وجهة نظر: غسل الأموال وتجار «الفَلَسْ»

وقد ساد الاعتقاد في السابق أن غسل الأموال يقوم على إيرادات تجارة الممنوعات وهو اعتقاد قد يكون صحيحاً في زمنه، لكنه لم يعد كذلك في الزمن الحالي ربما لأن القيود على التدفقات النقدية لدى البنوك لم تعد كما كانت، والمبالغ التي يتم غسلها سنوياً لم تكن بذاك الحجم، فحجم المبالغ (المغسولة) اليوم في كل مكان وعدد الغسالين الذين يتفنون بتبييض الأموال المشبوهة أصبح كبيراً جداً، لأن المسألة لم تعد مجرد عائدات لتجارة الممنوعات وإنما أموال كبيرة جداً ليس لها أصحاب، أموال تم نهبها من ميزانيات دول ومداخيل عامة تم الاستيلاء عليها دون وجه حق، ثم غاب الناهبون والمستولون وتاهت في حسابات البنوك بأرقام و(كودات) مجهولة، فأصبحت تحتاج إلى إعادة تدوير وتغيير ملكية.ولأن الأموال القذرة كثيرة فقد زاد عدد المليونيرات وازدادت أعداد السيارات الفارهة من نوع بنتلي وأخواتها في الشوارع، وأصبحت الوجوه لا تشبه الممتلكات والممتلكات لا تتناسب مع الوجوه، وقد تعلمنا سواء في الجامعة أو من دروس الحياة أن لرؤوس الأموال عوائد كبرى على الدولة ومجتمعها، لكننا لم نر أثراً (للتجار) الجدد على الاقتصاد وتوفير فرص العمل، وإلا كيف يمكننا تفسير أن مليونيراً يملك ملايين الدنانير ويستثمرها في مطعم من فرعين أو ثلاثة، وآخر يملك محل عصير وثالث يبيع ماركات مزورة (أونلاين) ورابع وخامس وغيرهم، ولأن النهايات دائماً تشبه البدايات، فإن هذه الأموال التي جاءت من المجهول ستعود إلى المجهول، وهؤلاء المليونيرات الذين ظهروا فجأة سيختفون فجأة، وقد تعودنا على رؤية مثل هذه اللعبة تتكرر مراراً، فهم مجرد أدوات ضمن لعبة تديرها جهات مجهولة توزع الأدوار والأموال بحسب اعتبارات دقيقة.