ثورة انتخابية ضد «حزب الله» في لبنان

• «القوات» أول الفائزين وتصبح أكبر كتلة برلمانية... والحزب يفقد غطاءه في باقي الطوائف
• المسيحيون يعاقبون «التيار الوطني»... والمجتمع المدني ينجح في تشكيل كتلة ثالثة

نشر في 17-05-2022
آخر تحديث 17-05-2022 | 00:12
أظهرت النتائج الأولية وغير الرسمية للانتخابات النيابية في لبنان جملة مفاجآت، اعتبرت خارج التوقعات، أبرزها تكبد «حزب الله» وحلفائه خسائر قوية.

وكشفت النتائج الأولية سقوط شخصيات سياسية وازنة، على رأسها رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني، بزعامة طلال أرسلان، المدعوم من «حزب الله»، في حين تمكن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من انتزاع الأكثرية النيابية المسيحية من غريمه رئيس التيار الوطني الحر، كما استطاع مرشحون عن المجموعات المدنية المستقلة حصد مقاعد برلمانية في دوائر حزبية، كانت تعتبر عصية على الخرق.

وقالت ثلاثة مصادر متحالفة مع «حزب الله»، لـ «رويترز»، إنه «من المرجح أن يخسر الحزب وحلفاؤه أغلبيتهم في البرلمان، وهي نتيجة ستشكل ضربة كبيرة للجماعة التي تمتلك ترسانة كبيرة من السلاح، وتعكس الغضب من الأحزاب الحاكمة، مبينة أنه من غير المحتمل أن يحصل حزب الله وحلفاؤه على أكثر من 64 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة 128، وأشارت إلى أنها نتائج أولية.

وفاز حزب الله وحلفاؤه بأغلبية 71 صوتا في الانتخابات الأخيرة التي جرت عام 2018، وقال متحدث باسم حزب القوات اللبنانية إن حزب الله وحلفاءه فقدوا أغلبيتهم البرلمانية.

أبرز الخاسرين

خرجت شخصيات سياسية معروفة من البرلمان معظمها من حلفاء حزب الله وأبرز هؤلاء:

• طلال أرسلان: يعد الزعامة الثانية لدى الدروز. نائب منذ 1991 ونجح في جميع الانتخابات باستثناء دورة 2005. اعتاد الفوز عبر ترك مقعد شاغر له من قبل وليد جنبلاط الذي تربطه به علاقة قرابة. خسر مقعده لمصلحة مرشح حزب «تقدم» مارك ضو.

• وئام وهاب: شغل منصب وزير، وفشلت جميع محاولاته لدخول البرلمان.

• أسعد حردان (الحزب السوري القومي الاجتماعي): انتخب نائباً في كل الدورات منذ اتفاق الطائف، خسر مقعده لمصلحة مرشح لائحة «معاً نحو التغيير» إلياس جرادة.

• ايلي الفرزلي: شغل مقعداً نيابياً دائماً منذ الطائف ومناصب وزارية في عدة حكومات.

• زياد أسود: انتخب نائباً عام 2009 وعام 2018 وعرف بمواقفه الطائفية الفاقعة.

وأظهرت النتائج الأولية للماكينات الانتخابية، التابعة للوائح المتنافسة ليلا، احتفاظ حزب الله وحليفته الشيعية حركة أمل، بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، بكامل المقاعد المخصصة للطائفة الشيعية (27 مقعدا)، ولم يتمكن حليفه المسيحي التيار الوطني الحر، بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون، من الاحتفاظ بأكثرية نيابية مسيحية، بعد خسارته عددا من المقاعد لمصلحة خصمه «القوات»، وقالت مصادر إن «التيار» حصل على 15 مقعدا.

كما فشل نواب سابقون مقربون من حزب الله وداعمته دمشق في الاحتفاظ بمقاعدهم على غرار نائب الحزب القومي السوري الاجتماعي أسعد حردان عن المقعد الأرثوذكسي في إحدى دوائر الجنوب، والذي يشغله منذ عام 1992، والنائب الدرزي طلال أرسلان في دائرة عاليه بمحافظة جبل لبنان.

