بلغ الأمر أن تزايد الحكومة على البرلمان في إقرار المزايا المالية ذات الأعباء المستدامة، كما حدث ما بين عامي 2008 - 2010 في إقرار كوادر وبدلات ومزايا كانت كلفتها على المالية العامة مرهقة، وعلى النظام الوظيفي والإداري في الدولة مدمرة، إذ خلقت فروقات غير طبيعية في الدخل المالي بين أصحاب الوظيفة الواحدة، وثبطت كل خطط جذب الشباب الكويتيين نحو العمل بالقطاع الخاص مروراً باستغلال خدمة العلاج بالخارج بتكاليفها الضخمة بالتكسب الشعبوي، وصولاً إلى هدر أو على الأقل عدم حصافة إنفاق نحو ملياري دينار العام الماضي، لإنقاذ وزير من طرح الثقة في استجواب أو لعقد جلسة تحتاجها الحكومة، فأقرت قانون الصفوف الأمامية دون تمييز يبين ماهية هذه الصفوف، وأوقفت استقطاع أقساط البنوك مدة 6 أشهر دون عائد حقيقي إلا تأجيل القسط وترحيله لمدة معينة، وربطت زيادة رأسمال بنك الائتمان وتأجيل سداد سنداته، ليس بآلية أو مشروع يضمن حلولاً مستدامة للأزمة الإسكانية، بل فقط لحماية وزير الدفاع السابق من مخاطر طرح الثقة فيه، وأقرت مكافأة مالية للمتقاعدين بقيمة 3 آلاف دينار بغرض تجاوز الاستجوابين المقدمين لرئيس الوزراء - حينها - ووزير الأشغال.

خلط الرفاهية بالريعية

وفي ظل هذا الوضع المشوه، الذي يمنع تمثيل اتجاهات الرأي العام من السلطة التنفيذية دفع اقتصاد الكويت الثمن بالخلط غير المسؤول ما بين رفاهية المجتمع والثقافة الريعية الاستهلاكية، فانحرف جل الاهتمام في السلطتين عما هو مفترض بالعناية بحياة الإنسان، وتوفير خدماته الضرورية في السكن والتعليم والصحة، وجودة الخدمات والطرق، وضبط مستويات التضخم، وتحقيق الأمن الغذائي، وإتاحة فرص رفع مستوى الدخل، ومتانة أنظمة الضمان الاجتماعي، وصولاً إلى تنمية المعايير البيئية والحريات العامة والشخصية إلى اعتبار المفاهيم الريعية الاستهلاكية المؤقتة أولوية تستحق الاهتمام، فأنفقت مليارات الدنانير خلال السنوات القليلة الماضية دون عوائد ملموسة على الاقتصاد أو مستوى المعيشة، نتيجة لتنامي المصروفات التي كان يمكن ترشيدها لو اهتمت الدولة بمعايير الرفاهية المستدامة وليس المنافع المؤقتة.

بوابة للهروب

المشكلة ان البرنامج الوحيد على مستوى الدولة، الذي يربط السلطتين التشريعية والتنفيذية، هو برنامج عمل الحكومة، ولا يشترط موافقة مجلس الأمة عليه، مما يجعله مجرد مجموعة من الرؤى والخطوط العريضة دون آليات تنفيذية أو التزامات تجاه البرلمان أو حتى متطلبات تشريعية، بل يمكن أن يكون بوابة للهروب من المسؤولية مثلما حدث مع آخر برنامج عمل حكومي الذي كان خاوياً من أي قيمة تنموية، متحاشياً الأخذ بأي عمل أو مبادرة اقتصادية يمكن أن تؤدي إلى صِدام سياسي مع النواب، فضلاً عن ضعف الالتزامات التنفيذية فيه بوضع مجموعة مستهدفات كإصلاح التعليم أو تنمية سوق العمل، وتحسين بيئة الأعمال دون حتى عرض آليات التنفيذ... بل إن البرنامج الأخير للحكومة كان من المستحيل تطبيقه، لكونه استخدم لغة التورية والمصطلحات الملتبسة في الحديث عن الضرائب والبديل الاستراتيجي والدعومات بشكل يؤكد فكرة أن من قدمه لا يريد أصلا تنفيذه.

مفترق طرق

اليوم يبدو المشهد العام في الكويت حاملاً قدراً نادراً من التفاؤل بالمرحلة المقبلة، وحسب المعطيات، فإن أغلب النواب الذين قادوا مشهد المعارضة في السنوات الماضية سيكونون على توافق مع سمو رئيس مجلس الوزراء الحالي - في حال أعيد تكليفه مجدداً برئاسة الحكومة - وبالتالي فإن البلاد أمام مفترق طرق، إما أن تستغل هذه العلاقة الجيدة في تطوير آليات إدارة الدولة من جهة رفع درجة مشاركة مجلس الأمة في السياسات العامة، على الأقل من خلال العمل - حتى لو تطلب الأمر تعديلات دستورية – على أخذ الحكومة وبرنامج عملها ثقة المجلس بالتوازي مع تشجيع العمل الجماعي من خلال الأحزاب وبرامجها، أو أن تكون هذه العلاقة الودية مرهقة للاقتصاد والمالية العامة عبر نظم شراء الولاءات التقليدية المتعلقة بالمزايا المالية ذات الطبيعة الشعبوية... وهذا تحد يتطلب الكثير من الحصافة في تحويل التحالفات السياسية إلى مشاريع استدامة اقتصادية وحماية لمالية الدولة ومؤسساتها.

محمد البغلي

خلال السنوات الأخيرة باتت الحكومة تنافس مجلس الأمة في شراء الولاءات والقوانين الشعبوية

التوافق على رئيس الوزراء فرصة لرفع درجة مشاركة البرلمان في السياسات العامة

نحتاج إلى حصافة تحويل التحالفات السياسية إلى مشاريع استدامة اقتصادية وحماية لمالية الدولة ومؤسساتها
back to top