اختلالات النظام الانتخابي الكويتي

نشر في 07-09-2022
آخر تحديث 07-09-2022 | 00:20
 محمد المقاطع رغم ثراء التجربة الدستورية والبرلمانية الكويتية، التي تعود إلى عام 1962، حينما انتُخب المجلس التأسيسي، وبالرغم من عمق هذه التجربة والانتخابات التي أُجريت منذ ذلك الوقت، وخصوصاً انتخابات 1963، و1967، و1971 و1975، فإنّ هذه التجربة طرأت عليها العديد من التغييرات التي نالت من النظام الانتخابي، فألحقت به عيوباً وتشويهاً أدّيا إلى جعله نظاماً فئوياً يخاطب العصبيات ويعزز كل أنواع الفئوية؛ سواء قبلية أو طائفية أو عائلية أو مناطقية أو فئوية بأيّ شكل من الأشكال.

ومع الأسف، فإنّ أول تعديل حدث عام 1981 من خلال ما يُعرف بالدوائر الـ 25، الذي قسّم الكويت إلى 25 دائرة، كل دائرة تنتخب عضوين، وكان تفصيل هذه الدوائر مبنياً على أسس فئوية وبمعادلات تضمن دخول فئات محددة لمجلس الأمة، وحتى يتم التحكّم به وبمخرجاته، ثم تلت ذلك فكرة نظام الدوائر الخمس بأربعة أصوات، حيث تم النَّيل من القدرة التصويتية للناخب من عشرة أصوات إلى أربعة، وهي مجتزأة، أي أنّ له 40 بالمئة فقط، وخمس دوائر فُصّلت وقُسّمت لمصالح ذاتية خاصة لمن تحمّس لهذا القانون وعلى أسس تحاكي العصبيات والفئويات مع الأسف، ثم جاء بعد ذلك نظام الصوت الواحد على خمس دوائر، وكرّس هذا التشرذم وهذه الفرقة بين أبناء الشعب الواحد بصورة أكثر وضوحاً على نحو غير مُجدٍ.

وفي ظل مثل هذا النظام المشوّه، سادت ظواهر سلبية من ضمنها شراء الأصوات، نظراً لقلة الناخبين والقدرة على حصرهم حصراً دقيقاً، وظاهرة نائب الخدمات الذي يحصل على الأصوات لقاء خدمات محددة يقدّمها للناخبين، وظاهرة الانتخابات الفرعية والفئوية التي تؤهل من بين أبناء الفئة أو العصبية مَن يكون مرشحاً عنها، فضلاً عن ظاهرة النجاح بأصوات قليلة، ونقل الأصوات من دائرة إلى أخرى، حتى شهدنا ما هو أشنع من ذلك، وهو التسجيل الوهمي والتكدس السكاني على منازل محددة لتعزيز القدرة التصويتية لمصلحة مرشحين أثناء الانتخابات.

كل هذه الظواهر مجتمعة مع غياب الأحزاب السياسية ووجود فردية مقيتة في عملية الترشيح، جعلت مجلس الأمة يتكون من خمسين فرداً وهزال بالعمل البرلماني.

من هنا أصبحنا أمام اختلالات جوهرية بالنظام الانتخابي الكويتي، فالدوائر معيبة من حيث طريقة توزيعها، وهذا العيب هو الذي أوجد هذا التقسيم الفئوي والعصبي، وعلى أساسه ينتخب الناس، ووفقاً له يتم اصطفافهم مع مرشح ودعمهم له، ولا يمكن الخروج من هذا النظام المشوه إلّا بالنظام الانتخابي بالدوائر اللاجغرافية، وفقاً ليوم ميلاد الناخب بتوزيع عشوائي وبنظام القائمة بتمثيل نسبي، وهو مقترح قدّمناه تفصيلياً ومنشور.

أما التصويت فتشوبه عدّة مثالب، مثل ظاهرة تبادل الأصوات حينما يكون للناخب أكثر من صوت، وظاهرة تبادل الأصوات بين دائرة وأخرى، بسبب وجود كتل تصويتية محددة يتم تبادل الأصوات بينها، فينجح هذا وينجح ذاك اعتماداً على الفئوية والعصبية، لأنّ كلاً منهما لديه كتلة انتخابية تنتمي لتلك العصبية، ومن هنا تعززت ظواهر القبلية والطائفية والعائلية والمناطقية في التصويت والنجاح، وأدت إلى تشويه العملية الانتخابية.

يضاف إلى ذلك القدرة التصويتية المقيّدة، فهي في ظل الدوائر الخمس وأربعة أصوات من عشرة، وفي ظل الصوت الواحد بدل عشرة أصوات ينبغي أن تكون للناخب، وعلاج ذلك يكون بالصوت الواحد، لكن بنظام القائمة الانتخابية، ويكون النجاح نسبياً وبحدّ أدنى من نسبة المصوّتين، 10 بالمئة مثلاً، وبهذا النظام يتم إزالة الاختلالات التي يعانيها النظام من حيث عدد الناخبين، وكذلك من حيث التفاوت في القدرة التصويتية وتقليصها.

ولعلّ النظام الانتخابي المقترح والمنشور الخاص بالدوائر الانتخابية اللاجغرافية والتقسيم على أساس يوم ميلاد الناخب، وكذلك على أساس نظام القائمة، يكون هو الحل، ولن تستقيم الممارسة الديموقراطية ولن يُصحّح المشهد السياسي إلّا بعلاج تلك الاختلالات التي يعانيها النظام الانتخابي.

* أ. د. محمد المقاطع

back to top