ما وراء سياسة «الصين الواحدة» في عهد شي جينبينغ

نشر في 07-09-2022
آخر تحديث 07-09-2022 | 00:00
 سبكتاتور لفهم عقلية الحكومة الصينية الراهنة، يكفي أن نعود إلى عصر الأباطرة، إذ لا تحمل سياسة «الصين الواحدة» التي يتبناها الرئيس الصيني شي جينبينغ أي جانب جديد.

طوال قرنَين على الأقل قبل الثورة في عام 1911، طالبت الصين ببلد التبت المستقل، وهو مطلب لم يعترف به البريطانيون يوماً، علماً أن بريطانيا كانت الدولة الوحيدة القادرة على إصدار الأحكام بهذا الشأن، باعتبارها البلد الغربي الوحيد الذي وجد في التبت قبل عام 1911، وعلى مر الفترة التي سبقت ضمّها غير الشرعي إلى الصين في عام 1959.

في عام 1904، وقّعت بريطانيا والتبت على «اتفاقية لاسا»، ثم «اتفاقية شيملا» الثنائية في عام 1914، وكانت الصين حينها متوارية عن الأنظار، وحتى عام 1959، اتكلت التبت على حكومة مستقلة، وعلى سياستها الخارجية وعملتها وأختامها الخاصة، ولا يمكن أن يغيّر أي تحريف للتاريخ من جانب النظام الصيني هذه الوقائع التاريخية. لكن نظراً إلى تعثر الصين منذ عصر الأباطرة، زاد تمسّك البلد بضمّ التبت وتايوان، حيث تُوجّه هذه العقلية نفسها أوساط شي جينبينغ اليوم، لقد ترسخت هذه الفكرة منذ وقت طويل، ولا يمكن أن ترتاح الحكومة الصينية، اليوم أو مستقبلاً، قبل فرض سياسة «الصين الواحدة»، ولن تتغير هذه الوجهة بسبب مرور الوقت أو ظهور مفاهيم معاصرة حول تقرير المصير، فهي غير قابلة للتفاوض، وإذا كانت تعني إطلاق غزو عسكري من البر الرئيسي، فلا شيء سيمنع حصول ذلك،

كما تعتبر الحكومة الصينية تايوان آخر قطعة من الأحجية الإمبريالية، فهي احتلت التبت، واسترجعت هونغ كونغ وماكاو وقمعتهما، وجاء دور تايوان الآن، حتى لو اعترض العالم أجمع على هذه الخطوة وفرض العقوبات على الصين، ففي نظر الحكومة الصينية، لا شيء أهم من توحيد البلد، وفي هذا السياق، قال شي جين بينغ شخصياً: «في عام 1968، حين سُئِل رئيس الوزراء الصيني، تشوان لاي، عن تأثير الثورة الفرنسية من عام 1789، أجاب أن الوقت لا يزال مبكراً لمعرفة الجواب. لقد ظن على الأرجح أن السؤال يتعلق بالتحركات الطلابية في فرنسا في تلك الفترة، لكن سرعان ما صدّق الجميع هذه القصة لأنها قابلة للتصديق، فالصينيون يفكرون على المدى الطويل».

لكن لا تقتصر المسألة الأساسية على رسم الحدود، فنظراً إلى غطرسة الصين الإمبريالية، لا يتحمّل الصينيون أي تعديل للمعايير الصينية التي كانت سائدة في عصر سلالة هان، ويتّضح ذلك من جهة في محاولة قمع لغات أخرى محكية في هونغ كونغ، مثل الكانتونية، أو اللغات الشائعة في جنوب شرق الصين والتبت، ومن جهة أخرى، تُفرَض محظورات وعقوبات قد تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية.

اليوم، قد يُعتبر الإيغوريون «إرهابيين» لمجرّد أن يقصدوا المساجد، علماً أن هذه الصفة نُسِبت أيضاً إلى الدالاي لاما الذي أمضى حياته وهو يدافع عن اللاعنف، حيث يتعرّض الإيغوريون للاعتقال لأنهم يطيلون لِحاهم ويمتنعون عن شرب الكحول أو تناول لحم الخنزير، ويواجه سكان التبت المصير نفسه لأنهم يحملون أعلام الصلاة التقليدية وصورة الدالاي لاما.

لماذا يتصرف النظام الصيني بهذه الطريقة؟ يشتق جزء من هذه التصرفات على الأرجح من الغطرسة الإمبريالية التي تطبع الحكومة، لكن يتعلق جزء آخر منها بمشاعر انعدام الأمان الراسخة منذ أيام الإمبراطورية والخوف من التأثّر بعوامل لا تشبه معايير سلالة هان، إذ يخشى الصينيون تحديداً أن تصبح نزعتهم إلى التساهل قاتلة.

قال شي جينبينغ يوماً: «لماذا تفكك الاتحاد السوفياتي؟ ولماذا انهار الحزب الشيوعي السوفياتي؟ يتعلق سبب أساسي بزعزعة قِيَمهم وقناعاتهم».

للتعامل مع هذا الوضع، يجب أن يصمد العالم الديموقراطي إلى أن تغيّر الحكومة الصينية عقليتها في مرحلة معينة من المستقبل، لكن التجارب التاريخية تثبت أن تلك المرحلة لن تبدأ في أي وقت قريب.

* نورمان بيكر

The Spectator

back to top