التنمية المستدامة في الوطن العربي وعوائق التحقيق

نشر في 22-06-2022
آخر تحديث 22-06-2022 | 00:08
 د. أحمد العنيسي تحدثنا وسطرنا بعض المقالات عن التنمية المستدامة المتعلقة بالبيئة سابقا؛ لكننا مع التشكيل الوزاري الجديد في البحرين استبشرنا خيراً بتشكيل وزارة التنمية المستدامة كوزارة مستقلة، وذلك لما توليه القيادة من أهمية بالغة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وفق رؤية البحرين 2030.

يبدو أن التركيز على تحقيق الأهداف جعل رئيس الحكومة صاحب السمو الملكي الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، حفظه الله، يرى أن هذه الأهداف لن تتحقق إلا باستقلالها في وزارة خاصة، مما حدا ببزوغ هذه الوزارة التي انتظرناها طويلاً.

فالتنمية المستدامة في الوطن العربي تواجه تحديات كبيرة منها:

أولاً: جهل كثير من هذه الدول في هذا المجال، كأفراد، ومجتمعات، ومؤسسات.

ثانياً: الجشع غير المحدود وحب المال.

ثالثاً: اللا مبالاة بشأن الأجيال القادمة من بعض المتنفذين تجاه المجتمع.

رابعاً: التخلف التقني ونقص الخبراء المختصين في هذا المجال.

فالتنمية المستدامة كتعريف هي: استخدام موارد الأرض لإشباع رغبات الجيل من غير الإضرار برغبات الأجيال القادمة، أي استخدام وسائل تطوير الإنتاج لتحسين معيشة الفرد بطرق لا تؤدي إلى استنزاف موارد الأرض والكواكب الطبيعية، وبالتالي عدم استنفاد موارد البيئة والإضرار بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للأجيال القادمة.

فنحن مثلاً نعمل خلاف ذلك التعريف، وهو أن يأتي متنفذ ويأمر بِدفن البحر من أجل مشاريع تجارية خاصة، كبناء المباني والعمارات والمنتجعات للبيع أو التأجير، هذه مشاريع غير تنموية، وهذا يصب في خانة عدم مراعاة حاجات ورغبات الأجيال القادمة، كذلك يقوم متنفذ آخر بجرف المناطق الزراعية من غير مراعاة الأمن الغذائي للناس أو حتى مفهوم التنوع البيولوجي، وبالتالي انقراض الكثير من الحيوانات المائية والطيور، فضلا عن تغير المناخ الذي بدوره يتناقض مع أهداف التنمية المستدامة... نكتفي بهذين المثالين لننتقل إلى المشاريع- وهي كثيرة- التي يجب الحرص عليها لمواكبة التنمية المستدامة.

بتقديري تأتي مشاريع البنية التحية للمواصلات كأولوية قصوى، وهي الانتقال إلى الطاقة المتجددة في تحريك المواصلات، وذلك بالتوقف عن استيراد السيارات التي تعمل بالبنزين وتعويضها بالسيارات الكهربائية الأقل تلويثاً وإزعاجا، بالإضافة إلى إقامة مشروع البنية التحتية للمواصلات، أي البدء بإقامة مشاريع القطارات والترامب والمواصلات للنقل الجماعي بدلاً من انتقال كل شخص بمصنعه منفرداً من مكان إلى آخر، حيث اعتبر المختصون كل سيارة تنتقل من مكان إلى آخر كالمصانع المتحركة، وبالتالي تلوث كل المناطق المارة بها.

العمل على التوسع في تدوير النفايات البلاستيكية والحديد والألمنيوم والخشب والزجاج والورق المقوى والمعادن، وكذلك التوسع في مشاريع إعادة الاستخدام كالذي يباع مثلا في سوق الحراج في البحرين، هذا السوق يرتكز على بيع بعض المواد المستعملة من أجل استخدامها مرة أخرى، وفي بعض البلدان تسمى التشليح، والبعض قد يسميها محلات الأدوات المستخدمة.

