تدقيق الحقائق

نشر في 09-05-2022
آخر تحديث 09-05-2022 | 00:00
 الفضاء يزداد ازدحاما
الفضاء يزداد ازدحاما
يتوقع أن يزداد الفضاء ازدحاما مع تضاعف عدد عمليات إطلاق الأقمار الاصطناعية بخمس مرات في العقد المقبل.
في مايو 2021، عثرعلى ثقب في ذراع روبوتية على متن محطة الفضاء الدولية International Space Station (اختصارا المحطة ISS)، وذهبت التقديرات الى أن قطعة من الخردة الفضائية Space junk هي التي أحدثته. وفي حين لم يُصب أي من روّاد الفضاء، لحُسن الحظ، فقد أعاد ذلك تسليط الضوء على مشكلة الحطام المداري Orbital debris المتفاقمة.

كيف وصلنا إلى هنا؟

من السهل أن ننسى أنه قبل 7 عقود فقط، كان القمر هو الشيء الوحيد الذي يدور حول الأرض. لكن في 1 يناير 2021، كان في المدار 6.542 قمرا اصطناعيا أكثر من نصفها بقليل مستخدمة الآن. ويمثّل هذا كمية كبيرة من المعادن غير المفيدة التي تحوم حول الكوكب بسرعة 28 ألف كم/ساعة، أي أسرع بعشر مرات من الرصاصة.

ويصف المدير العام السابق الوكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency (اختصارا الوكالة إيسا ESA)، جان فورنر Jan Warner، الأمر على هذا النحو: "تخيلوا مدى خطورة الإبحار في عرض البحر لو أن معظم السفن التي فقدت على مر التاريخ ما زالت تتهادى فوق الماء".

حتى أصغر الشظايا، بما في ذلك الصواميل والمسامير الضالة والجزيئات المجمدة من وقود الصواريخ، يمكن أن تسبب أضرارا هائلة. وحتى بقع الطلاء تشكل تهديدا، فقد أجبرت "ناسا" على استبدال عديد من النوافذ التالفة في مكوك الفضاء القديم. وتقول وكالة ناسا إن الحطام المداري بحجم ملليمتر يعد أعلى المخاطر لإنهاء بعثة معظم المركبات الفضائية الروبوتية التي تعمل في مدار منخفض حول الأرض.

ما مدى خطورة المشكلة؟

إنه أمر سيئ جدا ويزداد سوءا، إذ تشير التقديرات الى أن هناك حاليا نصف مليون قطعة من الحطام بحجم كرة بلية اللعب أو أكبر، و100 مليون قطعة من الحطام يزيد عرضها على ملليمتر واحد. ولكن لا تتعقب وزارة الدفاع الأميركية سوى حركة 27 ألف قطعة منها. اضطرت محطة ISS الى إجراء 29 مناورة لتجنب الحطام منذ عام 1999، بما في ذلك 3 مناورات عام 2020 وحده. ولا يساعد أن بعض الدول قررت عمدا تفجير أقمارها الاصطناعية بالصواريخ في إطار مناورات عسكرية تجريبية. ومثل هذه الخطوة التي اتخذتها الهند عام 2019 نتجت عنها 400 شظية من الحطام الفضائي.

ويتوقع أن يزداد الفضاء ازدحاما مع تضاعف عدد عمليات إطلاق الأقمار الاصطناعية بخمس مرات في العقد المقبل.

في يناير 2021 أطلق 143 قمر اصطناعيا الى الفضاء دفعة واحدة على متن صاروخ سبيس اكس فالكون SpaceX Falcon rocket. ويهدف مشروع خدمة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية Starlink لشركة SpaceX الى وضع 12 ألف قمر اصطناعي في المدار خلال السنوات الخمس المقبلة. كل هذه الأجهزة الإضافية تزيد بصورة كبيرة من فرص الاصطدامات ومتلازمة كيسلر Kessler syndrome المخيفة.

