تحكمنا الظروف

نشر في 13-05-2022
آخر تحديث 13-05-2022 | 00:07
 د. نبيلة شهاب ظروف كل منا الشخصية لا يعلمها ولا يستطيع تفسيرها غيرنا مهما كانت درجة قرب الآخرين منا، وهذه الظروف غالباً ما تحكمنا وتؤثر بدرجة كبيرة على طبيعة حياتنا بكل تفاصيلها بشكل مباشر، وعلى حياتنا الاجتماعية خاصة، وعلى كيفية تعاملنا مع الآخرين، والظروف بشكل عام متغيرة، وهذا التغيير قد يكون لفترات قصيرة أو قد يمتد على مدى العمر.

والظروف التي نمر بها وتدفعنا الى تغيير سلوكياتنا وأحيانا قناعاتنا وميولنا واتجاهاتنا غالباً ما تكون أقوى من رغباتنا أو قد تكون برغبة منا لسبب يتعلق بنا أو بآخرين، فالزوجة على سبيل المثال التي تبدأ حياتها الزوجية بتقليل الأوقات التي كانت تقضيها مع صديقاتها لا يكون ذلك إلا لإرضاء وإسعاد زوجها وذاتها، وكذلك يكون هدف الزوج، وهو إسعاد زوجته وذاته وزيادة مساحة المشاركة الاجتماعية بينهما، وهذه التصرفات والتغيرات المصاحبة لظروف الزواج التي تطرأ على سلوك الزوجين دليل على توافق وتكيف إيجابي وجيد، وكرم في العطاء والتعاون وتنازل الزوجين لإنجاح واستمرار استقرار الحياة الزوجية.

وظروف العمل أو طبيعته لا تقل أهمية، ففي بعض الأعمال يكون على الفرد التخلي عن الكثير من الأنشطة التي كان يقوم بها، الى جانب أن أعمالاً أخرى تحتاج الى دقة في القيام بها، ويتطلب ذلك أن يبتعد الفرد خلال ساعات عمله عن الآخرين حتى إن كان العمل من المنزل، ومفهوم «ظروف العمل الطارئة» مفهوم مهم جداً في أعمال محددة كالطبيب على سبيل المثال، حيث يكون على أهبة الاستعداد دائماً للقيام بعمله في أي لحظة وهو خارج وقت العمل.

ولكن إن كانت ظروف الزواج أو العمل أو غيرها تحمل معها مشاعر إيجابية وشعوراً بالسعادة في أغلب الأوقات، فإن ظروف مرض الفرد عكس ذلك، فإلى جانب شعوره بالألم والتقيد والإحباط نجده يشعر بالذنب لعدم قدرته على الاستمرار بالعطاء، كما كان يفعل قبل مرضه سواءً لنفسه أو لمن هو مسؤول عنهم، وغالباً ما يكون ذلك في حالة الأمراض المزمنة، أما في حالة الأمراض الأخرى غير المزمنة فالوضع مختلف، وذلك لأنها مؤقتة ومرهونة بأيام أو أشهر محددة ومن ثم يعود الفرد لممارسة حياته الطبيعية قبل المرض.

ولا يعني ذلك أن نجعل ظروف المرض شماعة نعلق عليها أي تقصير، ولا أن نسمح لها بأن تحدد طموحنا أو تقيد آمالنا، بل يجب أن يقوم الفرد بتغيير طبيعة حياته وأنشطته بما يتناسب مع قدراته المختلفة مع وجود المرض.

ومن البدهي أن لشخصية الفرد تأثيراً واضحاً وقوياً على القدرة على التكيف والتوافق والتأقلم مع الظروف المتغيرة سواءً كان التغيير لمدة قصيرة أو لمدى الحياة، فالشخصية الانبساطية المتفائلة تعتبر أفضل الشخصيات قدرةً على التكيف والتوافق الإيجابي في هذه الحالات والعكس صحيح.

من المهم علينا أن نتفهم جميع الظروف التي يمر بها الآخرون ونتقبلها حتى وإن أزعجنا ذلك، وهذه أبسط حقوقهم علينا وخصوصا المقربين لنا.

نتغير ونتوافق ونتنازل ونكتسب ونتعلم خلال الظروف المتغيرة، وذلك لأنه غالباً لا حيلة لنا في اختيار وانتقاء الظروف، بل نتقبل السيئ منها كما نتقبل الجيد والمفيد وتستمر الحياة.

د. نبيلة شهاب

back to top