في المقابل، ضمن جعجع، خصم حزب الله اللدود، والذي تربطه علاقات جيدة بالسعودية، فوزه بأكثر من 20 مقعدا، وفق نتائج أولية لماكينته الانتخابية، وكانت القوات فازت وحدها بـ15 مقعدا في انتخابات 2018، مقابل 21 للتيار الوطني الحر مع حلفائه، وحصلت «القوات» بموجب التقديرات على 21 نائبا لتصبح أكبر كتلة في البرلمان.

خروقات

وتحدثت ماكينات أحزاب ومجموعات معارضة عن خروق في عدد من الدوائر، أبرزها في دائرة الجنوب الثالثة التي عادة ما تكون كلها من نصيب لائحة مشتركة بين حزب الله وحلفائه، وتمكن فيها المرشح المستقل الياس جراده، وهو طبيب عيون معروف في منطقته، من الفوز.

الحريري: قرار انسحابنا كان صائباً

علّق رئيس الحكومة اللبنانية السابق، سعد الحريري، على انتهاء الانتخابات النيابية اللبنانية، لافتا إلى أن لبنان «أمام منعطف جديد».

وعلى حسابه في «تويتر»، قال الحريري: «انتهت الانتخابات، ولبنان أمام منعطف جديد... الانتصار الحقيقي لدخول دم جديد الى الحياة السياسية». وأضاف: «قرارنا بالانسحاب كان صائبا... هزّ هياكل الخلل السياسي، وهو لا يعني التخلي عن مسؤولياتنا... سنبقى حيث نحن نحمل حلم رفيق الحريري، ونفتح قلوبنا وبيوتنا للناس.. نسأل الله أن يحمي لبنان».

وتمكن ثلاثة مرشحين على الأقل من لائحة المعارضة في دائرة جبل لبنان الرابعة، وثلاثة مرشحين في دائرتي بيروت الأولى والثانية من الفوز بمقاعد نيابية، وثلاثة مرشحين مستقلين في دائرة صيدا، وفق نتائج غير رسمية، ومن بين هؤلاء الناشط المجني مارك ضو، والنائبة السابقة بولا يعقوبيان، التي كانت المرشحة المعارضة الوحيدة الفائزة في انتخابات 2018، ونقيب المحامين السابق في بيروت ملحم خلف، والنائب أسامة سعد.

ويمكن للفائزين المعارضين والمستقلين أن يشكلوا كتلة برلمانية موحدة، تكرس نهجا مختلفا بالعمل البرلماني، في بلد يقوم نظامه السياسي على محاصصة طائفية وتغليب منطق الصفقات. وبحسب التقديرات حصل المجتمع المدني على 10 مقاعد.

الغطاء المسيحي والدرزي

وقال عضو «الجبهة السيادية» المحلل السياسي بشارة خيرالله: «من المهم التأكيد على أن عصر استمرار الغطاء المسيحي الأكبر لفريق إيران في لبنان بدأ بالانحسار، فقد بدأنا بـ70 في المئة من المسيحيين عام 2005، ومن ثم انتقلنا إلى 51 في المئة عام 2009 حتى 2018، واليوم 2022 صار الفريق المسيحي المغطي لهيمنة إيران على القرار اللبناني أقل من الفريق المسيحي الرافع للغطاء».

وعلى صعيد المقاعد الدرزية، قال خيرالله: «خرج الفريق الدرزي المغطي لحزب الله من السباق لمصلحة الفريق الدرزي الرافض لهيمنة السلاح».

