حوار كيميائي: أحمد القطان... حياة في وفاة!

نشر في 29-05-2022
آخر تحديث 29-05-2022 | 00:20
 د. حمد محمد المطر كلما تلوَّثت قلوبنا بأدران الحياة، وتعلَّقت فينا بعض شوائبها، جاءتنا وفاة أحد الكبار الكرام لتذكِّرنا بطهر البدايات ومقدمات الخطوات الأولى التي نشأنا فيها بمحاضن التربية التي درجنا عليها بين المساجد ومرافئ الفطرة السوية.

رسالة وفاة الشيخ أحمد القطان وكثيرين سبقوه وآخرين حتماً سيلحقون به تُذكرنا بأن الحياة بلا "معنى" ولا "رسالة" - مهما طابت - فإنها منزوعة القيمة خاوية الأثر هي والهباء سواء!

حين كنَّا نحضر خطب الشيخ كنَّا نلتقي الشباب من جميع الفئات والتجمعات والامتدادات، وكانت أسوار المسجد سوقاً رائجاً لبيع الإصدارات الثقافية والاجتماعية، كان لقاء روحانياً وتجمعاً وطنياً وتلاقياً في الفكر والاهتمام وتجسيداً أخوياً إيمانياً... كانت صلاة الجمعة في مسجده تظاهرة حضارية بكل تفاصيلها.

كثيراً ما كانت تأسرني فصاحة الشيخ، وتأخذني بلاغة عباراته في الوصف، حتى كأني أشاهد الحدث عياناً. قدراته الخطابية وإسقاطاته القرآنية وثيقة الارتباط بالواقع، ولن تتعجب إذا وجدته يوماً يتحدث إلى صغار بلغة سهلة بسيطة، أو يُقارع البُلغاء في أحاديثهم ومفرداتهم الخاصة، أو حين يوجه رسائله إلى النساء... كان ينتقي ألفاظه، ويتناغم مع نسق حديثه، ويجاري مُحدّثيه، ليس في هذا تخلٍّ عن سمته ولا جرأة طرحه أو إنكاره، لكنها مَلكات استطاع توظيفها حين يقتضي السياق. كان مسكوناً بحال الناس، مواكباً للعصر، في أدوات خطابه منذ أن كانت منصات التوجيه المباشرة في المنابر والدروس والمحاضرات، حتى تحولت إلى أشرطة كاسيت وكتيبات، ومن أثير الإذاعة إلى رحاب الفضائيات، وصولاً إلى مقاطع الاتصال الاجتماعي، تنوَّع في حضوره وآليات وصوله إلى عقول الناس وقلوبهم.

مثَّلت خطبه عن حماة وأفغانستان والكويت والبوسنة وكشمير وتحديات الأقليات المسلمة في العالم وقبلهم وبعدهم القدس وفلسطين خطاً نضالياً تفرد في أدائه... كانت أشبه بـ "دبلوماسية المنبر" التي منحت الكويت حضوراً عالمياً في أوساط العرب والمسلمين، وألهبت حماسة المقهورين والمستضعفين، وجدوا فيه نصيراً حين جهر بحقوقهم وأثار غيرة المسلمين على الانتهاكات التي طالت إخوانهم في الدين والعقيدة. أحبت جماهيره شجاعته، فمن كان يتصور أن تكون خطبته عن مذابح "حلبچة" تلك المدينة الكُردية في ذروة حُكم البعث في العراق ونفوذهم قبل غزو الكويت... لقد أخلص في تجسيد القضايا التي رفع فيها الصوت تعبيراً عن أنين المكلومين واضطهاد المستضعفين.

انتقل بعدها الشيخ القطان وآثر أن يجنح لترشيد الشباب وتهذيب الخطاب. وجَّه جُلّ تركيزه على الإصلاح الاجتماعي ودخول البيوت بأعذب أسلوب يُلامس احتياج الأسرة. استجاب له الناس، وزادت شعبيته وحضوره. أذكر حين أوقفت إذاعة القرآن برنامجه ورسائله، لم تنقطع اتصالات الجمهور على المسؤولين حتى عاد في فترة قياسية، كان قدوة في حديثه وسلوكه.

رحم الله الشيخ أحمد القطان خطيب منبر الدفاع عن الأقصى، تقبله المولى في رضاه، وخالص تعازينا لمحبيه في الكويت والعالم.

«Catalyst» مادة حفازة:

داعية رباني + جمهور واعٍ = إصلاح اجتماعي

د. حمد محمد المطر

back to top