بصراحة شبعنا من التقارير الرنانة التي تقدمها الجهات المعنية في الدول العربية بالادعاء أنهم ملتزمون بالتنمية المستدامة، لكنك عندما ترى مشاريعهم تجد أنها لا تحقق «عُشر» أهداف التنمية التي تصب في خدمة البيئة، بل يقومون بتصاريح مخالفة للتنمية المستدامة لا سيما جرف الأراضي الزراعية ودفن البحار ولدينا في البحرين أمثلة دامغة.

لم نقل ذلك جزافا أو تجنياً، حيث عملت في المجلس الأعلى للبيئة، وقمت بتأليف كتاب عن بيئة البحرين والتنمية المستدامة الذي يحتوي في فصله الأخير على مقالات متعددة تتعارض مع التنمية المستدامة، ويمكننا القول نحن نعلم كيف تدار الأمور.

من باب حرصنا ومحبتنا لمملكتنا الحبيبة وكل الوطن العربي، ومن غير مزايدة، نأمل أن ترقى التشريعات وتتوسع أكثر، وتنفذ على الجميع بعد استقلال الوزارة المعنية بالتنمية المستدامة، ونطمح أن نرى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويأتي على أولوياتها القضاء على الفقر، وحصول المواطن على عمل لائق وهواء نقي وصحة جيدة وتعليم جيد ومدن مستدامة، والسلام والعدل والمساواة بين الناس... إلخ.

هذه الوزارة مهمة جدا وسيكون لها تأثير قوي إذا تابعت قضايا التنمية المستدامة مع جميع وزارات الدولة، وأهداف هذه الوزارة عظيمة (17 هدفاً) وضعتها الأمم المتحدة، وتحقيق هذه الأهداف لن يتأتى إلا بتعاون وزارات الدولة معها، فالقضاء على الفقر هدف سام لن يتحقق إلا بتعاون وزارة العمل وديوان الخدمة المدنية مع وزارة التنمية المستدامة، والتنمية الاقتصادية لن تتحقق إذا لم يكن هناك تعاون مع التنمية المستدامة، فلا يمكن (مثلاً) إقامة مشروع يضر بالبيئة من أجل الاقتصاد وتوفير المال، فإذا تعارض مع القيم البيئية ولم يراع التنمية البيئية المتعلقة بالصحة وتلوث الهواء فلا يمكن ترخيصه حتى لو كان يرفد ميزانية الدولة بمئات الملايين.

حتى وزارة التخطيط العمراني لا يمكن التوسع فيها إلا بالتعاون مع وزارة التنمية المستدامة، أي لا يجوز التوسع في تخطيط الأراضي براً أو بحراً إذا ما كان هناك حياة في البر أو البحر، كونه يعارض الهدفين المتعلقين بالتنمية المستدامة (14 و15)، ووزارة الاقتصاد أيضا لا يمكنها إقامة مشاريع تضر بالصحة العامة أو المناخ لأنها تعارض أهداف التنمية المستدامة.

فنخلص إلى أن وزارة التنمية المستدامة لها أذرع متصلة بجميع وزارات الدولة من أجل تحقيق أهدافها، وهذا لن يتحقق، إلا إذا كان تعاوناً وثيقاً، وفق تشريعات يحكمها القانون لا البشر.

ختاما، تسعى كل الدول العربية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهناك رغبة جامحة لجميعها؛ لكن لن تستطيع هذه الدول الوصول إليها مهما أصدرت تقاريرها التلميعية في هذا الموضوع، لأن الكثير من هذه الأهداف لن يتحقق إلا بوجود الديموقراطية الحقيقية، وهذا حلم لن تبلغ أشده جميع دول الوطن العربي، ولهذا سنبقى نصارع هذا التحدي إلى أجل غير مسمى.

* كاتب بحريني

* د. أحمد العنيسي

back to top