رياح وأوتاد: نعم لا يوجد عندنا سجناء رأي

نشر في 05-09-2022
آخر تحديث 05-09-2022 | 00:10
 أحمد يعقوب باقر كنت قد كتبت مقالا في يناير الماضي بينت فيه أنه لا يوجد سجناء رأي في الكويت، وأن عدد المسجونين في الجرائم التي يدّعون أنها جرائم رأي لا يتجاوز 35 سجيناً، وأن جرائمهم هي الطعن في الذات الإلهية والأنبياء والصحابة أو الطعن في الذات الأميرية أو القيام بعمل عدائي ضد دولة شقيقة والتحريض على قلب نظام الحكم والإضرار بالمصالح القومية للبلاد أو التصوير والابتزاز، وذلك باستخدام وسائل التواصل، وأن عدد الخارجين من البلاد أقل من هذا العدد بكثير.

وكان مقالي رداً أيضاً على من يزعم من النواب السابقين أن عددهم 1000 أو 600 أو 400 سجين، ويبدو أن حديثي قبل أيام عن هذا الموضوع في قناة «الرأي» قد أثار بعض التساؤلات عن حقيقة الحريات في الدستور والمواثيق الدولية، وزعم أحد المدونين أن هؤلاء المحبوسين سجناء رأي وأن قوانين البلاد غير دستورية وتخالف المواثيق الدولية.

لذلك كان لابد من الكتابة من جديد رداً على التضليل والفهم الخطأ لمفهوم الحرية وفقاً لما في شريعتنا السمحاء والدستور والمواثيق الدولية وممارسات بعض دول العالم.

أولاً: في الدستور:

نص الدستور في المادتين 36 و37 على حرية الرأي والصحافة والنشر ولكنه أضاف في المادتين جملة (وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون)، وهذه الجملة يتجاهلها دائماً الذين يطالبون بالحرية المطلقة لأنها قررت أن الحرية منظمة بالشروط والأوضاع القانونية وليست مطلقة، وقد صدرت القوانين التي بينت هذه الشروط والأوضاع ومعظمها من الشريعة الإسلامية والمصلحة العامة.

ثانياً: في أحكام المحكمة الدستورية:

جاء في حكم المحكمة الدستورية في الدعاوى أرقام 20 و21 و22 لسنة 2013: «ولا عقاب على التفكير وتكوين الرأي، وإنما العقاب على إعلان الرأي المخالف للقانون والجهر به بأي طريقة من طرق العلانية، ولا وجه للاعتصام بأن حرية الرأي مكفولة طبقاً للمادة (36) من الدستور، إذ إن حرية الرأي تختلف عن باقي الحريات في أن أثرها ليس قاصراً على الفرد، وأن بعضها يرمي إلى تأثير الفرد في غيره، لذلك كان جانب تنظيمها أمراً مباحاً، لما تؤديه إلى الفتنة والفوضى واضطراب الأمن وتفتيت السلطة إذا هي قامت على وجهها المطلق، وحرص الدستور على تقريرها مع الإشارة إلى شأن القوانين المنظمة لها».

وجاء في حكم المحكمة الدستورية في الدعوى رقم 8 لسنة 2014: «وغني عن البيان أن ممارسة المشرع لسلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق لا تكون بدرجة واحدة إزاء ممارسة الفرد لحقوقه الدستورية المتنوعة، فيتسع نطاق سلطته الدستورية بالنسبة الى الحقوق التي قد يترتب عليها مساس بحقوق وحريات الآخرين، في حين تضيق سلطته بالنسبة الى غير ذلك من الحقوق الأخرى».

وجاء في الحكم نفسه أيضاً: «وأنه أيا كان وجه الاختلاف في تحديد نطاق الحرية الفردية ومدلولها فإن ثمة حقيقة لا ريب فيها أن الحرية المطلقة بمفهومها الواسع هي الفوضى وفي إطلاق الحريات من غير حد أو ضابط مدعاة للاضطراب».

ثالثاً: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

نصت المادة 29 منه على: «لا يخضع أي فرد في ممارسة حقوقه وحرياته إلا إلى القيود التي يقررها القانون مستهدفاً حصراً ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام».

