أساطيل «الناتو» ترسل إشارات استراتيجية

نشر في 14-08-2022
آخر تحديث 14-08-2022 | 00:00
مؤسسة البحرية الأميركية ويليام هوكينز
مؤسسة البحرية الأميركية ويليام هوكينز
في بيانه الافتتاحي خلال قمة «الناتو» في مدريد 29 يونيو الماضي، ذكر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، أن جمهورية الصين الشعبية ستَرِد في مفهوم الناتو الاستراتيجي الجديد للمرة الأولى على الإطلاق، وقال إن «الصين ليست مذكورة ولو بكلمة واحدة في المفهوم الاستراتيجي الراهن [من العام 2010]. لكنها ستكون جزءاً من المفهوم الذي نتفق عليه خلال هذه القمة، وأتوقع أن يُجمِع الحلفاء على التحديات التي تطرحها الصين على قيمنا ومصالحنا وأمننا. تُعتبر الصين الآن خصماً لنا، لكن يجب أن نأخذ بالاعتبار طبعاً العواقب المترتبة على أمننا حين نشاهد الصين وهي تكثّف استثماراتها في القدرات العسكرية المعاصرة الجديدة، والصواريخ طويلة المدى، والأسلحة النووية، وتحاول السيطرة على البنى التحتية الأساسية».

هذا الموقف لم يحمل أي عنصر مستجد. كُلِّف ستولتنبرغ بتحديد أسس المفهوم الاستراتيجي الجديد في عام 2019، ودعا تقريره الأولي في بداية عام 2020 الناتو إلى التركيز على منطقة المحيطَين الهندي والهادئ كجزءٍ من مقاربة عالمية لفرض الأمن والاستقرار. يعكس هذا الموقف تأثير إدارة دونالد ترامب التي حوّلت تركيز السياسة الأمنية الأميركية نحو الصين، علماً أن إدارة باراك أوباما كانت قد بدأت هذا التحوّل الذي لا يزال مستمراً في عهد جو بايدن.

ربما يتعلق أهم تحرك بحري من أوروبا نحو منطقة المحيطَين الهندي والهادئ في السنة الماضية بالفرقاطة الألمانية «بايرن». في يوليو 2022، شدد نائب الأميرال الألماني، كاي أكيم شونباخ، الذي كان مفتشاً في القوات البحرية حينها، على أهمية دعم الشركاء القيّمين وسط تصاعد النزاعات على الأراضي في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. انطلقت تلك السفينة وحدها وزارت باكستان، والهند، وسريلانكا، وأستراليا، وفيتنام، وسنغافورة، وبالاو، واليابان، وكوريا الجنوبية. حتى أنها مرّت بالقواعد الأميركية في دييغو غارسيا وغوام، وشاركت في تدريب مشترك مع الولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا، وكندا، في بحر الفلبين. ادّعت بكين أن هذا التدريب «يُهدد سلام المنطقة ويؤجج الاستياء بين الدول الإقليمية»، ومنعت سفينة «بايرن» من زيارة الصين.

دائماً اهتمّت برلين بالتجارة مع الصين أكثر من المخاوف الأمنية على مسافة بعيدة عنها. لهذا السبب، كانت بكين تتكل على برلين لضبط التحركات المحتملة داخل الناتو. لكن اعتبر الأميرال شونباخ تنامي القوة البحرية الصينية «متفجراً» ومقلقاً إذا لم يلتزم بالقانون الدولي. راقبت سفينة «بايرن» خلال رحلتها مسار عقوبات الأمم المتحدة على كوريا الشمالية، وقامت فرنسا وكندا بالمثل.

اتّضحت أهمية توسيع رؤية الناتو في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ حين شاركت دول مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلندا، في قمة مدريد. لكن يبقى نشر القوات البحرية في نقاط الخلاف أهم من التقاط الصور خلال اجتماع دبلوماسي. لم يستطع أحد أن يمنع الحرب في أوكرانيا لأن كييف اعتُبِرت صراحةً خارج صلاحيات الناتو الأمنية.

يجب ألا يتكرر هذا الخطأ في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ حيث انضمّت سفن الناتو الحربية إلى القوى الإقليمية للتدرّب في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، والمحيط الهندي، وحتى مضيق تايوان.

وسيكون إلزام القوات البحرية بهذه المهام كفيلاً بإقناع بكين بأن تحالفاً دولياً بين أكثر الدول الديموقراطية تقدماً في العالم يقف في وجه العدوان ويدعم نظاماً دولياً مستقراً في أوروبا وآسيا معاً. ترتكز هذه اللعبة على مبدأ الردع، ولا تكتفي العمليات البحرية المتوسّعة بإضافة عامل القوة العسكرية إلى هذه المعادلة. نظراً إلى إصرار بكين على التهديد باستعمال القوة بعد رحلة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، إلى تايوان، قد تطلق التهديدات، في حال تنفيذها، حرباً إقليمية كبرى.

وتبرز الحاجة إذاً إلى تدعيم أسس الردع بطريقة تضمن صمودها في مختلف الظروف للحفاظ على السلام في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. وسيكون استمرار انتشار الناتو البحري أساسياً لتقوية تلك الأسس.

back to top