إزالة الكربون تشكل ضرورة استراتيجية الآن

نشر في 02-05-2022
آخر تحديث 02-05-2022 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت أجبر غزو روسيا لأوكرانيا الاتحاد الأوروبي على تسريع وتيرة السياسة التي ننتهجها في التعامل مع الطاقة والمناخ، فبعد أن لجأ الكرملين إلى استخدام الطاقة على نحو متزايد كأداة لفرض نفوذه السياسي، بات لزاما علينا أن نعمل على حرمانه من نفوذه بتقليل اعتمادنا على الواردات من الوقود الأحفوري من روسيا بشكل جذري.

يتداخل الأساس الجيوسياسي المنطقي وراء ضرورة القيام بذلك مع حتمية التصدي لتغير المناخ، ويؤكد أحدث تقرير صادر عن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بشأن تدابير التخفيف على إلحاح هذه المهمة، ويجب أن تبلغ الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي ذروتها بحلول عام 2025 إذا كان لنا أن نتمكن من تجنب زيادة كارثية في درجات الحرارة العالمية، وعلاوة على ذلك، يجب أن يُـدار التحول على نطاق الاقتصاد بالكامل إلى الطاقة النظيفة بحرص شديد بما يراعي العواقب الاجتماعية والاقتصادية الحتمية؛ يجب أن يكون «انتقالا عادلا».

من الأهمية بمكان أن يضطلع الاتحاد الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي بدور بالغ الأهمية في هذا التحول، وتشكل الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، والتكنولوجيات المبتكرة مثل الهيدروجين الأخضر، أدوات مهمة في التعامل مع العدوان الروسي والمساعدة في إنقاذ الكوكب من الاعتماد على الوقود الأحفوري، والواقع أن كل يورو يُـنـفَـق على تحول الطاقة في الداخل هو يورو نمنعه من الوصول إلى يد قوة استبدادية تشن حربا عدوانية شرسة، وكل يورو ننفقه على الطاقة النظيفة يعزز حريتنا في اتخاذ القرار بأنفسنا، وكل يورو ننفقه في مساعدة شركائنا الدوليين في تسريع استراتيجياتهم لإزالة الكربون هو استثمار في القدرة على الصمود ومكافحة تغير المناخ.

منذ بدأ الغزو الروسي في الرابع والعشرين من فبراير، كان الاتحاد الأوروبي حريصا على تسريع خطط الانتقال إلى الطاقة النظيفة للمساعدة في إنهاء اعتماد أوروبا على الواردات من الوقود الأحفوري الروسي في أقرب وقت ممكن، ورغم أن هذا لن يحدث بين عشية وضحاها، فإن الحوافز التي تدفعنا إلى القيام بذلك الآن أصبحت أكبر من أي وقت مضى، والحق أننا قادرون على تحقيق استقلال الطاقة من خلال تحسين الكفاءة، وتنويع الإمدادات، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وتستلزم هذه العملية الحشد والتعبئة على جميع المستويات، من الهيئات فوق الوطنية نزولا إلى الأسر والأفراد.

لا يخلو الأمر من محاذير مهمة يجب وضعها في الحسبان:

أولا، لا يجوز لنا في اندفاعنا إلى البحث عن موردين بديلين للغاز الطبيعي- الذي يشكل أهمية بالغة في الأمد القريب- أن نحبس أنفسنا في تبعية جديدة طويلة الأجل وتتطلب استثمارات ضخمة في البنية الأساسية للوقود الأحفوري، وسيكون هذا باهظ التكلفة، وكارثيا بالنسبة إلى كوكب الأرض، وغير ضروري في النهاية، نظرا للخيارات المتاحة الأكثر وعيا بالمناخ.