إيران تحترم النتائج... والبخاري يغرّد من «سورة محمد»

أكدت إيران، التي تكبّد حلفاؤها خسائر في الانتخابات التشريعية، أنها تحترم النتائج.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، في مؤتمر صحافي أمس: «تحترم إيران تصويت الشعب اللبناني. إيران لم تحاول أبدا التدخل في الشؤون الداخلية للبنان». ​

وأثارت تغريدة لسفير السعودية لدى لبنان، وليد البخاري، تفاعلا كبيرا في مواقع التواصل، لتزامنها مع صدور معظم النتائج الأولية للانتخابات النيابية اللبنانية التي أظهرت أن سمير جعجع أحد حلفاء الرياض الأساسيين في لبنان فاز بأكبر كتلة نيابية في البرلمان.

وعلى حسابه في «تويتر»، نشر البخاري آية من القرآن الكريم، وقال: «ومن أَصدق من الله قيلا»: مضيفاً من سورة محمد «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم».

وتداول رواد مواقع التواصل هذه التغريدة، وأعادوا نشرها، وسط عدد كبير من التعليقات، حيث قال أحدهم: «الحمد لله.. لبنان العشق عربي عربي عربي»، وأضاف آخر: «الحمد لله معاليك صباحك جميل كصباح انتصار صوت الحق والأمل بلبنان جديد».

وعلّق أحد الحسابات قائلا: «مبروك النصر للشرفاء... لبنان عربي مهما تكالب عليه أهل الشر.. لبنان الجديد بإذن الله... «والذين كفروا فتعساً لهم وأضلّ أعمالهم». يسعد صباحك سعادة السفير».

من جهته، ذكر الكاتب الصحافي اللبناني منير الربيع أن النتائج «كسرت نظرية أن الناخبين السنة لا يريدون التحالف مع القوات»، متابعا: «ليس تفصيلا أن نشهد رموزا من أبرز حلفاء حزب الله، والذين كانوا يمنحونه الغطاء سواء في الطائفة السنية أو الدرزية أو المسيحية، قد سقطوا أو ترجعوا أو تقلصت أحجامهم، وبالتالي هذا أيضا مؤشر يمكن أن يبنى عليه للمرحلة المقبلة».

وعلى الساحة السنية أيضاً، سجّل تراجع كبير في صفوف حلفاء الحزب، خصوصاً مع خسارة فيصل كرامي في طرابس. هذه النتائج تكرس انقلاباً واضحاً حصل في البيئة السنية من خلال وصول شخصيات جديدة من خارج التقليد، كما تكرّس خسائر كبيرة مني بها حلفاء النظام السوري مع خسارة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، وإيلي الفرزلي.

انسداد سياسي

وأعلنت نتائج أولية، في وقت تعد نسبة الاقتراع ثالث أدنى نسبة مسجلة في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990). ويقول الباحث والأستاذ الجامعي كريم بيطار: «أعتقد أن الامتناع عن التصويت مرتبط جزئيا بالإحباط من الطبقة السياسية والشعور بأنه لن يحصل أي تغيير كبير في الوضع الاقتصادي».

وكتب الباحث والأستاذ الجامعي زياد ماجد: «مهام المجلس النيابي الجديد فيها انتخاب رئيس جمهورية، وفيها موافقة على خطط إنقاذ اقتصادي واتفاقات مع مؤسسات دولية (...) وهذه كلها ستجري وسط انقسامات عميقة، ومستوى تمثيلي منخفض».

وأفاد محللون بأن النتائج قد تقود إلى جمود سياسي وصراع مع سعي الفصائل المنقسمة بشدة للتوصل إلى اتفاقات لاقتسام السلطة بتوزيع المناصب الكبيرة في الدولة، مما يهدد بمزيد من التأجيل للإصلاحات المطلوبة لمعالجة الأزمة الاقتصادية وتلقي المساعدات.

والانتخابات هي الأولى بعد انهيار اقتصادي صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، وبعد احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد السلطة، وانفجار مروع في 4 أغسطس 2020 في مرفأ بيروت أودى بحياة أكثر من 200 شخص ودمر أحياء من العاصمة.

● بيروت -منير الربيع

back to top