رابعاً: الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان:

جاء في المادة 22 منه «الإعلام ضرورة حيوية للمجتمع، ويحرم استغلاله وسوء استعماله، والتعرض للمقدسات وكرامة الأنبياء فيه، وممارسة كل ما من شأنه الإخلال بالقيم أو إصابة المجتمع بالتفكك أو الانحلال أو الضرر أو زعزعة الاعتقاد».

هذه الأحكام والإعلانات كلها تؤكد ما ذهبنا إليه أن حرية الرأي ليست مطلقة أو فوضوية إنما مقيدة بالقيود التي يقرها القانون بناء على حقوق الآخرين والنظام العام والآداب العامة.

خامساً: المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:

نصت الفقرة 3 منه على: «تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة، وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق الناس أو سمعتهم ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة». وهذا أيضاً تأكيد دولي إضافي إلى ما ذهبنا إليه.

سادساً: الديوان الوطني لحقوق الإنسان:

تم بفضل الله قبول اقتراحي بإضافة المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة الإسلامية إلى الاقتراح بقانون المقدم من الحكومة في شأن حقوق الإنسان.

سابعاً: جمعية المقومات الأساسية لحقوق الإنسان:

وهي الجمعية التي اجتهدت شخصياً لتأسيسها، فقد جاء في البند 2 من نظامها الأساسي «الحفاظ على حقوق الناس ونشر الوعي بحقوق الإنسان المشروعة والدفاع عنها ضد أي انتهاك أو انتقاص بما يتوافق مع شريعتنا السمحاء، وبيان أن ديننا الإسلامي هو دين التسامح والعدل والإنصاف، وصد الشبهات التي تثار حول الإسلام في مجال حقوق الإنسان». وهذا تأكيد إضافي على التزامنا بالشريعة في فهمنا لموضوع حقوق الإنسان.

ثامناً: الحريات في الدول الأخرى:

كتبت في هذه الزاوية عدة مقالات وأمثلة عديدة عن ممارسات حقوق الإنسان في الغرب وخاصة عاصمة الظلام فرنساً التي منعت وفق عقيدتها العلمانية الحجاب (الخمار) في جميع المؤسسات الرسمية، ومنعت النقاب في الشوارع، كما حكمت على روجيه جارودي بالسجن لأنه انتقص من أعداد الهولوكوست المزعومة، وأخيراً أصدرت قانون عقوبة السجن لمن ينكر مذابح العثمانيين المزعومة للأرمن، وهكذا ذهبت حرية الرأي المزعومة وتم وضع القيود في فرنسا.

والخلاصة:

أن المساس والإساءة إلى الذات الإلهية والأنبياء والصحابة وأمير البلاد والمحرمات تعد من الجرائم لا من الرأي، والقوانين التي تعاقِب عليها قوانين دستورية ومتوافقة مع حقنا الوطني الديموقراطي في المواثيق الدولية، وهي ضرورية لحماية أعراض وكرامات الناس والنظام العام والآداب العامة، ولا أعتقد أن مجلس الأمة القادم أو في المستقبل سيقوم بإلغاء جرائم التعرض لأمير البلاد أو الأنبياء أو الصحابة أو الأعمال العدائية للكويت أو الدول الشقيقة أو كرامات الناس، علماً أن قانون المطبوعات لم يرتب عقوبة السجن إلا للتعرض للذات الأميرية والثوابت الشرعية المذكورة، أما العقوبات على باقي الجرائم فهي الغرامة المالية، وليس من الأمانة تصوير العدد القليل المخالفين للقانون من المسجونين أو المغادرين أنهم سجناء رأي ونحن نقرأ ما يكتبونه من تعديات واعتداءات صارخة على أمير البلاد وحرمات الناس وثوابتنا الشرعية، ولا شك أن هذا ليس من قبيل الرأي ولا من الانتقاد الرزين إنما هو كما وصفته المحكمة الدستورية من الفتنة والفوضى واضطراب الأمن.

ومع ذلك فإننا نتمنى لهم العودة عما يكتبون موجهين أقلامهم نحو النقد البناء المحترم دون إهانة أو تجريح لأحد، وعندها سنكون أول المدافعين عنهم والمرحبين بهم وبما يكتبون.

أحمد يعقوب باقر

back to top