ثانيا، لا يجوز لنا أن نستبدل عنق زجاجة بآخر من خلال مقايضة اعتمادنا المفرط على الوقود الأحفوري بالاعتماد المفرط على المواد الخام اللازمة للتحول الأخضر، وتتركز هذه الموارد بشكل كبير في قِـلة من البلدان، ولا تحترم جميعها ذات القيم والمصالح التي يحترمها الاتحاد الأوروبي، ويجب أن يظل تعزيز استقلالية الاتحاد الأوروبي الاستراتيجية وقدرته على الصمود هدفا أساسيا لهذه العملية الانتقالية.

لا شك أن أوروبا لا تستطيع أن تفعل هذا بمفردها، ويشكل الفوز في المعركة ضد تغير المناخ ومجابهة العدوان الروسي تحديين عالميين يستلزمان استجابة عالمية، ومن الواضح أن حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانت سببا في تعزيز الأساس المنطقي الاستراتيجي لحفز جميع البلدان وحملها على خفض وارداتها من الوقود الأحفوري وزيادة استثماراتها في حلول الطاقة الرحيمة بالمناخ.

هذا هو السبب وراء انخراط الاتحاد الأوروبي بنشاط في دبلوماسية المناخ، فنحن نريد تشجيع الآخرين على رفع مستوى طموحاتهم المناخية، وقد خصصنا موارد ضخمة للعمل مع البلدان الشريكة حتى تتمكن هي أيضا من الانتقال إلى اقتصاد مرن خال من الانبعاثات، ومن خلال الصفقة الأوروبية الخضراء ومبادرة البوابة العالمية الجديدة التي أطلقها الاتحاد الأوروبي، تحشد مؤسسات الاتحاد الأوروبي والبلدان الأعضاء ما يصل إلى 300 مليار يورو (325 مليار دولار أميركي) من الاستثمار في البنية الأساسية الخضراء والرقمية في التصدي لأزمات المناخ، والتنوع البيولوجي، والطاقة.

علاوة على ذلك، تعهد بنك الاستثمار الأوروبي بدعم استثمارات بقيمة تريليون يورو في العمل المناخي وتعزيز الاستدامة البيئية بحلول عام 2030. وعن طريق ذراعه التنموية الجديدة، «بنك الاستثمار الأوروبي العالمي»، يعمل البنك مع الشركاء في مختلف أنحاء العالم على حشد التمويل لدعم مشاريع تعزيز كفاءة استخدام الطاقة، ومصادر الطاقة المتجددة، وشبكات الكهرباء.

من خلال العمل كجزء من الجهود المشتركة التي يبذلها الاتحاد الأوروبي في إطار «فريق أوروبا»، يتراوح دعم بنك الاستثمار الأوروبي لمستقبل الطاقة النظيفة من الاستثمار في الطاقة الشمسية في السنغال إلى تمويل رياض أطفال أكثر كفاءة في استخدام الطاقة في أرمينيا، كما ساعد البنك في إقامة شراكة تحول الطاقة العادل مع جنوب إفريقيا؛ وقدم الدعم لتحالف الطاقة الشمسية الدولي ومقره الهند، والذي يدعم تطوير الطاقة الشمسية في 105 دول استوائية؛ ووَقَّـع على مخطط متكامل لإدارة المياه والوقاية من الفيضانات في الأرجنتين.

الحق أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لدعم المجتمع العالمي لإنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري، والحرب الروسية في أوكرانيا ليست سببا لتأخير الاستثمار في العمل المناخي، بل على العكس من ذلك، يجب أن يمنحنا المزيد من الاستثمار الأخضر قدرا أكبر من الاستقلالية الاستراتيجية، لقد أصبحت إزالة الكربون حتمية جيوسياسية، ونحن نوجه الدعوة إلى شركائنا العالميين في الحكومات وعبر المؤسسات المالية الدولية للانضمام إلينا في تسريع تمويل الطاقة النظيفة، ومن خلال ملاحقة هدف الحياد المناخي، نستطيع أيضا تحقيق هدف أمن الطاقة.

* جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ونائب رئيس المفوضية الأوروبية من أجل أوروبا أقوى في العالم، وفيرنر هوير رئيس بنك الاستثمار الأوروبي.

* جوزيب بوريل وفيرنر هوير

Project Syndicate

back to top