ما متلازمة كيسلر؟

متلازمة کیسلرهي سلسلة كارثية من الأحداث يتحطم خلالها قمر اصطناعي من جراء ارتطامه بقطعة من النفايات الفضائية (أو الاصطدام بقمر اصطناعي آخر)، ثم يدمر الحطام الناتج مزيدا من الأقمار الاصطناعية، مما يؤدي الى إنتاج مزيد من النفايات، وهكذا دواليك في سلسلة لا تنتهي. إنه ما يسمى التفاعل التسلسلي أو تأثير الدومينو Domino effect- إذ يؤدي سقوط قطعة الى سقوط الأخرى المجاورة لها تباعا. وقد سمي على اسم عالم "ناسا" دونالد کیسلر Donald Kessler التي أوضح مخاطر ذلك عام 1978.

ووفقا لتقرير استدامة الفضاء Space Sustainability report الصادر عام 2020 عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي Organisation for Economic Co-operation and Development (اختصارات المنظمة OECD)، فإن متلازمة كيسلر قادرة على جعل بعض المدارات غير صالحة للاستعمال للأنشطة البشرية، ويرجح التقرير أن يؤدي ذلك الى تعطيل خدمات الإنترنت والطقس والاتصالات على نحو خاص.

ما مدى قربنا من تحفيز متلازمة كیسلر؟

توقع تقرير للأمم المتحدة، يعود الى عام 2013، أن تحدث اصطدامات كارثية مرة كل 5 الى 9 سنوات خلال القرنين المقبلين، وهذا يحدث بالفعل.

في عام 2009 اصطدم قمر الاتصالات الاصطناعي ايريديوم Iridium بالقمر الاصطناعي الروسي غير المستخدم كوزموس 2251 (2251 Kosmos)، مما أدى الى تدمير المركبتين الفضائيتين. وقع الحادث على الارتفاع نفسه تقريبا لأحد الأقمار الأكثر عرضة للخطر، وهو القمر الاصطناعي الرصد الأرض انفیسات Envisat الذي يبلغ وزنه 8 أطنان. سيبقى انفيسات في المدار 150 عاما مقبلة، وهناك احتمال بنسبة 15 الى 30 بالمئة أن يصطدم بقطعة من الخردة الفضائية خلال ذلك الوقت. لا يتعين بالضرورة أن تحدث متلازمة كيسلر بسرعة، فقد تكون هذه الارتطامات هي أول قطعة من السلسلة، ثم تحدث الاصطدامات بوتيرة أسرع بمرور الوقت.

ما الذي يمكننا فعله حيال هذا؟

سيساعد تنظيم عمليات الإطلاق الجديدة على نحو أفضل، إذ إن الكل يتصرف حاليا كما يرغب. هناك لوائح وضعت لمحاولة التخفيف من المخاطر، مثل قاعدة الخروج من المدار بعد 25 عاما للبعثات الموجودة في مدار أرضي منخفض. ولكن تقرير بيئة الحطام الفضائي Space Debris Environment Report الصادر من الوكالة إيسا يفيد بأن أقل من 60 بالمئة من أولئك الذين يحلقون في مدار أرضي منخفض يلتزمون حاليا بالقواعد.

يجب تغليظ عقوبات المخالفين، وأن يتوقف التفجير المتعمد للأقمار الاصطناعية. كما يساعد تعزيز تتبّع الخردة الفضائية، لأنه يمكن إزاحة الأقمار الاصطناعية المشغلة من مسار التصادم عن طريق تشغيل صواريخها الصغيرة الدافعة. ومع ذلك فإن الأقمار الاصطناعية المنتهية الصلاحية ما زالت معيقة، ولا يوجد ما يسعنا فعله لتجنب الاصطدام. لهذا السبب يطالب كثيرون بعملية تنظيف.

عام 2018، اختبرت بعثة ريموف دییری RemoveDEBRIS البريطانية استخدام خطاف جمع النفايات من المدار. وفي هذه الأثناء شكلت وكالة ايسا أول بعثة لإزالة الحطام القضائي في العالم. سميت المهمة كليرسييس - 1 (1-ClearSpace)، وستطلق عام 2025، على أن تحاول التقاط الطبقة العليا من صاروخ بقي في الفضاء منذ عام 2013.

المصدر: مجلة مدار

سلسلة مقالات تنشر بالتنسيق مع التقدم العلمي للنشر.

تابع قراءة الموضوع عبر الموقع الإلكتروني:

www.aspdkw.com

* کولین ستيوارت

back to top